سوق الملحاني.. مائة عام مع سعف النخيل
بغداد- سارة حسين
في أحد أزقة مدينة الكاظمية في جانب الكرخ من بغداد يقبع سوق الملحاني الذي يمتد تاريخه لأكثر من مائة عام. هذا السوق لا يزال ينبض بالحياة، محاطاً بروائح الخضار الطازجة وأصوات الحرفيين الذين يواصلون تقاليدهم القديمة.
بين تلك الأزقة، يقف أبو عباس، أحد أقدم الحرفيين هنا، يروي حكايات عن صناعة الكراسي والأقفاص، حيث تلتقي الأجيال وتتوارث مهنة لم تتغير على مر العقود قوامها سعف النخيل.
يُعد سوق الملحاني واحداً من أعرق أسواق مدينة الكاظمية فقد تأسس في العشرينيات في حي العروبة قرب كراج السيد محمد ليوفر للأهالي احتياجاتهم من الخضار واللحوم والسلع الأساسية، لكن اكثر ما يشتهر به هو صناعة الأقفاص والكراسي من جريد النخل.
أبو عباس أحد أقدم وأكبر البائعين في سوق الملحاني، يبلغ من العمر 66 عاماً، توارث مهنة صنع الكراسي والأقفاص والتخوت أباً عن جد وعلّمها منذ الثمانينيات للكثيرين غيره كي لا تندثر.
يسكن أبو عباس في منطقة البياع الواقعة في حي المأمون في بغداد. يستيقظ كل يوم عند الساعة الرابعة والنصف ليؤدي صلاة الفجر، ثم يتناول فطوره ويتجه إلى عمله ليصل عند الساعة الخامسة والنصف.
يشير أبو عباس إلى أن هناك أنواعاً عديدة من الكراسي التي يقوم بصنعها، منها الكرسي “العادي”، و”السلطاني”، و”الملكي”. ويبلغ سعر الكرسي العادي خمسة عشر ألف دينار وبقية الكراسي أغلى ثمناً بقليل، أما التخوت التي تكون عبارة عن أريكة كبيرة، وطاولة، وطبلة، وأربعة كراسٍ، فتتراوح أسعارها بين 150 إلى 250 ألف دينار.
أما السعف الذي تصنع منه هذه المفروشات فيبلغ سعر السعفة الواحدة منها 300 دينار، وتُشترى 1000 سعفة بمبلغ 350 ألف دينار. وتأتي من مختلف المحافظات مثل الناصرية وديالى.
يبدأ أبو عباس عمله بتقسيم السعفة الواحدة، ثم جردها (تقشيرها) وثقبها باستخدام أدواته مثل الخشب والمنشار والفأس، يساعده في ذلك علي، أصغر العاملين لديه. ويوضح أن السعف يتنوع بين الأخضر والجاف، ولا يمكن صنع الكراسي دون دمج النوعين معاً، فالسعف الجاف يُستخدم لصنع الأشياش، أما السعف الأخضر فيكون قابلاً للثقب.
وبحسب هذا الحرفي فإن سوق الملحاني كان يضم في السابق 15 محلاً متخصصة بهذه المهنة، لكنه الآن عدد المحال يقل عن خمسة. ويشير أيضاً إلى أن إقبال الناس على هذه المهنة قد قلَّ هو الآخر.
الشاب عباس، الذي يبلغ من العمر 27 عاماً أحد الذين تدربوا على يد أبي عباس وهو صديق لوالده، فتعلم أصول العمل في ورشته منذ عام 2011 حتى 2017، ثم فتح مكاناً خاصاً به مع ثلاثة عمال، عاملان عراقيان وعامل مصري الجنسية.
يحب عباس هذه المهنة التي تتميز بأنها صناعة يدوية محلية، لكنه يشير إلى أن أهم العوائق التي تواجهه تتعلق بسعر السعف، إذ يكون غالي الثمن ونادر في شهور تموز وآب وأيلول مما يجعل من دخله متقلباً بحسب مواسم النخيل.
بالرغم من مشكلاته المادية، عندما يتحدث الشاب عن مهنته يتكلم بحب واضح من نبرة كلامه، وينظر إلى معلمه السابق أبي عباس نظرات امتنان “فقد وقف إلى جانبي حتى أصبحن مبدعاً في عملي”، يقول.
أما كل ما يأمله فأن “يُعاد تأهيل السوق وتطويره ليكون لائقاً بتاريخ مدينة بغداد وليكون جاذباً لملايين الزوار الذين يأتون إلى العاصمة سنوياً، خصوصاً في المناسبات الدينية”.