المطران دُردُر: زيارة البابا كانت “فسحة أمل” لمسيحيي ومسلمي البصرة
المنصة – وحيد غانم
بضع مئات من العائلات فقط، هي آخر وجود للمسيحية في مدينة البصرة جنوبي البلاد، وجاءت زيارة البابا الأخيرة للعراق لتمنح تلك العائلات “فسحة من الأمل” على حد وصف زعامات دينية مسيحية.
يقول نيافة المطران فراس دُردُر راعي كنيسة المسيحيين السريان الكاثوليك في الجنوب والخليج العربي لـ “المنصة” إن “أعدادنا اليوم في عموم البلاد لا تتجاوز 250 ألفاً، وفي البصرة لا يزيد عددنا على 300 عائلة بمعدل أربعة إلى خمسة أشخاص فيكون المجموع قرابة 1500 شخص، من جميع الطوائف المسيحية، والبقية هاجرت”.
وبحسب المصادر التاريخية يعود وجود المسيحية في مدن جنوب العراق وتحديداً في البصرة إلى منتصف القرن الثاني الميلادي. ولم يكونوا خلال العقود الماضية طرفاً في أي صراعٍ ديني أو خلاف سياسي.
“أبواب كنائس البصرة طالما كانت مفتوحة للجميع” يقول المطران دُردُر، ويضيف أنه “منذ عقود يتردّد المسلمون وخاصة النساء على مزار السيدة مريم المباركة لتقديم النذور وإيقاد الشموع، وهو ما يدل على عمق الوشائج الاجتماعية العميقة بين مسلمي ومسيحي البصرة”.
وكان في المدينة نحو خمسة آلاف عائلة حتى منتصف القرن الماضي، أخذت هذه الأعداد بالتناقص مع بداية عقد ثمانينات القرن الماضي بسبب حرب الخليج الأولى حيث كانت البصرة أكثر المدن تأثراً بهذه الحرب المدمرة، وبعد العام 2003 تواصلت وتيرة العنف وحالة عدم الاستقرار.
وخضع مسيحيو البصرة لنوعين من الهجرة، داخلية نحو بغداد وإقليم كردستان، وخارجية نحو الدول الاوربية وأستراليا والولايات المتحدة وكندا وغيرها، أما المتبقون فهم لا يخفون صراحة أنه لو توافرت لهم فرصة الهجرة فلن يرفضوها، لكن هناك المتمسكين بمدينتهم خصوصاً الكبار في السنّ، ويؤكدون أنهم لم يغادروها ابدا وسيدفنون فيها.
ولكن الزيارة التاريخية التي قام بها بابا الفاتيكان، البابا فرنسيس الى العراق مطلع الشهر الحالي، أوجدت فسحة أمل كبيرة للمسيحيين في البلاد، وبينهم في البصرة. ويقول المطران فراس دُردُر إن “الزيارة لها خصوصية تاريخية ونادرة وربما لا تتكرر في وقت قريب، ونحن نعتقد أنها مهمة لا للمسيحيين وحدهم إنما لجميع العراقيين”.
وللمرة الأولى يشعر مسيحيو العراق أنهم محط اهتمام ومحلي ودولي بأوضاعهم في بلاد وادي الرافدين، حيث يتعرضون لممارسات تهجير واستيلاء على منازلهم.
وزار البابا فرنسيس بإصرار شخصي منه، العراق، رغم خطر وباء كورونا الذي يجتاح العالم حيث ان زيارته كانت أول زيارة خارجية له منذ أكثر من تسعة أشهر، وأيضاً رغم الظروف الأمنية الصعبة في العراق حيث قبل أيام من الزيارة تعرضت قواعد عراقية تضم قوات أمريكية لقصف صاروخي يُعتقد بأن فصائل شيعية تقف خلفه، فيما ردّت القوات الأمريكية على ذلك بقصف مماثل لقواعد فصائل شيعية.
وخصّ البابا فرنسيس ستة مدن عراقية لزيارتها على مدى ثلاثة أيام، وهي بغداد والنجف والناصرية وأربيل والموصل وقرقوش، لم تكن البصرة بينها.
ويقول المطران فراس دُردُر “كنا نتمنى أن تشمل زيارته البصرة لكن قداسته اختار بضعة أماكن مهمة في العراق، وكان أبرز الأماكن التي زارها هي مدينة أور الاثرية في الناصرية ومنزل النبي إبراهيم”.
ويضيف، أن “اختيار البابا مدينة أور التاريخية يمثل أبعادا لا تقتصر على كونها منطقة مهمة في تاريخ البشرية فحسب بل لها أبعاد روحية لارتباطها بالنبي ابراهيم والديانات السماوية الثلاث”.
ويتابع: “إن رمزية النبي ابراهيم -باعتباره رجل التوحيد والوحدة- تتصل بها دعوة البابا للوحدة الانسانية بعيداً عن العرق والطائفة واللون”.
وشارك في استقبال البابا في الناصرية حيث مدينة أور، وفد محدود من مسيحيي البصرة شمل المطران فراس دُردُر الذي أكد أن رغبتهم كانت عميقة بوجود استقبال شعبي حافل للبابا من المسيحيين والمسلمين، لكن الظروف الأمنية والصحية أيضاً بسبب الوباء حالت دون ذلك.