عون السميحي: ذاكرة سوق الشيوخ البصرية
ذي قار- مرتضى الحدود
“ذاكرة سوق الشيوخ الصورية”، لقبٌ حازه المؤرشف عون السميحي الذي جمع آلافاً من الصور تروي تاريخ مدينة سوق الشيوخ جنوبي محافظة ذي قار عبر عشرات السنين.
الصور التي جمعها السميحي، الرجل الخمسيني الذي يقيم في قضاء سوق الشيوخ، وصل عددها حتى اليوم لقرابة 25 ألف صورة، تُوثق تاريخ القضاء من شخوص ومبانٍ ومعالم تاريخية واحتفالات ومآتم.
يقول السميحي للمنصة وهو يحمل بيده أقدم صورة في مجموعته عمرها ينوف عن القرن، أن هذه الصورة تظهر وفداً كوردياً زار قضاء سوق الشيوخ عام 1916 معدداً أسماء الشخصيات التي قامت باستقبال الوفد.
ثم يروي لنا قصة هوايته هذه قائلاً إنها بدأت في تسعينيات القرن الماضي، مع أول صورة احتفظ بها لموظفين من بلدية سوق الشيوخ، قام بطباعتها ووضعها في البوم فارغ، ومنها انطلقت حياته الأرشيفية.
رغبة السميحي بجمع الصور تشكّل بالنسبة لمن يعرفه عن قرب شغفاً استثنائياً، فهو لا يكتفي بجمعها فقط بل يسعى جاهداً للحفاظ عليها وعرضها للجمهور عند زياتهم له، مخصصاً إحدى غرف منزله ملاذاً آمناً لأرشيفه الضخم ليكون شاهدا على تاريخ المدينة بجميع حقبها وتحولاتها.
تُعدّ مدينة سوق الشيوخ موطنًا للعديد من الشعراء الشعبيين المشهورين، ومن أبرزهم الشاعر “أبو معيشي” الذي تُوفي عام 1978. وتُجسّد إبداعات هؤلاء الشعراء تراثاً ثقافياً غنياً يُشكل جزءاً لا يتجزأ من هوية المدينة.
يقول السميحي: “هدفي من جمع الصور وعرضها هو الحفاظ على التراث الثقافي للأجيال القادمة. فهي تُمثّل نافذة على الماضي، وتُساعدنا على فهم حاضرنا بشكل أفضل، كما تُلهمنا لبناء مستقبل أفضل”.
ويكمل بانه تواصل مع ثلاثة مصورين في مدينته كان لهم دور في جمع هذا الارشيف وهم ذياب دلي وجهاد العتابي وعبد الاله البلداوي.
أما طريقة الحفاظ على هذا الكم الهائل من الصور فكان من خلال تحويلها لأرشيف الكتروني يحميها من الضياع، وأيضا طباعتها بشكل ورقي بأحجام مكبرة ملصقة على ألواح خشبية.
كما أن لدى السميحي آرشيف آخر من “الجامة”، وهي ألواح زجاجية كانت تستخدم للتصوير في الثلاثينيات والأربعينيات يحافظ عليها بحرص في غرفة خاصة في منزله.
ولتعريف العراقيين -وتحديداً أهالي ذي قار- بنشاطه أنشـأ المؤرشف العراقي على صفحة على “فيسبوك” بعنوان “سوق الشيوخ بدون ألوان” ينشر من خلالها صوراً من أرشيفه مع نبذة عن محتوى كل صورة، وقد تجاوز عدد متابعيها 37 ألف متابع.
ولم تقتصر جهود السميحي عند هذا الحد، فهو يواظب على المشاركة بعشرات المحافل الثقافية التي يعرض فيها تاريخ مدينته محاولاً اقناع المؤسسات الحكومية بضرورة انشاء متحف خاص يضم هذه الذاكرة.
منهج التصوير التوثيقي هو نوع ليس بجديد في العراق والعالم وهناك من اتخذه طريقاً لتوثيق حياته اليومية فيما اتجه اخرون لتوثيق الحياة البرية أو الآثار أو غيرها من الموضوعات.
ومنذ عام تقريبا صدرت في العراق “موسوعة العراق المصورة” التي احتوت على 600 صورة توثيقية للآثار العراقية تمثل هوية العراق بمراحله التاريخية المتعاقبة.
وقد قامت شبكة الإعلام العراقي بالتعاون مع البنك المركزي العراقي ورابطة المصارف العراقية وصندوق المبادرات المجتمعية (تمكين) بدعم الطبعة التي استغرقَ العمل عليها حوالي ثلاث سنوات.
الكاتب فاهم العفريت وهو صديق لعون السميحي يقول للمنصة بان “مدينة سوق الشيوخ واحدة من المدن الحافلة والغنية بالثقافة والفن وزاهرة بالإنجازات والكنوز التراثية”.
ويرى أن جهود عون السميحي في جمع الصور القديمة من عدسات واستديوهات المصورين القدامى في سوق الشيوخ “هواية تحمل عنواناً فكرياً وثقافياً وتترك لنا أرشيفاً غنياً يروي حكاية المدينة عبر الزمن”.