التكسي النسائي في بغداد: المهنة التي لم تكتمل

بغداد – روان وصفي/ زينب جهاد
في شوارع بغداد، حيث ما تزال مهنة قيادة سيارات الأجرة مهيمنة من قبل الرجال، شقت مجموعة من النساء طريقهن بشجاعة نحو مقود التكسي، متحديات الصور النمطية والنظرة المجتمعية الرافضة. تجربة قيادة سيارة أجرة في العاصمة لم تكن سهلة على كثير من السائقات، بل شكلت صداماً يومياً مع أحكام مسبقة ومضايقات متكررة.
ريام علي، إحدى أولى النساء اللواتي خضن هذه التجربة، تختصر رحلتها بالقول: “حاولت أن أواجه مجتمعًا بأكمله، لكن في النهاية، كان النصر للتقاليد البالية”. تعرّضت ريام للتحرش والرفض من قبل بعض الركاب الذين يرفضون صعود سيارة تقودها امرأة، ما دفعها في النهاية إلى الانسحاب من هذا المجال.
الشارع البغدادي منقسم حول الفكرة. بعض الرجال يجدون في وجود سائقات عنصراً مريحاً وآمناً خاصة عند تنقّل النساء، مثل سامر عبد السلام، سائق تكسي الذي يؤيد هذه المبادرة ويقول: “أفضل أن تركب زوجتي وابنتي مع امرأة لضمان عدم تعرضهما لأي مضايقة”.
تشاركه الرأي أم رؤى، التي رحبت بفكرة تطبيق التكسي النسائي في بدايتها، لكنها لاحظت لاحقاً تراجعاً في الخدمة وتأخيراً في الاستجابة بسبب قلة عدد السائقات، بحسب ما أبلغتها الشركة.
ورغم أن النساء في العراق أثبتن حضوراً في مجالات مهنية متعددة فإن القيادة كمهنة ما زالت تواجه تحفظات. محمد صادق، أحد الرافضين لفكرة سائقات التكسي، يبرر موقفه بعدم ثقة بقدرات المرأة في القيادة في ظل المضايقات اليومية التي قد تشتت انتباهها.
أمام هذه التحديات، بدأت بعض التطبيقات المخصصة للتكسي النسائي بالانسحاب تدريجيًا من السوق. ممثل عن شركة “أوكي”، التي أطلقت واحدة من هذه المبادرات، أشار إلى أن الإقبال كان دون التوقعات، وأن عدد السائقات لم يتجاوز 20 امرأة فقط في عموم العراق، مرجعاً السبب إلى رفض اجتماعي متجذر يحد من تمكين النساء.
المضايقات التي تتعرض لها السائقات دفعت كثيرات إلى اتخاذ موقف أكثر تحفظاً، فمعظمهنّ يطلبن من الركاب الجلوس في الخلف ويتجنبن الحوار أثناء الرحلة. أحد الركاب، عمر فراس، يروي أن السائقة التي أقلّته طلبت منه الجلوس في المقعد الخلفي ثم مضت الرحلة بصمت تام.
رغم هذه التحديات، تصرّ بعض النساء على الاستمرار. أم رهام، سائقة منذ أكثر من عشر سنوات، تعتبر السيارة مصدر رزق أساسي لها ولأسرتها.
تقول: “زوجي مقعد وأنا مسؤولة عن أربع بنات. لا يعنيني كلام الناس، المهم أن أوفر لقمة العيش”. وتضيف أنها تستخدم سيارتها أحيانا لنقل الطلبة، وأحياناً لنقل الركاب في شوارع المدينة، ويستأجرها الأقارب بشكل متكرر.
عبير رعد، سائقة أخرى من محافظة الديوانية، واجهت الكثير من الانتقادات عند انطلاق مشروعها. تقول “كأنهم وحوش ينهشون كل محاولة استقلال لامرأة”. ورغم الانتقادات، تعتبر عبير أن المشروع كان باب رزق ساعدها على إعالة عائلتها.
في المقابل، تقول شركة “أوكي” إنها تعمل على تطوير خدمة “النساء للنساء” بشكل يتيح أن تكون كل من السائقة والزبونة من النساء فقط، وهو ما قد يشجع مزيدًا من المستخدمين على الثقة بهذه الخدمة.
بين القبول المتحفظ والرفض الصريح، تقف سائقات التكسي في بغداد عند مفترق طرق، في معركة يومية مع الصورة النمطية، وسط مجتمع لم يحسم أمره بعد تجاه هذه المبادرة.