طالبة عراقية تحوّل الرسم إلى إنجاز طبي

ذي قار- مرتضى الحدود
رغم أنها ما زالت في المرحلة الثانية من دراستها في كلية طب الأسنان بالجامعة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا في ذي قار، إلا أن رواء حازم السويطي استطاعت أن تشق طريقها نحو التميز العلمي، لتكون واحدة من الوجوه الواعدة في هذا التخصص الدقيق، واضعة بصمة فريدة في مرجع علمي يعين طلبة السنوات الأولى ويدعم الخريجين في مادة تشريح الأسنان.

في أحد ممرات الكلية، كانت رواء تسير بخطوات هادئة نحو عيادات المعالجة، تحمل في يدها جهازها اللوحي الذي يضم عشرات الرسومات التشريحية الدقيقة للأسنان.

بابتسامة واثقة، تحدثنا عن بدايتها في عالم الرسم العلمي الذي تحول من هواية إلى مشروع أكاديمي متكامل، تقول: “بدأت موهبتي منذ المرحلة الإعدادية، كنت أرسم جميع الصور العلمية الخاصة بأعضاء جسم الإنسان وغيرها من الكائنات الحية في مادة الأحياء بدقة كبيرة حتى أثار ذلك إعجاب أساتذتي، ووقتها أدركت أن الرسم ليس مجرد هواية، بل وسيلة لفهم العلم بعمق”.

بعد تخرجها من الإعدادية، نشرت إحدى لوحاتها التشريحية على صفحتها في إنستغرام، وكانت رسمة للقلب بدقة لافتة، فحظيت بإشادة من أحد طلبة كلية طب الأسنان بجامعة الكنوز في البصرة، الدكتور علي ثائر الإبراهيمي، الذي كان في المرحلة الرابعة حينها، ودعاها لتطوير موهبتها والمشاركة برسم بعض الرسومات في مؤلفه الدولي الجديد، لتكون تلك البداية الحقيقية لانطلاقتها الأكاديمية.
تروي رواء أن دخولها كلية طب الأسنان جاء بدافع شغفها بالفن العلمي إضافة إلى تشجيع الدكتور علي ثائر، مؤلف أحد المراجع الأكاديمية في المجال.
وتضيف: “حين بدأت دراسة الأسنان من الناحية العلمية، أدركت أن رسوماتي السابقة بحاجة إلى إعادة صياغة دقيقة، فعملت على إعادة رسم كل الأشكال إلكترونيًا مع إبراز التدرجات اللونية والإضاءة وزوايا السن المختلفة، لتكون أقرب ما يمكن إلى الواقع”.

استغرق عملها ثلاثة أشهر متواصلة لإعادة رسم أكثر من مئة مجسم إلكتروني، وتكمل حديثها قائلة: “شاركت منها بنحو تسعين رسمًا توضيحيًا في مشروع علمي يُعد من أوائل الأعمال الأكاديمية الرقمية في هذا المجال على المستوى الوطني والعربي، خاصة كوني طالبة”.
في السنوات الأخيرة، شهدت الجامعات العراقية تزايدًا في توجه الطلبة نحو المشاريع البحثية الرقمية التي تجمع بين الفن والعلوم، خصوصًا في مجالات الطب والهندسة. هذا التوجه يعكس تحوّلًا في نمط التعليم التقليدي نحو التعليم التطبيقي والإبداعي الذي يدمج المهارات التقنية بالمعرفة الأكاديمية.
تقول عميدة كلية طب الأسنان في الجامعة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا، الدكتورة لمياء العزاوي، إنها تشعر بالفخر لوجود طلبة مبدعين ومتميزين مثل الطالبة رواء حازم التي تمتلك موهبة في رسم الأسنان بدقة استثنائية، موضحة أن أعمالها “تميّزت بقدرتها على إظهار تعرجات الأسنان وأخاديدها وتفاصيلها الدقيقة بأسلوب مبتكر يجمع بين الإضاءة والتدرج اللوني الواقعي”.

وأضافت العزاوي أن هذه الرسومات العلمية ليست مجرد هواية، بل تحولت إلى إضافة معرفية قيّمة أسهمت، بمشاركة مختصين، في إعداد كتاب علمي سيكون مرجعًا مهمًا للطلبة في دراسة وتشريح الأسنان، مؤكدة أن إدارة الكلية تشجع مثل هذه المواهب التي تجمع بين الإبداع الفني والدقة الأكاديمية وتدعم تطويرها لتكون جزءًا من المنهج العلمي الحديث.
علم التشريح يعد من أكثر التخصصات التي تعتمد على الوسائل البصرية لفهم البنية التشريحية للأعضاء. وفي السنوات الأخيرة، أصبحت الرسومات الرقمية أداة تعليمية أساسية في كليات الطب حول العالم، إذ تسهم في تسهيل الفهم وتوضيح التفاصيل الدقيقة التي يصعب التقاطها في الصور الفوتوغرافية أو أثناء الدروس العملية.

بين أروقة كلية طب الأسنان، غادرتنا رواء لبعض الوقت متجهة إلى أحد المختبرات العلمية لحضور محاضرة في مادة التشريح.
كانت مندمجة مع الأستاذ المحاضر وبين زملائها، تتابع حركة المؤشر على الشاشة وتدوّن ملاحظاتها بسرعة، وكأنها توثّق فكرة جديدة ستتحول لاحقًا إلى رسمة علمية أخرى تضاف إلى سجلها المتنامي من الإبداعات. في تلك اللحظات، لم تكن مجرد طالبة تُراجع درسها، بل عقلٌ يرسم ويفكر ويدٌ تُحضّر لبصمة جديدة في عالم الطب والفن معًا.

وبعد المحاضرة، عادت رواء لتكمل حديثها، حيث كشفت أن الكتاب الذي شاركت في إعداد رسوماته العلمية ويحمل عنوان “الامتياز في تشريح الأسنان وطب الاسنان السريري” قد أنهى مراحله النهائية ويتجه إلى الطباعة، مشيرة إلى أنه سيكون الأول من نوعه عربيًا من حيث دقة المعلومات وغنى الرسومات التوضيحية، وقد تم وضع صورتها إلى جانب صور الخبراء والمختصين المشاركين في هذا الكتاب من بلدان متعددة.

تقول السويطي بفخر إن إعداد هذه الرسومات لم يكن مهمة عادية: “إذ تطلّب مني عملًا متواصلًا لأكثر من 12 ساعة يوميًا خلال الأشهر الماضية، لأتمكن من إنجاز عشرات التصاميم التشريحية الدقيقة”. فهي تسعى إلى أن تترك بصمة علمية خاصة بها وأن تقدم عملًا يبقى مرجعًا للأجيال القادمة من طلبة طب الأسنان.

من جانبها، أشادت الدكتورة نرمين الحصري، أستاذة الطالبة، بالمستوى العلمي الذي أظهرته رواء في مشروعها، مؤكدة أن “قدرتها على تحويل الرسومات اليدوية إلى مادة علمية معتمدة داخل مؤلف أكاديمي تمثل نقلة نوعية في التعليم البصري لطلبة كليات طب الأسنان”.
أنجزت هذه القصة ضمن سلسلة مقالات بدعم من برنامج قريب، وهو برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)



