منذ ستين عاماً.. عصير بغداديّ لمرضى السكري والكبد
بين العبوات الزجاجية التي تتلألأ بألوان العسل الطبيعي المتنوعة، يقف رجل مبتسم يرحب بالناس بجملة “هلا بحبايب حجي عبيد”، محافظاً بذلك على ذكرى عمه الراحل مؤسس المحل.
“محل زبيب حجي عبيد”، الذي تأسس في عام 1958، أحد معالم التراث البغدادي القديم، إذ كان أول محل يختص ببيع الزبيب والعسل الطبيعي دون إضافة ألوان أو مطيبات، لم يتوقف عن جذب الزبائن إليه منذ ذلك الحين وحتى الآن.
بدأ المحل بقارورة زجاجية واحدة تحتوي على نوع واحد من العصير، وهو الزبيب، وكانت البداية في شارع الرشيد. ومع مرور الوقت، ونتيجة لرغبة الزبائن في توسيع الفروع لتسهيل الشراء، تم افتتاح عدة فروع في مناطق مثل البياع، والوثبة، واليرموك، كما تمت إضافة أنواع جديدة من العصائر مثل الرمان والتمر الهندي لتلبية رغبات الزبائن الجدد، خاصة الشباب.
عقيل، ابن أخ حجي عبيد، يبلغ من العمر خمسة وأربعين عاماً، ورث المهنة عن عمه. يقول: “البغدادي الأصيل لا يغير مهنته أبداً، وهذا هو السبب الذي جعلنا نستمر على خطى عمي منذ ذلك الوقت وحتى اليوم”.
يضيف عقيل أن العسل الذي يستخدمه يأتي من مناحله الخاصة في العمادية بدهوك، وهو طبيعي بنسبة مئة بالمئة، مثل السدر، والجبلي، والبرسيم. كما أن العائلة تمتلك منزلاً مخصصاً لتخزين الزبيب المستورد من السليمانية.
يشير عقيل إلى أن التغيرات المناخية التي جعلت الشتاء أقل برودة ساعدت على استمرار العمل حتى في فصل الشتاء. “الناس كانوا يفضلون شرب العصير حتى في أيام الشتاء الباردة نظرا للذاذة طعمه وفوائده الصحية”.
ثم يتحدث عقيل عن كيفية تحضير العصير، التي تبدأ بغسل الزبيب الذي يأتي به من السليمانية، ثم فرمه ونقعه بالماء لمدة ساعة، وأخيراً تصفية مائه ليصبح عصيراً، مع إضافة العسل الطبيعي إليه.
طوال أكثر من ستة عقود، مر على شارع الرشيد وغيره من شوارع العاصمة مجموعة من التحولات السياسية، والصراعات بين الأنظمة، أدت إلى إغلاق المحل أكثر من مرة، لكن أطول مدة إغلاق كانت عقب إسقاط نظام صدام حسين، ودامت شهرين متتاليين. “تمكنا من التغلب على تلك الظروف بفضل التخطيط المسبق وإدارة الموارد” يقول.
ضحى، وهي زبونة دائمة للمحل وتبلغ من العمر عشرين عاماً، تقول إنها كانت تعاني من فقر دم حاد، ولكن بفضل هذا العصير الطبيعي والمواظبة على تناوله، شُفيت تماماً. كما أنها تشجع زملاءها في الجامعة على شرب عصير الزبيب أثناء فترة الامتحانات لتحسين الذاكرة.
يوافقها الرأي عقيل ويضيف أن محله يشهد إقبالاً من المصابين بأمراض الكبد وفقر الدم والسكري، فهو يعرف نوع العسل المناسب لكل حالة صحية.
أم عزيز، وهي امرأة مسنة ومصابة بالسكري، تقول إنها استشارت طبيبها حول شرب العصير بعسل البرسيم الذي يحتوي على خمسين بالمئة سكر، وشجعها على ذلك، لذا هي تأتي كل أسبوعين لتناول العصير من يد عقيل.
بائع العصير هذا يتحدث عن خطط مستقبلية لافتتاح فروع جديدة في مناطق مثل السيدية والمحافظات الأخرى مثل كربلاء والبصرة والنجف، نظراً للطلب المتزايد على منتجاته.
ويرى أن سر نجاحه يعود إلى التمسك بأصالة المهنة مع إدخال بعض التطورات لضمان جودة الخدمة، مؤكدًا أن “كل ما هو عتيق وأصيل له قيمته التي لا تقدر بثمن”.