تأخر النفقة.. معاناة متجددة تثقل كاهل الأمهات العراقيات وأطفالهن
![](https://www.al-menasa.net/wp-content/uploads/2024/12/202408mena_iraq_childmarriage-780x470.webp)
بغداد- سارة القاهر
اضطرت زينب علي، البالغة من العمر 35 عاماً، إلى تسجيل أبنائها في نظام الانتساب بمدارسهم، بعد تهرب زوجها من دفع النفقة لمدة ثلاثة أشهر.
تطلقت زينب في عام 2020، ولم تتمكن من الحصول على النفقة المالية إلا بعد معاملة قضائية شاقة استغرقت 11 شهراً. تقول: “طوال فترة المراجعة للحصول على حقوق أطفالي، تعرضت للكثير من الابتزاز من قبل دائرة التنفيذ، والأسئلة المحرجة التي كنت أواجهها مثل: أنتِ مطلقة؟ أو الردود الاستفزازية عندما أسأل عن تأخر النفقة، مثل “تحملي تأخير النفقة مثل ما أنتِ متحملة الآن بدون رجل”، وغيرها من الكلمات الجارحة”.
في محاولة حكومية للحد من الروتين التي تواجهه النساء المطلقات تم اعتماد نظام “الكي كارد” لسحب النفقة دون الحاجة إلى الذهاب إلى دائرة التنفيذ. ومع ذلك، لم يسهم هذا الحل جدياً في إنهاء المشكلة إذ يستمر تهرب الأزواج من دفع النفقة، مما يضطر المطلقات إلى العودة إلى دوائر التنفيذ لتقديم طلب جديد إلى القاضي الذي يقوم بدوره بإرسال تبليغ للزوج.
تضيف زينب “كل شهر أعيش همّاً يستمر 30 يوماً، لعلي أتمكن من استلام النفقة التي خصصها القانون لأطفالي. أحمل هم الملابس والمستلزمات الدراسية والحاجيات، وليس لدي معيل أعتمد عليه أو عمل يدر علي دخلاً، مما اضطرني إلى تحويلهم لنظام الانتساب والدراسة المنزلية عبر المدارس الإلكترونية التي وفرتها وزارة التربية، وأقوم بتدريسهم بنفسي لأتجنب كابوس انتظار النفقة كل شهر”.
خرجت زينب من تجربة زواج صعبة لتجد نفسها في صراع جديد كأم مطلقة تقاتل لنيل حقوق أطفالها. حُكم لها بمبلغ 170 ألف دينار عراقي لكل طفل، لكنها تواجه تحديات كبيرة في تحصيل هذا المبلغ شهرياً. عندما رفعت دعوى قضائية للحصول على النفقة، طلبت أن يتم دفع المبلغ من خلال دائرة التنفيذ، لكن طليقها لم يكن موظفاً، مما زاد الأمر تعقيداً. تقول زينب عن دائرة التنفيذ: “ما أقدر أوصفلك الوضع الوسخ، الاستفزازات والدمار اللي أتعرض له”.
أربع سنوات مرت، وما زالت زينب تعيش نفس المعاناة. تضيف: “طليقي يدفع بالشهر الأول فقط بعد وصول التبليغ، ثم يتأخر مرة أخرى بالشهر الثاني، وهكذا كل ثلاثة أو أربعة أشهر أحصل على مبلغ النفقة”.
دوائر التنفيذ بالنسبة لزينب ونساء كثيرات في العراق، أصبحت رمزاً للإهمال والمماطلة. تصف زينب الوضع بأنه “مذلة للمرأة، وكأنها تستجدي حقوقها”.
تشهد المحاكم العراقية آلاف حالات الطلاق شهرياً. وفقاً لآخر إحصائية رسمية لمجلس القضاء الأعلى، تم تسجيل أكثر من 45 ألف حالة طلاق في الأشهر السبعة الأولى من عام 2024.
صفا الجاف، وهي ضحية أخرى من ضحايا النفقة، تقول إنها تراجع دائرة التنفيذ شهرياً، لكن المبلغ الذي تحصل عليه بالكاد يغطي تكاليف التنقل. يخصص القاضي 120 ألف دينار للنفقة، 100 ألف منها لطفلها و20 ألفاً لها كحاضنة.
تضيف: “منذ شهر أيلول (سبتمبر) الماضي لم أستلم أي مبلغ، وكلما أراجع الدائرة، أدخل في دوامة الإجراءات البيروقراطية، إضافة إلى الإحراجات التي أتعرض لها”.
دائرة التنفيذ التي تتبع لوزارة العدل العراقية تعمل بموجب قانون التنفيذ رقم 45 لسنة 1980، مهمتها تنفيذ الأحكام الصادرة عن المحاكم، بما يشمل تسديد الديون والنفقة ومبالغ المؤخر، لكن الروتين والإجراءات البطيئة تترك النساء المطلقات في حالة إحباط دائم.
ويلجأ بعض الموظفين الحكوميين المنفصلين عن زوجاتهم لحيلة الإجازة بدون راتب، كوسيلة للتهرب من دفع النفقة. مروة فرج، التي راجعت دائرة التنفيذ لمدة ستة أشهر دون جدوى، اكتشفت أن طليقها يأخذ إجازة كل شهر بدون راتب، مما يعني أنه لا يترك أي مبلغ لسداد النفقة.
تماضر حسان، التي تعاني من تهرب طليقها، تقول إنه يمتهن كرامتها. يتهرب من دفع مبلغ 150 ألف دينار شهرياً كنفقة لطفلهما. ورغم أن طليقها يعمل في شركة خاصة ويتقاضى مليون دينار شهرياً، إلا أنه يرفع تظلماً للقاضي بحجة أنه “كاسب” دون دخل ثابت.
المحامي والباحث القانوني وليد محمد الشبيبي يوضح أن القانون العراقي يمنح المرأة حق المطالبة بالنفقة من خلال التنفيذ الجبري، بما في ذلك الحبس أو استقطاع المبالغ من راتب الزوج. ويضيف: “القانون التنفيذي يسمح باستحصال النفقة من أموال الزوج، بما يشمل العقارات أو السيارات، باستثناء المسكن أو أدوات العمل”.
ويمكن للمحكمة أن تحكم بما يُعرف بـ”نفقة العُسرة”، إذا كان الرجل عاطلاً عن العمل، والتي تبدأ من 75 ألف دينار، وترتفع إلى 100 ألف في بعض الحالات. أما الموظفون، فيُخصم من رواتبهم بنسبة تصل إلى 5%، وفي حال التهرب، يمكن حبس الزوج لمدة أربعة أشهر عن كل شهر لا يدفع فيه النفقة.
المحامية إسراء الخفاجي تقول إن القانون العراقي يدعم المرأة من ناحية القرارات القضائية، لكنه يفشل في التنفيذ. تشير إلى أن دوائر التنفيذ تقف بجانب الرجل، حيث لا يتعدى استقطاع النفقة خمس الراتب الاسمي وليس الكلي.
وتضيف “الزوج يلجأ أحياناً لأساليب ملتوية، مثل طلب التمييز أو تقديم التظلم، مما يؤدي إلى تأخير دفع النفقة، وبالتالي تضطر الزوجة لمراجعة دائرة التنفيذ بشكل مستمر”.
في حالة عدم دفع النفقة لمدة شهرين، تصدر مذكرة إحضار جبري بحق الزوج، وإذا استمر في التهرب لمدة 60 يوماً، يتم إصدار مذكرة قبض وإيداعه في السجن حتى يدفع ما بذمته.
ويدفع بعض الأزواج النفقات المتراكمة بالتقسيط، مثل دفع 25 ألف دينار شهرياً من مبلغ متراكم يصل إلى مليون دينار لكن “هذه الطريقة تُستخدم أحياناً بقصد إذلال المطلقة وإطالة معاناتها” بحسب نساء مطلقات التقيناهنّ أثناء إعداد هذا التقرير.
أنجزت هذه القصة ضمن سلسلة مقالات بدعم من برنامج قريب، وهو برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)