آخر مصوري بغداد

بغداد- مصطفى جمال مراد

داخل إحدى الأزقة العتيقة لباب الدروازة في مدينة الكاظمية المقدسة، يقبع استوديو بردى المعروف سابقًا باسم استوديو نينوى. هذا الاستوديو يحتضن تاريخًا طويلًا مزيّنًا بالصور والحكايات التي تجسدها العدسة.

يعمل في هذا الاستوديو الحاج محمد عبد الأمير، المولود عام 1946، واحد من أقدم المصورين في مدينة الكاظمية وأشهرهم. يقول الحاج محمد للمنصة: “منذ بدايتي في سنة 1961 وحتى الآن، جلس العديد من الأشخاص في الاستوديو والتقطوا العديد من الصور بمختلف الأعمار، كبارًا كانوا أم صغارًا ومن مختلف طبقات المجتمع”.

بدأ الحاج محمد مهنة التصوير في سن 13 اي أنه يعمل كمصور منذ 61 عامًا. خلال مدة عمله الطويلة كوّن الكثير من المعارف والصلات في العديد من مناطق بغداد. يقول الحاج محمد: “لقد أحببت هذه المهنة من خلال أصدقائي المصورين، ودفعني فضولي لتعلم التصوير”. 

كان موقع الاستوديو في السبعينيات في شارع الشريف الرضي وكان يسمى استوديو نينوى، ثم انتقل عام 1978 إلى باب الدروازة باسم ستوديو بردى.

داخل استوديو بردى صور الحاج محمد العديد من الشخصيات المعروفة كالممثلة هند كامل والممثلة آمال ياسين، والكاتب والمخرج مقداد عبد الرضى فضلاً عن زعامات عشائرية ودينية تحظى بتقدير اجتماعي.

وكان الحاج محمد سابقًا يصور داخل الصحن الكاظمي المقدس أثناء المناسبات،”كنت أصور الشخصيات الدينية المهمة أثناء ممارستهم الشعائر الدينية”.

خلال مسيرته الطويلة جرّب الحاج محمد مختلف أنواع التصوير بما في ذلك “التصوير الشمسي”، وهي مهنة فنية شعبية ظهرت في العراق خلال فترة العشرينيات من القرن الماضي حيث يقف المصور خلف صندوق خشبي موضوع على ركائز له ما يشبه الخرطوم مصنوع من القماش الأسود.

يتذكر الحاج محمد تلك الأيام قائلاً: “كان الناس يخافون من التصوير الشمسي لأنهم يرون رجلًا يدخل رأسه داخل كيس قماش أسود ويمد يديه داخل الكاميرا”. ويكمل: “استخدمت هذا النوع من الكاميرات من سنة 1960 إلى 1961، ثم أخذت هذه الطريقة بالاندثار”.

كما عمل الحاج محمد في التصوير الأبيض والأسود وكذلك التصوير الملون الذي كان يتطلب سلسلة من الإجراءات من بينها استخدام مواد زيتية لتلوين الصور، وكان موعد استلام الصور الملونة بعد خمسة أيام أو أسبوع من التقاطها.

يقول الحاج محمد: “جربت خلال مسيرتي المهنية كل أنواع الكاميرات التي يمكن أن تتوقعها، ابتداء من الخشبية إلى الكاميرات الحديثة، مثل رول فلكس ونيكون وكوداك”.

يتذكر الرجل البغدادي واحدا من أبرز المواقف التي بقيت عالقة في ذهنه قبل امتهانه التصوير. كان ذلك يوم 14 تموز من العام 1958. عندما ذهب هو وأسرته إلى قصر الرحاب، فوجدوا انفسهم شاهدين على واحد من ابرز الاحداث التي عاشتها البلاد إثر انقلاب عبد الكريم قاسم على الحكم الملكي.

في ذلك اليوم تم سحل نوري سعيد من ساحة العروبة وصولًا إلى ساحة عدن، حيث أحرق الانقلابيون جثته.

“لم أصور الأحداث، كنت ما زلت طفلا، لكني كنت متواجدا هناك، وتمنيت لو كان بحوزتي كاميرا اوثق فيها تلك الساعات”.   

مع مرور كل هذه السنوات على استديو بردى يبدو الحاج محمد اليوم حزيناً على وضعه وأوضاع المصورين من أمثاله، فقد بدأ عدد زبائنهم يقل بعد سنة 2003 مع دخول الأجهزة الحديثة التي كانت يمنعها النظام السابق، وبدأت مهنة المصور تندثر، ليس فقط في بغداد بل في كل دول العالم.

مع هذا، ما زال هناك من يقصد محل الحاج محمد من أجل صورة خاصة بمعاملة حكومية أو لتصوير الأطفال أو العرسان، ومنهم كذلك من يأتي من ضواحٍ وأحياء بعيدة،  فقط وفاءً لعادة التصوير في الاستديو. 

  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى