حلاق بغداد يحتفظ بأسرار المكائن اليدوية منذ نصف قرن

بغداد- مصطفى جمال مراد

في دربونة في محلة الشواكة في جانب الكرخ من بغداد تُباع على جانبيها شتى أنواع الخيوط والحبال المخصصة لصيد السمك، هناك متجر صغير يختلف عن سائر المتاجر الموجودة يحتوي كرسيًا للحلاقة ومكائن حلاقة يدوية ومقصات وأمشاط، يرتاد هذا المتجر زبائن من أعمار مختلفة يقصدون الحلاق سالم رشيد.

سالم رشيد الملقب بـ “أبو علي”، يبلغ من العمر 64 عامًا، ويعمل في مهنة الحلاقة منذ أكثر من خمسين عامًا، منذ أن كان عمره عشر سنوات، فقد نشأ في أسرة فقيرة شجعته على العمل في هذه المهنة.

يقول سالم رشيد للمنصة: “كنت أعمل في محل صغير مع أستاذي الحلاق فرحان، الذي لا يزال حيًا يُرزق. تعلمت في سن العاشرة واحترفت المهنة في سن 18 عامًا، وبعدها دخلت الجيش واستمريت بالحلاقة حيث كنت عريفًا حلاقًا في الجيش العراقي”.

أثناء تأديته الخدمة العسكرية كان سالم رشيد يحلق رؤوس ضباط رفيعي المستوى في الجيش ومراتب عسكرية أخرى، أما في بداياته، فكان يحلق لزبائنه في متجر حلاقة داخل منطقة العلاوي بجانب ما كان يعرف بـ “مركز صدام حسين” للفنون. وهي محلة سكنية قديمة في صَوب الكرخ وسوق بغدادي شعبي عريق مزدحم.

عانى سالم رشيد من صعوبات كبيرة في البدايات، ويقول للمنصة: “بداية تعلمي لمهنة الحلاقة كانت صعبة جدًا. كنت أرتجف وقلبي يؤلمني من الخوف، وأتساءل بداخلي عن كيف سيكون شكل الزبون بعد الحلاقة، هل سيكون راضيًا؟”.

ويكمل قائلًا: “في بعض الأحيان كنت أسبب بعض الخدوش أثناء الحلاقة لزبائني لأن يدي كانت ترتجف من الخوف، لكن بعد ذلك أصبح الأمر سهلًا ويمكنني الآن حلق أي زبون بسهولة حتى وإن أغلقت عيني”.

يعمل سالم رشيد مرة واحدة فقط في الأسبوع بسبب كبر سنه، يأتي من منزله الذي يقع في منطقة التاجي، بعيدًا جدًا عن محله في الشواكة، يقوم بحلاقة شعر أصدقائه وزبائنه القدماء، أما في بقية الأيام فيتولى المهمة ابنه حسن. يقول رشيد: “أعشق أسلوب الحلاقة القديم. في اليوم الذي لا أعمل فيه أشعر بالحزن لأنني أقدس هذه المهنة”.

انتقل رشيد من محله السابق بعد أحداث 2003 حيث نشبت معارك، خصوصًا في سوق العلاوي، فقام ببيع متجر الحلاقة هناك وشراء متجر آخر في منطقة الشواكة التي تُعد من المناطق الأثرية في العاصمة بغداد. وسميت الشواكة لأنها كانت مكانًا لبيع الشوك وعروق الحطب.

يعتبر سالم رشيد أن هناك اختلافًا كبيرًا بين مهنة الحلاقة في السابق والحاضر، خاصة فيما يتعلق بأنماط الحلاقة اليوم التي يعتبرها غريبة بسبب تأثر الشباب بالأفلام والإنترنت. بالنسبة له ولرفاقه كبار السن، هذه الأنماط مزعجة وغير مناسبة. ويظن سالم رشيد أنه لو أراد الحلاقة لشاب كما يريد فلن يكون الأخير مقتنعًا بسبب كبر سن الحلاق، لكن لو قام شاب بالمهمة، حتى وإن لم يكن بالشكل الصحيح، فسيشعر الزبون بالرضا.

يقول: “كان ستايل الحلاقة الحالي لدى الشباب يُعتبر عقابًا في الجيش في ذلك الوقت. أتذكر أن مساعدًا في الجيش أراد أن يعاقب نائب الضابط”. ويضيف: “قال لي بأن أحلق له نمرة أربعة، أي درجة حلاقة أربعة، حيث رفض النائب الحلاقة بهذا الشكل لأنها كانت تُعتبر إهانة وشيئًا مخجلًا. أما الآن فقد أصبح كل شيء مختلفًا”.

احتفظ أبو علي بالمرايا وكرسي الحلاقة وأهم أدوات الحلاقة لديه التي كانت موجودة في محله السابق، وهي المكائن اليدوية التي يعتبرها رفيقة دربه، فهي معه منذ بداياته قبل 50 عامًا وحتى الآن. يحافظ عليها ويقوم بصيانتها وتنظيفها دائمًا. عندما كان جنديًا في الجيش، أخذ معه هذه المكائن اليدوية وحلق بها للجنود والضباط. وبعد انتهاء خدمته العسكرية، ظلت معه حتى الآن. “هذه الأدوات هي كل حياتي وأعتز بها اعتزازًا شديدًا”، يقول.

يتذكر الحلاق المسنّ إحدى القصص التي يصفها بالرائعة، يقول للمنصة: “أتى إليّ شاب لا أعرفه وقال إنه يريد الحلاقة بهذه المكائن اليدوية لأن والده كان يحلق له بها عندما كان طفلًا صغيرًا”. ويضيف: “كان الشاب فرحًا جدًا باستخدامي هذه الأدوات. وهناك من لا يزالون يحلقون لدي بهذه الأدوات من زبائني الدائمين الذين يحلقون لدي منذ 40 عامًا و35 عامًا”.

اختفت المكائن اليدوية في بداية الثمانينيات لكنها لا تزال لديه، يستعملها أيضًا ابنه “حسن” في الحلاقة للزبائن كبار السن، أما الشباب فيحلق شعورهم بالمكائن الكهربائية الحديثة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى