من طباشير الورشة إلى شوارع المدينة: عراقي يصنع الأمل بسيارة كهربائية

مهدي غريب – بغداد
في قلب مدينة الصدر حيث يكاد الأهالي يختنقون بدخان عوادم السيارات، تقع ورشة صغيرة يعمل فيها عدد من الحدادين بينهم رجل في الخمسين من عمره يحمل حلمًا كبيرًا لا يعرف التوقف: صنع سيارة كهربائية عراقية بالكامل، ليست مجرد وسيلة نقل، بل رسالة أمل وحرص على البيئة العراقية.
أبو مريم، الذي لم يمتلك حاسوبًا أو برامج تصميم حديثة، ولا حتى معدات متطورة، بدأ فكرته بقطعة طباشير رسم بها التصميم على أرض الورشة. وبمساعدة صديقه الحداد جمع القطع وشكّل هيكل السيارة خطوة بخطوة رغم قلة الإمكانيات وصعوبة تأمين المواد.
“چنت أحلم بسيارة تمشي بالكهرباء، تخفف من تلوث الشوارع اللي ما ينطاق. ما عندي تمويل، ولا حتى أدوات متطورة، بس عندي عزيمة وإصرار”، يقول أبو مريم وهو ينظر إلى تصميمه البسيط الذي يحمله بين يديه.
السيارة التي صممها أبو مريم تشبه في مظهرها سيارات الجيب من طراز أربعينيات القرن الماضي، لكنها كهربائية بالكامل، وتعمل ببطاريات جرى تركيبها بطريقة بسيطة وعملية. صُممت لتتحمل درجات الحرارة المرتفعة في العراق، وتتوافق مع طبيعة شوارع بغداد.
أبو مريم الذي استثمر خبرته وتجربته الطويلة في تصليح السيارات وعلاقاته مع زملاء له في المهنة اختار أن يطلي السيارة باللون الأحمر عبر صبّاغ محلّي مقابل أجر رمزي، وحين انطلقت السيارة لأول مرة، بصمتها الذي يخلو من هدير المحركات التقليدية، ودون أي انبعاثات دخانية، لم يكن ذلك مجرد إنجاز تقني بل كان انتصارًا بيئيًا في بلد يرزح تحت وطأة تلوث متزايد.
يرتفع مستوى التلوث في العراق بشكل خطير، وتُعد عوادم السيارات أحد أبرز مصادر تلوث الهواء في المدن الكبرى مثل بغداد والبصرة. ملايين السيارات، أغلبها قديمة وتفتقر إلى تقنيات حديثة للحد من الانبعاثات تملأ الشوارع بغازات سامة تسهم في انتشار أمراض تنفسية مزمنة بين السكان.
ومع ضعف شبكات النقل العام، وانعدام البدائل البيئية النظيفة، يُضطر العراقيون إلى الاعتماد على مركبات تعمل بالوقود التقليدي، ما يفاقم الأزمة البيئية يومًا بعد آخر. في الوقت ذاته، تغيب محطات شحن السيارات الكهربائية تمامًا عن المشهد، مما يجعل فكرة التحول إلى وسائل نقل نظيفة تبدو، حتى الآن، بعيدة المنال.
وسط هذا الواقع المُثقل بالدخان والتحديات، تبرز مبادرة أبو مريم كخطوة عملية ومشجعة على التغيير. مشروعه يؤكد أن الحلول البيئية لا تُحتكر بالتكنولوجيا المستوردة، بل يمكن أن تنبع من إرادة محلية وابتكار بسيط يحمل تأثيرًا عميقًا.
لم تكن رحلة أبو مريم سهلة، لم يكن يملك المال الكافي لشراء الأجهزة أو القطع المتقدمة، ولا حتى الدعم الرسمي من أي جهة حكومية، لكنه واصل العمل مستخدمًا قدرات ورشة صغيرة في مدينة الصدر، وشريكه الحداد، لتصميم هيكل السيارة وتجميع مكوناتها الكهربائية.
“نشتغل بالأدوات اليدوية، ولا نملك غير ما عندنا، لكن الإصرار أكبر من كل الصعوبات”، يوضح أبو مريم، مضيفاً أن النتيجة كانت سيارة بيئية وصامتة، تقلل الاعتماد على الوقود وتحد من تلوث الهواء، وصممت لتناسب ظروف العراق المناخية والجغرافية.
لكن أبو مريم يدرك أن هذه البداية فقط وأن المشروع يحتاج إلى دعم رسمي وتقني، ليتمكن من تطوير نموذج السيارة، وإنتاجها بكميات أكبر، دعم لا على صعيد التمويل فحسب، بل أيضًا من خلال توفير مختبرات وأدوات تصميم متقدمة، وإتاحة فرص التدريب، ليتمكن المخترعون المحليون من توسيع آفاق ابتكاراتهم.
ويكمل: “لو الدولة ساعدت نكدر نصنع ملايين السيارات الكهربائية، ونوفر فرص عمل للشباب، ونحافظ على بيئتنا”، يقول أبو مريم وهو ينظر بفخر إلى سيارته.
المبادرة التي بدأها أبو مريم ليست مجرد صناعة سيارة، بل رسالة أمل لمجتمع يئن تحت وطأة التلوث البيئي والتقنيات القديمة، إنها دعوة للاعتماد على الحلول المحلية المستدامة، وفرصة لإظهار قدرة العراق على الابتكار في مجال الطاقة النظيفة.
“أتمنى أن نرى يومًا عراقًا تسير فيه السيارات الكهربائية في كل شارع، وينقص دخان المحركات ويزيد هواء نظيف لأطفالنا”، يختم أبو مريم بينما يقود سيارته في شوارع مدينة الصدر.