البصرة تعد “المسموطة” استعداداً لعيد الفطر

فاطمة كريم – البصرة

“إنه أشهى الأطباق لدينا، فإذا ما زارنا ضيف نكرمه بطعام المسموطة”، هكذا يتحدث السمّاك عباس هادي عن تحضيرات أسواق البصرة لأكلة “المسموطة” والذي يبدأ قبل حلول عيد الفطر بنحو عشرة أيام. يعمل عباس في سوق في قضاء الزبير يطلق عليه اسم “سوق الجبيرة”، عمل في سنوات صباه مع والده صيادا لكنه أصبح فيما بعد يبيع الأسماك في محل داخل السوق.

يقول عباس “مهنة الصيد أعطتني خبرة كبيرة في أنواع الأسماك المختلفة ومنشأها ولأي نوع من الطهي يصلح كل نوع منها لذلك فإن زبائني في السوق يثقون بي وبالمسموطة التي أبيعها”.

تصنع أكلة المسموطة من السمك وقد توارثها العراقيون من أيام الحضارة السومرية وهناك من يرى بأن إسمها مشتق من اللفظة العامية “تسمط” والتي ترادف السلق بالماء مع الملح والتوابل. 

واعتاد الناس في جنوب العراق على تناول هذه الوجبة وباتت المشهورة في الأوساط الشعبية والتي تتفنن العوائل في طهيها. 

يقول عباس “تختلف أنواع المسموطة حسب نوع السمك المجفف، فهناك نوع يسمى المهروثة وهو نوع من الأسماك يكون كبيراً، ويقطَع منه الرأس والذيل وتستخرج منه العظام بعدها، ليتمّ إعداده بالطريقة التي تعد فيها المسموطة وهناك انواع عديدة أخرى”.

تبدأ أسواق البصرة استعدادها لاستقبال عيد الفطر بتحضير طعام المسموطة التي تعد الوجبة الأولى بعد ثلاثين يوم من الصيام. وبذلك يسرع سكان البصرة لشرائها بلهفة كبيرة إذ تتزين الأسواق بالاسماك المعلقة على حبال او المعروضة على البسطات وتمتلئ الشوارع برائحتها.

اما عن طريقة تحضيرها فيتم تنظيف السمك وتنزع منه القشور وترشّ عليه كميات كبيرة من الملح ويعلق لعدة أيام على حبال في الظل أو تحت أشعّة الشمس حتى يجف بشكل تام، وتجمع كل مجموعة منه بخيوط على شكل قلادة بالنسبة إلى الأسماك الصغيرة، أما الكبيرة فتعلق كل سمكة بمفردها.

سهام حيدر امرأة في الثانية والأربعين من عمرها متزوجة ولديها أربعة أبناء تسكن في المنطقة المجاورة لسوق الجبيرة، تقول”اعتدنا على شراء المسموطة في العيد فهي وجبة لذيذة وتحمل قيمة غذائية كبيرة”. 

تتجول سهام وسط السوق وتتبضع بعض المشتريات استعدادا لوليمة العيد وقد اختارت المسموطة لتكن الطبق الرئيسي على المائدة.

تقول سهام “هناك طرق مختلفة لطبخ المسموطة، أنا أقوم غسل السمك وتقطيعه ثم إعداد المكونات الضرورية لتحضير المسموطة، كالزيت والماء والبصل والثوم والتوابل كالكركم والكاري  وهناك بعض العوائل تضيف البامية أو اللوبيا، ثم توضع على النار وتنتج حساء ذا لون أصفر، وتقدم مع الخبز الحار والمخللات والبصل الأخضر الطازج والتمر واللبن والنومي الحامض وغيرها”.

ولا يقتصر تناول المسموطة على فترة الأعياد فقط فهذه الوجبة باتت جزءاً من المطبخ التقليدي  المرتبط بحضارة بلاد الرافدين القديمة، حيث توارث السكان طرق إعدادها منذ آلاف السنين دون أن يطرأ عليها تغييرات كبيرة، لكنها تشهد انتشاراً واسعا في المناطق الشعبية والأرياف بالمقارنة مع مراكز المدن التي يقتصر فيها تناول الوجبة على فترة عيدي الأضحى والفطر بدلا من أيام الجمع والعطل كما جرت العادة في سنوات سابقة.

ابو حسن، 38 عاماً، يملك محلاً لبيع السمك في السوق مجاور لمحل عباس. تربى أبو حسن في الاهوار وهو يحرص على الذهاب إلى مناطق الأهوار في كل عيد لأكل المسموطة مع عائلته، حيث يعتبرها الأكلة المحببة لديه، “فهي امتداد لتراث الآباء والأجداد لدى سكان الأهوار” بحسب ما قال للمنصة، وتابع: “سابقاً لم تكن هناك ثلاجات لحفظ السمك، فكانوا يملحونه ويجففونه تحت الشمس”. 

يتحدث أبو حسن عن ارتفاع أسعار الأسماك بشكل كبير عما في السابق بسبب الجفاف الذي التهم مساحة كبيرة من الاهوار وبسبب طرق الصيد الجائر التي أدت إلى فقدان البيئة الحيوية في الجنوب أنواع عديدة من السمك، فضلا عن عوامل اقتصادية أخرى كتراجع قيمة العملة الوطنية، أسهمت في رفع سعر الأسماك، فأصبح الكيلوغرام الواحد يصل إلى عشرة آلاف دينار عراقي.

ويختلف طعم المسموطة من سمكة إلى أخرى ومدى الوقت الذي استغرقته في التجفيف، ولعل أبرز الأسماك التي يتم تجفيفها من قبل السكان هي “الشلك والشانك والحمري والخشني والسمتي والبني والكطان”، لكن الطعم المفضل في الطبخ هو سمك “الشلك” لدى جزء من أهالي البصرة بينما تفضل مناطق أخرى “السمتي” بحسب ما يقول أبو حسن  السماك.

أما السماك عباس فينصح زبائنه بشراء المسموطة قبل نفاذ الكمية نتيجة كثرة الطلبات عليها مع اقتراب عيد الفطر  ويضيف أن هذه الأكلة أصبحت عامل استقطاب سياحي لغير الجنوبيين الذين يزورون مناطق الأهوار ومحافظة البصرة لتذوق أكلة المسموطة، بل إنها تحولت إلى مادة غنائية لدى أهل الجنوب في الأغنية التراثية الشهيرة “مسموطة والجاي مخدر”.   

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى