شاب من الناصرية يحوّل منزله إلى مأوى لـ200 قطة مشردة

في أحد أحياء الناصرية الهادئة، ينبعث صوت مواء خافت من منزل متواضع تحوّل إلى ملاذ آمن لمئات القطط المتروكة، هو منزل عقيل كاظم الخفاجي، الشاب الذي قرر أن يمد يد العون لمخلوقات وجدت نفسها فجأة بلا مأوى.
قبل عام، وبينما كان عقيل يمارس عمله في بيع مستلزمات الحيوانات الأليفة، بدأ يلاحظ تزايد عدد القطط المهملة التي تُترك في الشوارع دون رحمة. قصص مؤلمة كانت تمر أمامه: قطط بأعين مفقوءة، وأخرى بأرجل مكسورة، وصغار لا حول لهم ولا قوة.
لم يستطع عقيل الوقوف مكتوف الأيدي، فبدأ باستقبال هذه القطط في محله الصغير، مقدّماً لها الرعاية الأولية والمأوى المؤقت، لكن سرعان ما أدرك أن محله لن يستوعب الأعداد المتزايدة، فقرر أن يخطو خطوة جريئة، فاستأجر منزلاً بمساحة 120 متراً مربعاً في أحد الأحياء البعيدة عن مركز المدينة، وحوّله إلى محمية للقطط، وقام بتغليف المنزل بشبك معدني لضمان سلامة القطط ومنعها من الخروج أثناء غيابه.
قمت بنقل القطة إلى طبيب بيطري، ولم يكن هناك حل سوى بتر الرجل. وبعد العملية، تبنّت إحدى الفتيات القطة، مانحةً إياها فرصة جديدة للحياة
يوميات عقيل تبدأ مع بزوغ الفجر ليذهب إلى محله يمارس عمله في بيع مستلزمات القطط والأقفاص، وما بعد الظهر يتجه نحو محميته، فيقضي ما يقارب الأربع ساعات في تنظيف المكان، وتقديم الطعام، والتأكد من الحالة الصحية لكل قطة، ويعود بعد ذلك مساءً ليقدّم لها وجبة العشاء، ويقضي معها ما يقارب الساعتين من الوقت.
يقول عقيل للمنصة بينما يقدم الطعام لتلك القطط وهي من حوله: “الكثير من الأشخاص الخيّرين يقدّمون الدعم بتوفير الطعام، مما يخفف العبء المالي الذي يتجاوز 150 ألف دينار يومياً بين الطعام والرمل”.
وشهد العراق في السنوات الأخيرة تزايداً ملحوظاً في الإقبال على شراء وتربية حيوانات الزينة، حتى باتت الأرقام المسجّلة تضاهي تلك المسجلة في بعض الدول الأجنبية، وفقاً لمصادر رسمية.
رئيس جمعية مصدري الحبوب والبقول الزيتية ومنتجات البحر التركية محمد أوزتورك، قال في تصريح صحفي إن العراق احتل المرتبة الثانية باستيراد طعام الكلاب والقطط من تركيا خلال العام الحالي 2024.
وأضاف محمد أوزتورك أن صادرات تركيا ارتفعت من أغذية القطط والكلاب بنسبة 26.5 بالمئة في النصف الأول من عام 2024، من 57.7 مليون دولار إلى 73 مليون دولار، وبلغ عدد الدول التي تصدر إليها تركيا أغذية القطط والكلاب 91 دولة.
وأشار إلى أنه في النصف الأول من عام 2024، بلغ عدد أغذية القطط والكلاب المصدّرة من تركيا 91 دولة، فيما احتلت ماليزيا والعراق الصدارة.
حالياً، تحتضن محمية عقيل الصغيرة ما بين 150 إلى 200 قطة، العديد منها تعرّض للتعنيف والإهمال. ويستذكر عقيل حالة قطة، والتي يعدّها أسوأ حالة مرت عليه، ويقول إنها “تعرضت لكسر في إحدى أرجلها، وعندما عجز صاحبها عن علاجها – وهو عذر غير مقبول – لجأ إليّ بهدف التخلص منها. قمت بنقلها إلى طبيب بيطري، ولم يكن هناك حل سوى بتر الرجل. وبعد العملية، تبنّت إحدى الفتيات القطة، مانحةً إياها فرصة جديدة للحياة”.
رغم الجهود الجبارة التي يبذلها، يواجه عقيل تحديات كبيرة، أبرزها عدم توفر مساحة أكبر لاستيعاب المزيد من القطط، “حاولت الحصول على قطعة أرض من البلدية لتوسيع المحمية، وقدّمت طلبات للمستشفى البيطري، لكن لم أتلقَ أي رد حتى الآن. ومن المفترض أن يكون هناك اهتمام حكومي بهذا الشأن”.
تظهر إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء لعام 2023 استيراد العراق لـ55 كلباً بقيمة تجاوزت 12 مليون دينار عراقي، من دول أبرزها بلغاريا وروسيا وألمانيا وتركيا، وإيران. كما تم استيراد 1112 قطة بقيمة تقارب 19 مليون دينار عراقي، من دول مثل مصر وتايوان وإيران وتركيا. بالإضافة إلى ذلك، بلغت قيمة واردات أغذية الكلاب والقطط أكثر من 192 مليون دينار عراقي.
اختار عقيل أن يجعل من الفيسبوك وسيلة للنشر، فلم تكن فقط منشورات عابرة، إذ قام بإنشاء صفحة بعنوان “فريق إنقاذ الحيوانات في الناصرية”، ومن خلال هذا الاسم يطلّ بهذه النافذة على محميته الصغيرة التي تحتضن تلك القطط.
ومن خلال عدسة هاتفه، يوثّق يوميات تلك المحمية، ويرافق كل مقطع برسائل توعوية تدعو للعطف والرحمة، ولا يطلب الكثير، فقط أن تمرّ بجانب حيوان في الشارع دون أن تؤذيه، وأن تتذكر أن في قلب كل كائن حي شعوراً يستحق الاحترام.
ويبقى عقيل كاظم الخفاجي ليس مجرد شاب يرعى القطط، بل هو مثال حي للرحمة والإنسانية، يثبت أن الأمل يمكن أن ينبعث حتى من أكثر الأماكن ظلمة، وأن لكل مخلوق حقًا في الحياة والكرامة.