الفنانة “جنات” تنقش الحنّاء على اليد وترسم الابتسامات على الوجوه
سنا الجميلي – بغداد
في مرسمها الصغير في الطابق الأخير بإحدى المجمعات التجارية في منطقة الشعب في بغداد تستقبل حنين موسى المعروفة بـ “جنات” من يأتي إليها بعبارات الترحيب كما لو كانت على معرفة قديمة بهم.
تعمل “جنات” في مهنة نقش الحناء منذ ثماني سنوات، “بدأت عملي في صنع الاكسسوارات اليدوية وبيعها في البازارات ولم أكن أعلم آنذاك أنني أمتلك موهبة نقش الحناء، وبعد فترة من الزمن اكتشفت طرق التعامل مع هذه المادة واستطعت تطوير مهاراتي بالرسم والنقش من خلالها”.
والحناء مادة ذات لون أخضر أو بني تستخدم منذ القدم في صباغة الشعر ورسم النقوش، وتصنع من معجون أوراق نبات الحناء المجفف والمسحوق، تترك على الجسم لساعات حتى تجف ثم يغسل الجلد، لتظهر الرسمة باللون البرتقالي أو البني.
ورثت “جنات” موهبة الرسم عن والدها الطبيب وأفراد آخرين من عائلتها معظمهم يجيد الرسم ويتخذونه هواية لهم لكنهم لم يستخدموا الحناء، “انا الوحيدة التي فعلت ذلك بسبب رغبتي بتكوين مشروعي التجاري الخاص”.
ويعتبر نقش الحناء من الموروثات التقليدية القديمة المستمرة إلى يومنا هذا، إذ تجتمع النساء في المناسبات والافراح لنقش التصاميم على الايدي والاقدام كنوع من الزينة، وفي الكثير من المدن العربية تجتمع الفتيات للقيام بجلسات الحناء أو ما يسمى بـ “يوم الحناء” الذي يسبق العيد بيوم واحد.
تتذكر “جنات” الأيام الأولى من بدء مشروعها وتجربتها في افتتاح صفحتها الإلكترونية قائلة: “نشرت أعمالي سنة 2017 وكانت في معظمها أعمالاً يدوية حققت انتشاراً سريعاً بسبب وجود المؤثرين وصناع المحتوى الذين ساهموا بنشرها”.
تعتمد الشابة حنين على الثقة والمودة التي بنتها مع الزبونات لتسويق مشروعها واعمالها فتعرض من خلالهن النقوش المختلفة التي صممتها وأنواع الحناء التي تستخدمها كما تعرض أحياناً مقاطع فيديو تظهر عفوية محادثاتها وتصرفاتها وتفاعلها مع الزبونات.
فاطمة شابة في أواخر العشرينات تروي تجربتها مع مرسم “جنات” قائلة: “اذهب الى جنات بسبب توفر أشكال مميزة ومتنوعة من النقوش وكذلك من ألوان الحناء المستعملة، وأيضاً لسرعة ودقة عملها”.
وتضيف: “تمتاز جنات بأسلوب ودود وعفوي مما يجعلها محبوبة وهو ما جعلني أعود إليها مرة ثانية بعدما التقيت بها لأول مرة في احدى البازارات”.
عند التصفح بكتيب النقوش الخاص بالمرسم، يمكن ملاحظة عشرات التصاميم والرسومات اللافتة للأنظار بعضها بسيط والآخر يبدو معقداً وصعب التنفيذ، لكن حينما تبدأ حنين برسم الخطوط الأساسية تنتهي بلمح البصر ثم تضيف التفاصيل النهائية للنقشة .
“يأتي هذا من الخبرة المتراكمة لديّ” توضح جنات مشيرة إلى أن التصاميم قد لا ترسم بشكل كامل ويعتمد الموضوع على حجم الأصابع واليد. “في بعض الأحيان تكون النقشة أكبر من يد الزبون او قد تكون مناسبة ولا تحتاج لإجراء تعديل عليها”.
تحرص حنين على استخدام مواد طبيعية وصحية في عملها، ففي وقتنا الحالي هناك العديد من أنواع الحناء المصنّعة، وتوضح أن الحناء التجارية “تحتوي على مادة كيميائية تسمى بـ بارافينيلين ديامين وهي صبغة تحرق الجلد وتترك أضرارا وتسبب التهاباً وحساسية على بعض أنواع البشرة”.
وتكمل أن “البعض يستخدم المواد الكيميائية حتى تبقى النقشة على البشرة لفترة أطول من الحناء الطبيعية” مشيرة إلى أن هناك نوع من الأعشاب دخل الأسواق مؤخرا يسمى بـ “حنة الجلكوا” وهو مستخرج من العشب يستخدم للتلوين الطبيعي للشعر ولتقويته.
شمس طالبة في كلية الفنون الجميلة تعمل مع حنين في ورشتها منذ خمسة أشهر، تصف لنا تجربتها بالعمل فتقول: “اتجهت إلي تعلم هذه المهنة لأنها قريبة من مجال دراستي ولأنّ بيئة العمل مريحة جداً”.
وتكمل: “نواجه بعض الأيام المتعبة لكن في المقابل نقضي وقتا طيباً في الحديث والعمل لأن أغلب الزبائن يكنّ من النساء المقبلات على الزواج يأتين مع أمهاتهن واخواتها، وإذا كان لديك شغف العمل يمكنك تحقيق نتائج جميلة”.
لا يقتصر عمل “جنات” على الرسم ونقش الحناء بل وسعت نشاطها ليشمل بيع الحناء الجاهزة للنقش، “صار لدي خبرة بأنواع الحناء المختلفة التي تناسب كل بشرة، فهناك أنواع من الحناء قد تسبب حساسية للبعض بينما تكون مناسبة لآخرين”.
بمقدور “جنات” أن تميز بين أنواع الحناء من رائحتها، حتى من دون النظر إليها، وتعرض هذه الشابة في مرسمها مجموعة من أنواع الحناء الطبيعية وأربع أنواع تجارية تناسب مختلف أنواع البشرة.
تعتبر “جنات” أن نجاحها في مشروعها يعود لأمرين اثنين: “اتقاني لعملي وحسن تعاملي مع زبائني” مؤكدة أن إسعاد الفتيات هو شغفها قبل أن يكون مصدر رزق لها، وأن الابتسامة التي تتركها على وجوههن تبقى لمدة طويلة، تماماً كما يبقى النقش المرسوم على أكف أيديهنّ.