في البصرة.. اقبال على الأزياء الرمضانية رغم ارتفاع الأسعار

البصرة- نغم مكي

في قلب مدينة البصرة، ينبض سوق العشار بحركة المتسوقين استعداداً لشهر رمضان المبارك. تصدح أصوات الباعة بين أروقة المحال التجارية التي تزدحم بمختلف التصاميم من الأزياء الرمضانية، بينما تزين الألوان والزينة التقليدية المكان، لتمنح السوق أجواءً احتفالية مميزة.

في أحد المحال المخصصة لبيع الملابس النسائية، كانت أطياف وهي شابة عشرينية تعمل مصوّرة، تتفحص إحدى الثياب المعروضة للبيع، متلمسةً نوعية القماش والألوان. أعجبها أحد الدراعات المطرزة بخيوط الزري اللامعة، وهو رداء تقليدي طويل له أكمام طويلة، فقررت قياسه ثم شرائه.

تقول أطياف: “أفضل شراء الملابس الجاهزة توفيراً للوقت الطويل في الخياطة. كما أحب اقتناء الفساتين التراثية المطرزة بأقواس وهلال، فهي مريحة وعملية وتضفي طابعاً تراثياً وجمالاً خاصاً على الجلسات الرمضانية”.

وبابتسامة عفوية استرسلت أطياف في حديثها قائلة: “كل سنة تختلف الموديلات والتصاميم، وهذه السنة الطقس البارد أعطى حماساً أكبر للشراء والتسوق، كما تزايد الطلب على الملابس التراثية التي تجمع بين الماضي وحداثة العصر بلمسة محافظة تناسب روحانية شهر رمضان”.

في ركن آخر من المحل، كانت مريم، وهي موظفة في إحدى الدوائر الحكومية، تتفحص صفّاً من البِشْت، وهو أشبه بالعباءة الخليجية لكنه مفتوح من الأمام، إضافةً إلى الفساتين المنزلية والصايات، التي تُعد من الأزياء الشعبية العراقية المشهورة.

تتكون الصاية من ثوب طويل يصل إلى الكعبين مفتوح من الأمام، وغالباً ما يكون بدون أكمام، ويتألف من صدرين وظهر، حيث يلتف الصدر الأيمن على الأيسر وهو زي رائج خاصة في شهر رمضان.

تقول مريم: “أفضل ارتداء هذا النوع من الثياب في شهر الصيام، فهو عملي ومريح، خصوصاً مع طبيعة عملي التي تحتاج إلى حركة كثيرة”. وتعتبر مريم أن شهر رمضان أحد أقوى مواسم المبيعات، لكثرة الزيارات العائلية والاجتماعية خلاله.

على الجانب الآخر من السوق، كان حسين، الشاب العشريني وصاحب أحد المحال التجارية، منشغلاً بتلبية طلب أحد الزبائن،  يحرص على ترتيب بضاعته باستمرار ويفاوض في الأسعار التي تتراوح بين 10 آلاف دينار عراقي و50 ألف دينار عراقي حسب الماركة والتصميم.

يقول حسين: “قبل رمضان بأسابيع، نبدأ باستيراد أحدث الموديلات من الخليج، من الكويت والإمارات والسعودية، إذ يفضل الزبائن الدراعات المطرزة بخيوط الزري والخرز، إضافةً إلى التصاميم ذات الألوان الهادئة والمريحة”.

ويضيف: “الطلب يتركز على الأقمشة الحريرية، الشيفون والجرجيت المطعّمة بالإكسسوارات، ولم يعد مقتصرًا على اللون الأسود، بل دخلت كافة الألوان إلى السوق، إذ تفضل النساء الملابس التي تجمع بين الراحة والفخامة”.

يتابع حسين: “لدي صفحة خاصة بالمحل على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ أقوم بالترويج للأزياء النسائية عدة مرات لتصل إلى أكبر عدد من المتابعات، كما أنشر صورًا وفيديوهات للبضاعة المتوفرة، وأوفر خدمة التوصيل حتى خارج البصرة”. ويتوقع حسين أن يستمر الإقبال حتى اليوم العاشر من رمضان.

تختلف العادات الرمضانية بالنسبة للسيدة الخمسينية أم عبدالله، فقد اعتادت سنوياً على تزيين منزلها بركن رمضاني مليء بالفوانيس والقناديل المضيئة. كانت تسير ببطء وهي تحمل في يدها مجموعة من الثياب المزخرفة والمطرزة.

تقول أم عبدالله: “رمضان في الماضي كان يحمل طابعاً مختلفاً، حيث كانت الأجواء أكثر روحانية وتنتشر تجمعات الإفطار الجماعي في البيوت بينما الأطفال ينتظرون بفارغ الصبر المسحراتي ليوقظهم للسحور. أما اليوم، فقد حلت وسائل التواصل الاجتماعي محل الكثير من اللقاءات العائلية، وانشغل الناس بالهواتف أكثر من السهرات الرمضانية التقليدية”.

ورغم تغير الأجواء الرمضانية في البصرة مع الزمن، إلا أن بعض العادات لا تزال حاضرة، وأبرزها الگرگيعان، وهي احتفالية شعبية تراثية يحتفل بها الأطفال في منتصف رمضان، يجوبون الشوارع والأزقة مرتدين أزياء شعبية ويرددون الأهازيج ويجمعون الحلوى والمكسرات.

يُعرف الگرگيعان في البصرة بهذا الاسم، بينما يُسمى “ماجينا” في بغداد. ويرتبط الگرگيعان عند أتباع المذهب الإثنا عشري بمولد الإمام الحسن في رمضان، ويختلف في البصرة عن الخليج في الأهازيج واللهجة المستخدمة، لكنه يحافظ على نفس الطابع الاحتفالي.

سارة، وهي أم لطفلة، كانت تتجول في السوق وتراقب الأسعار بعناية بحثاً عن ثوب لابنتها ترتديه في ليلة الگرگيعان.

تلاحظت سارة أن الأسعار ارتفعت هذا العام، فسعر الثوب الواحد يتراوح بين 10 آلاف دينار إلى 25 ألف دينار “لكن لا يمكننا الاستغناء عن هذه العادة السنوية، كما أنني أبحث عن شيء أنيق لابنتي حيث أحرص على أن ترتدي ابنتي ملابس جديدة أثناء الاحتفال وتوزيع الحلويات على الأطفال”.

كما أضافت: “لا يكتمل الاحتفال دون شراء الفوانيس، والتي يتراوح سعرها بين 1000 دينار و2000 دينار”.

وكانت الأسواق العراقية قد شهدت قبيل أيام من قدوم شهر رمضان ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار السلع الأساسية والألبسة وصل في بعض البضائع إلى نسبة 35 بالمئة، وهو ارتفاع يعزوه خبراء اقتصاديون إلى عدة عوامل أبرزها زيادة الطلب على السلع وضعف الرقابة على الأسواق، مما أثقل كاهل ذوي الدخل المحدود الذين يجدون صعوبة في تأمين احتياجاتهم الرمضانية.​

لكن رغم هذه التحديات، لم يتراجع إقبال المتسوقين على سوق العشار في البصرة الذي توافدت إليه العائلات لشراء مستلزمات الشهر الكريم، معبرين عن تمسكهم بالعادات والتقاليد، وبطقوس الاحتفال السنوية.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى