هل تنجح السياسة الحمائية للحكومة العراقية في تحقيق اهدافها؟

المنصة – مصطفى حبيب

يخطو العراق خطوات نادرة نحو دعم الانتاج المحلي من السلع والخدمات والبضائع والمحاصيل الزراعية عبر سياسة حمائية عبر فرض قيود على السلع الاجنبية والاستيراد، حققت خلال الاسابيع القليلة الماضية نتائج مذهلة لم يتم تغطيتها اعلاميا بسبب انشغال البلاد في التوترات الاقليمية والمشاكل السياسية الداخلية.

الاسبوع الماضي اعلنت وزارة الزراعية العراقية تحقيق رقم قياسي للمرة الاولى في تاريخ انتاج محصول الحنطة في العراق، عبر تحقيق الاكتفاء الذاتي منها، بل تجاوزت الكميات المطلوبة محليا.

وزير الزراعة صالح الحسني قال ان العراق حقق انتاج بقيمة 4 ملايين و750 الف طن من الحنطة خلال العام الحالي وهو يتجاوز الطلب المحلي منها، ويحقق العراق بذلك الاكتفاء الذاتي منها للمرة الاولى بعد عام 2003.

وانضمت الحنطة الى قائمة تضم 16 محصول زراعي قررت الحكومة العراقية منع استيرادها من الخارج دعما للانتاج المحلي شملت محاصيل مثل الطماطة والرقي والفواكهة، وللمرة الاولى منذ سنوات تمتلا الاسواق العراقية بمحاصيل محلية، بل اصبحت الاكثر طلبا.

احدى المزارع الخاصة في العراق- المصدر وزارة الزراعة

خلال شهري ايار (مايو) وحزيران (يونيو) ضربت البلاد موجة حرائق مفاجئة لم تشهدها البلاد على مدى العقود الماضية، استهدفت الحرائق بشكل اساسي الحقول الزراعية الكبيرة، ورغم محاولة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي تبريرها بانها غير مقصودة ونتيجة حوادث عرضية وارتفاع درجات الحرارة في البلاد، انتقد خبراء هذا الرد وقالوا ان السنوات الماضية كانت درجات الحرارة اعلى ولم نشهد حرائق مماثلة.

وقال مصدر في مديرية الدفاع المدني التي اشرفت على اطفاء الحرائق لـ “المنصة” وقوع نحو (178) حريقاً خلال شهرين، وبلغت المساحات المحترقة (8767) دونما من المحاصيل الزراعية خصوصا الحنطة والشعير بينما تم انقاذ نحو (14) دونما، ويؤكد “وجود حملة منظمة وراء الحرائق”.

ورغم ان المصدر رفض الكشف عن نتائج التحقيق في الحرائق لسريتها وحساسية المعلومات، إلا ان الكثير من النواب والسياسيين اكدوا ان الحرائق مقصودة وضمن حملة يقف ورائها متضررين من تزايد الانتاج الزراعي المحلي.

ويقول النائب خالد العبيدي ان “ابرز المستفيدين من الحرائق هم الارهابيون والفاسدين الذين يتضررون من تزايد الانتاج الوطني وتحقيق الاكتفاء الذاتي وعدم الحاجة الى الاستيراد”.

رغم الحرائق التي استهدفت اغلبها حقول الحنطة والشعير، الا ان العراق حقق الاكتفاء الذاتي، ونفس الشئ حصل مع انتاج البيض والدجاج، بعد قرار الحكومة مطلع الشهر الحالي ايقاف استيرادهما كانت تركيا وايران اكبر الخاسرين، اضطر السفير التركي الى لقاء وزير الزراعة حول القضية، الا ان الوزير العراقي ابلغه ان الانتاج المحلي يغطي الحاجة.

يبدو ان السياسة الحمائية التي تبنتها الحكومة تسير بخطوات جيدة حتى الان، ولم تشمل المحاصيل الزراعية بل ايضا المواد الانشائية كالاسمنت الذي يحتاجه العراق بشكل متزايد مع عمليات الاعمار وتزايد السكان والحاجة الى بناء المزيد من المنازل.

في كانون الثاني (يناير) 2016 اتخذت الحكومة السابقة برئاسة حيدر العبادي قرارا وصفه خبراء الاقتصاد العراقيين بالتاريخي يقضي بمنع استيراد مادة الاسمنت الذي يأتي معظمه من ايران، لم تمض اشهر معدودة حتى عادت العديد من المصانع العراقية المتوقفة منذ عام 2003 الى العمل من جديد وحققت انتاجا كبيرا كما انخفضت اسعاره الى النصف تقريبا ليصل سعر الطن الواحد (50) دولار بعد ان كان يصل الى نحو (90) دولار للاسمنت المستورد الذي يعتبر اقل جودة من الاسمنت العراقي المحلي.

مدير عام الشركة العامة للإسمنت العراقية حسين محسن عبيد يقول لـ “المنصة” ان العراق يعتبر من افضل المنتجين لمادة الاسمنت منذ عقود، ويضيف انه بعد قرار الحكومة منع استيراد الاسمنت من الخارج ساهم في الحفاظ على الدولار، اذ كان التجار المستوردين من الخارج يصرفون ما قيمته 600 مليون دولار سنويا.

الاسبوع الماضي اعلن صندوق النقد الدولي ارتفاع الاحتياطي النقدي الاجنبي من الدولار الى 65 مليار دولار بعدما تراجع الى خمسين مليار دولار في العامين الماضيين بسبب الحرب على داعش وانهيار اسعار النفط العالمية في العام 2014 التي ترافقت مع بروز التنظيم المتشدد في البلاد.

بعد عام 2003 شهد العراق تحولا لم يشمل النظام السياسي فحسب بل ايضا النظام الاقتصادي، فالعراق خلال حكم صدام حسين كان اشتراكيا يفرض ضرائب كبيرة على الواردات ويعتمد على الانتاج المحلي، بعد ذلك تحول العراق مع دخول القوات الاميركية البلاد الى نظام السوق الحر اصبح العراق سوقاً لتصريف السلع والبضائع الخارجية بصورة رسمية وغير رسمية.

ولكن انفتاح العراق على اقتصاد السوق لم يكن مدروسا كما يقول الخبير الاقتصادي انور سعيد، ويضيف لـ “المنصة” ان “تحول العراق الى نظام السوق الحر الرأسمالي ترافق مع انهيار شبه كامل للصناعة والزراعة المحلية، إذ توقفت فجأة اآلاف المصانع وتحولت المساحات الزراعية الواسعة الى صحراء قاحلة ما جعل العراق يعتمد بشكل اساسي على الاستراد، هذا الشئ خطير يهدد الامن القومي”.

لا تقتصر فوائد منع الاستيراد على الحفاظ على الدولار ومنع انتقاله الى خارج البلاد عبر صفقات الاستيراد فحسب، بل ايضا في حل مشكلة اساسية يعاني منها العراق حاليا ويتوقع ان تتصاعد خلال العامين المقبلين، وهي البطالة.

يعتمد العراقيون القادرون على العمل على الوظائف الحكومية كمصدر اساسي للوظائف منذ عقود، ولكن مؤخرا ومع تصاعد عدد السكان واغلبهم من فئة الشباب (18 – 37) وفقا لوزارة التخطيط العراقية، وتوجه العراق الى تحقيق اصلاحات اقتصادية بالتنسيق مع البنك الدولي لم تعد الحكومة قادرة على توفير فرص عمل للجميع.

وانخفض عدد الوظائف الحكومية المعروضة من (100) الف وظيفة عام 2013 الى (30) الف عام 2018، وهذه السنة 2019 عرضت الحكومة (65) الف وظيفة مع تعافي اسعار النفط العالمية، ومع ذلك فانها غير كافية، وتوفير الوظائف الحكومية لم يعد الحل المناسب لازمة البطالة، بل انها تخلق مشاكل اقتصادية اخرى.

ويقول سلمان الطائي صاحب معمل محلي صغير لانتاج الطابوق ومواد اخرى تدخل في البناء لـ “المنصة” “قبل سنوات كان عدد العمال لدي (15) عامل، ولكن خلال الاشهر القليلة الماضية بعد قرار الحكومة منع الاستيراد ازدادت الحاجة الى المزيد من الانتاج المحلي، والان يعمل لدي الى (25) عاملا”.

اليوم اصبح القطاع الخاص في العراق حاجة ملحة لأستعياب الشباب العاطلين عن العمل، ومنذ ايام ينظم آلاف من خريجي كليات الهندسة والعلوم والحاصلين على شهادة الماجستير اعتصاماً امام مقرات الحكومة والوزارات للمطالبة بوظائف لا تستطيع الحكومة توفيرها، وفي محاولة لتشجيع القطاع الخاص والمشاريع الصغيرة تواصل الحكومة سياسة حمائية للانتاج المحلي، والمطلوب استمرارها من اجل تحقيق اهدافها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى