النحل العراقي لا يشعر فقط بالتغيرات المناخية.. بل يتنبّأ بها 

المنصة – بغداد

“يُلقب النحالون بـ بدو الطبيعة، فهم يرتحلون من مكان إلى آخر ومن محافظة إلى أخرى بحثاً عن مناطق واسعة ومساحات خضراء كبيرة للنحل، ويصارعون عصف التغيرات المناخية، تخوفاً من وصول ألسنة الحرارة والجفاف إلى مناحلهم وتدميرها”، هكذا وصفت زينب المعموري، الخمسينية، حال النحالين في العراق. 

زينب المعموري أم لأربعة أطفال، حاصلة على شهادة جامعية، لكنها تتخذ من تربية النحل وسيلة لتأمين احتياجاتها. وقد تبوأت مناصب عدة في هذا المجال، مثل رئيسة اتحاد النحالين العرب لقسم المرأة سابقاً، ومديرة قسم الإرشاد التدريبي لجمعية النحال البابلي، ودربت العديد من النساء، ليصل عددهن إلى أكثر من 100 امرأة، حتى باتت تُلقب بـ”ملكة النحل”.

تقول زينب المعموري للمنصة: “كنا نعيش داخل بغداد بمنطقة اليوسفية ونملك أراضٍ زراعية كبيرة استثمرها زوجي في تربية النحل، لكن في العام 2006 تركنا كل شيء وانتقلنا إلى بابل خوفاً على حياتنا من القتل الطائفي. سكنت في بابل بمنطقة البوعلوان الغنية بالحمضيات والفواكه”.

لا تخلو تربية النحل من آثار الضرر الذي تسببت به التغيرات البيئية، فأغلب المشكلات التي يعاني منها أصحاب المناحل ناتجة عن ضعف القطاع الزراعي في العراق، خصوصاً في المناطق الوسطى والجنوبية التي تحتاج إلى اهتمام أكبر. 

وبحسب المعموري، لم يشعر النحالون بأي مساعدة من الجهات المسؤولة، بل استمر تجريف الأراضي الزراعية في عدة مدن لصالح الاستثمار بالعقارات، الأمر الذي أدى إلى تقليص المساحات الخضراء وأثر على النحل الذي يحتاج إلى مساحات خضراء واسعة للبحث عن الغذاء، حيث يذهب النحل لمسافة تصل إلى سبعة كيلومترات لهذا الغرض.

وتضيف زينب المعموري: “إن نقص المياه في ظل ارتفاع درجات الحرارة يقلل من إنتاج الخلايا ويؤدي إلى توقف الملكة عن إنتاج البيوض”. 

كل هذه الظروف البيئية، بالإضافة إلى الإهمال وجشع المستثمرين، تكون ضد النحل والنحالين، فقد كان لدى زينب المعموري 300 خلية نحل قبل سنتين ولكن مع مرور الوقت وسيطرة التأثيرات المناخية، تقلص العدد إلى 250 خلية، مما يعني فقدان عدد غير قليل من الخلايا. 

تؤكد الخبيرة العراقية أن تربية النحل هي بالأصل مهمة شاقة وهناك تحديات كان النحال يصارعها حتى قبل اشتداد التغيرات المناخية، فهناك بعض الحيوانات والحشرات موجودة بكثرة في العراق وتلعب دورا كبيرا في نقصان عدد النحل أو موتها كالدبور وطير الوروار.  

وتوضح: “يحتاج النحال إلى مكافحة الدبور والحشرات الأخرى، أما طائر الوروار فيكون من الصعب التخلص منه.” وتضيف: “يقف الطير في مكان قريب من الخلايا، وعندما يصدر أصواتاً يبقى النحل كله داخل الخلايا”.

يعتبر فصل الربيع الأهم للنحالين، حيث تقوم زينب بتقسيم الخلية والحصول على الطرود، وتكثير بعضها، وشطرها إلى قسمين. ففي الربيع، تتواجد حبوب اللقاح والورود والمحاصيل الزراعية، ويتحرك النحل بشكل جيد. لكن في موسم الجفاف عند ارتفاع درجات الحرارة وقلة المحاصيل الزراعية، يتأثر النحل سلباً، ويقل نشاطه وإنتاجه.

وتوضح زينب المعموري: “درجة خلية النحل الطبيعية تكون 36 درجة مئوية، وفي فصل الشتاء، إذا كانت درجة الحرارة 12 مئوية يمكن للنحل الخروج من الخلية للبحث عن الغذاء، أما إذا كانت أقل من ذلك، فلن يخرج النحل إلا عند تحسن درجة الحرارة”.

ويقوم النحل بتكييف الخلية والسيطرة على درجة حرارتها في فصل الشتاء والصيف، حيث يعملون على تدفئتها في الشتاء وتبريدها في الصيف بجلب المياه من أي نهر أو بركة أو صنبور، بشرط أن يكون الماء نقياً لتبريد الخلية به.

ويقول عمر عبد اللطيف، عضو مرصد المناخ الأخضر: “إن بيئة بغداد يقل فيها عدد النحالين بسبب نسبة التلوث العالية وتحولها إلى مدينة رصاصية تكثر فيها المنازل في المناطق الزراعية”. ويكمل: “بعد أن كانت بعض مناطقها الزراعية مساحات خضراء مثل منطقة الراشدية، تحولت إلى منازل”. وأضاف أن مناطق شمالي العراق مزدهرة بالمناحل وتمتلك أجود أنواع العسل بفضل وفرة المساحات الخضراء ونقاوة المناخ وقلة تأثره بالتغير المناخي.

وتؤيده في ذلك زينب المعموري التي قالت للمنصة إن “إقليم كردستان أصبح في الفترة الأخيرة يمنع النحالين من الوسط والجنوب من نقل مناحلهم إليه لأن لديهم نحالين ولا يرغبون أن يزاحمهم أحد على أرزاقهم”.

يُعتبر العراق البلد الخامس في العالم من حيث تأثره بالتغيرات المناخية التي قادت مئات النحالين في المناطق الجنوبية وبعض المناطق الوسطى، ووكذلك الموصل وصلاح الدين وكركوك إلى استخدام طرق بديلة في تغذية النحل.

وتقول المعموري: “عند تناقص المحاصيل أو في الخريف أو في اوقات الجفاف يتم استخدام حبوب اللقاح وعجينة النكتابون والمحلول السكري في تغذية النحل لكي لا يموت ويتوقف عن إنتاج العسل، وذلك لأن النحل يحتاج إلى تغذية”.

لكن عمر عبد اللطيف حذر من العسل الناتج عن تغذية النحل على المحلول السكري قائلاً: “لا يجب الاعتماد على هذا النوع من العسل لأنه غير مفيد ويحتوي على نسبة سكر عالية وذو تأثير سيئ على مرضى السكر والرياضيين. إذ ينتج عن ذلك سكرا مركزا ويكون متبلورا ويبدو وكأنك تأكل سكراً مع عسل”.

من ناحيتها، ترفض زينب المعموري تصدير العسل خلال هذا الموسم وتستخدم تلك الوسائل فقط لتغذية نحلها واستمرار ديمومته. وتؤكد أن الأمر يعتمد على ضمير النحال فيما إذا كان يستخدم تلك الوسائل لاستمرارية ديمومة المنحل خلال فصل الخريف وجفاف المحاصيل أو لأغراض جشعه الشخصي.

وأكد الدكتور منتصر صباح الحسناوي، نائب رئيس اتحاد النحالين العرب، أن إنتاج البلاد من العسل كان يصل إلى 1700 طن سنوياً من خلال 350 ألف خلية يمتلكها 17 ألف نحال مسجل في البلاد، إضافة إلى هواة غير مسجلين. ويعتمد الإنتاج على التنوع النباتي المتواجد في المنطقة، فهو يتغذى بشكل رئيسي على الجت والبرسيم والأشجار بمختلف أنواعها مثل الكالبتوس.

ويؤكد الخبراء الذين التقيناهم ان نوع النحل المتواجد في العراق هو نحل هجين يتحمل درجات حرارة عالية. “النحل العراقي شرس جدًا وله طريقة تعامل خاصة ولا يمكن استيراده من الخارج، لأن النحل الأوروبي وغيره لا يتحمل بيئة وأجواء العراق” تقول العموري، و”يبدأ تكاثر النحل بقوة من منتصف الشهر الثاني إلى الشهر السادس، ولكن الآن أصبح التكاثر مبكراً في بداية الشهر الثاني ربما بسبب التغيرات المناخية”.

أما الحسناوي فيعلق على تغير سلوك النحل بالقول: “إن النحل يتنبأ بالتغيرات المناخية ويجلب المياه، وعند حدوث أي عواصف ترابية يدخل إلى الخلية، ولا ندري ما هي التغيرات القادمة في سلوكه إذا ما تفاقمت حالة الجفاف والتلوث في البلاد”.

ولكن العواصف تؤثر بشكل سلبي وتغلق الثغرات الموجودة في المنحل، وفي بعض الأحيان تسبب العواصف الشديدة ضررًا كبيرًا على المنحل وتتسبب في كسره.

تقول زينب المعموري: “لا يوجد دعم من الدولة ولم تقدم وزارة الزراعة أي شيء للنحالين. لدي جمعية النحالين البابليين ومديرة قسم تدريب، وسابقًا دربنا العديد من النساء الأرامل والمطلقات.” وتكمل قائلة: “وبعد توقف دعم المنظمات الخارجية، فتحت داري لتدريب النساء ولم أحصل حتى على كلمة شكر من الدولة.”

وتتحدث زينب المعموري عن أن لديها العديد من المقابلات مع قنوات محلية وعربية، ولم يصل صوتها لأي من المسؤولين. ولكن عند حدوث معرض ما، يقومون بالاتصال بها طلبًا لمشاركتها ليتفاخروا بالمنتوج المحلي أمام الدول الأخرى.

ويقول عبد اللطيف: “وزارة الزراعة لم توفر سوى الإحصاءات، وكانت في السابق توفر مبيدات صديقة للبيئة، ولكن الآن لم توفر شيئًا.”

يقوم النحالون الذين لديهم ضعف في الخلايا بشراء المناحل من النحالين في المناطق التي يكون فيها الإنتاج مستمرًا، مثل منطقة جبلة في بابل وكذلك ديالى واليوسفية في بغداد. يجب أن تقوم وزارة الزراعة بتوعية الفلاحين بأهمية النحل وعدم رش المبيدات غير الصديقة للبيئة لأنها تتسبب في القضاء على النحل.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى