من الخوف إلى القمة: قصة حمزة ماجد صاعود النخيل
بغداد- علي رياض
لم يكن حمزة ماجد، الشاب القادم من قضاء المدائن في بغداد، يتخيل يوماً أنه سيصبح صاعود نخيل متمرساً، خاصة وأنه في طفولته كان يعاني من الخوف من الأماكن المرتفعة. لكن اليوم، وبعد عشر سنوات من الخبرة، يستطيع حمزة تسلق أي نخلة، مهما بلغ ارتفاعها، في دقائق معدودة.
كل صباح، يجهز حمزة أدواته البسيطة، مستعداً لمغامرته اليومية. يتسلح بـ”التبيلة”، الأداة التي تساعده في التسلق، وسكين التكريب لتنظيف جذوع النخيل، والملقط لجني الثمار.
ويعد العراق بيئة مثالية لزراعة النخيل بوجود أكثر من 22 مليون نخلة مما جعل من مهنة الصاعود جزءاً أصيلاً من حياة المزارعين خصوصاً في مناطق الوسط والجنوب.
يقول حمزة بابتسامة رضا: “عملنا موزع على مواسم، موسم التنظيف والتكريب يبدأ في الخريف ويمتد حتى نهاية الشتاء، ثم تأتي فترة استراحة قبل بدء التحدي الحقيقي في موسم التلقيح خلال الربيع”.وتعرف عملية تلقيح النخيل محلياً بـ”التأبير”، حيث تُنقل حبوب اللقاح من النخيل الذكري إلى الأنثوي لضمان إنتاج الثمار وتجرى هذه العملية في العراق بين شهري آذار ونيسان، لكن توقيتها يختلف حسب الظروف المناخية لكل منطقة، حيث تبدأ في المناطق الدافئة مبكراً وتتأخر في المناطق الباردة.
يشير حمزة إلى أهمية موسم التلقيح قائلاً: “إنه أهم مراحل العمل، لأنه يحدد جودة وكمية الإنتاج”. ومع ذلك، يواجه تحدياً كبيراً يتمثل في نقص مادة الكوش، وهي حبوب اللقاح المستخرجة من النخيل الذكري، حيث يضطر أحياناً لشرائها من أسواق بعيدة، ما يضيف عبئاً على عمله.
وتعاني زراعة النخيل في العراق من تحديات مشابهة، منها قلة النخيل الذكري مقارنة بالأنثوي وبالتالي نقص حبوب اللقاح، وعدم التخطيط الملائم لزراعته في البساتين، بالإضافة إلى ذلك، تؤثر الظروف المناخية غير المستقرة، مثل الأمطار الغزيرة والرياح الشديدة خلال موسم التلقيح، على فعالية حبوب اللقاح.
بعد انتهاء التلقيح، يبدأ حمزة بالتحضير لموسم جني الثمار الذي ينطلق في أواخر الصيف. في بساتين باوي، التويثة، وأبو عميمة، المحيطة ببغداد يعمل حمزة ضمن فريق ينقسم إلى ثلاث مجموعات، الأولى تجمع التمور الساقطة باستخدام القماش والثانية تنظف المحصول بينما الثالثة تغلف التمر وتجهزه للبيع.
أعشق تسلق النخيل العالية، فهي ليست فقط أسهل عليّ من القصيرة، بل تمنحني فرصة للاستمتاع بمنظر ساحر
ورغم ارتباطه العميق بمهنته، لا تخلو أيام حمزة من التحديات إذ يتعامل يومياً مع مخاطر مثل وجود العقارب والأفاعي والزنابير في مكان العمل، والرياح العاتية التي تهدده أحياناً بالسقوط من أعلى النخلة. لكنه يجد في هذه المواقف لحظات فريدة مثل اكتشاف أعشاش طيور الكناري. يقول: “أحياناً أتوقف عن العمل فقط لتجنب إيذاء هذه الطيور الجميلة”.
شهدت زراعة النخيل في العراق تراجعاً على مدار العقود، ففي سبعينيات القرن الماضي كان هناك حوالي 50 مليون نخلة إلا أن هذا العدد انخفض نتيجة الحروب والظروف الاقتصادية إلى 16 مليون نخلة بحلول عام 2014. ورغم ذلك، بدأت جهود وزارة الزراعة تؤتي ثمارها مؤخراً، حيث تجاوز عدد النخيل 22 مليوناً في عام 2023، مع خطط لزيادته إلى 30 مليون نخلة خلال السنوات القادمة.
يذكر حمزة أيضاً بعض المواقف الطريفة في عمله، قائلاً: “في أول يوم عمل لأحد العمال الجدد، كان يفرغ التمر من الملقط على الأرض بدلاً من المكان المخصص، مما جعلنا جميعاً ننفجر ضاحكين”.
على الرغم من شغفه بمهنته، يعبر حمزة عن قلقه بشأن تراجع عدد الصواعيد في منطقة المدائن، ما يدفع بعض المزارعين للاستعانة بصواعيد من مناطق بعيدة مثل قضاء الصويرة، الذي يبعد حوالي 55 كيلومتراً جنوب بغداد. ومع ذلك، يؤكد حمزة بفخر: “أجور عملي تكفيني لتأمين حياة كريمة لي ولعائلتي”.
بالنسبة لحمزة، النخيل ليس مجرد شجرة، بل رمزاً لتراثه وهويته. فهو خبير في أنواع النخيل والتمور، وأساليب التلقيح والجني المختلفة. ويشرح لنا بفخر أن العراق نحو 600 صنف من التمور، ما يجعله من أبرز المنتجين عالمياً، “من بين هذه الأصناف يتميز تمر البرحي بمذاقه الحلو وهو من أغلى أنواع التمور، وهناك تمر الزهدي الذي يتميز بإنتاجيته العالية بينما يعتبر تمر الخستاوي مفضلاً للاستهلاك الشتوي بسبب جودته ونكهته الفريدة”.
وفي ختام حديثه، يستعيد حمزة ذكريات طفولته التي كانت مليئة بالخوف من المرتفعات، ليعبر بابتسامة عن تحوله الجذري قائلاً: “أعشق تسلق النخيل العالية، فهي ليست فقط أسهل عليّ من القصيرة، بل تمنحني فرصة للاستمتاع بمنظر ساحر لبساتين النخيل الممتدة تحت كلوحة طبيعية لا مثيل لها”.