“أبو ستار”.. آخر صانع للأدوات الفلاحية في ميسان
المنصة- ميسان- مهدي الساعدي
لم يبق في محافظة ميسان (جنوبي البلاد) من يمتهن صناعة الأدوات الفلاحية اليدوية سوى “أبو ستار”، الشيخ المندائي ذو الثمانين عاماً، أما البقية فإما انتقلوا لمزاولة مهنة أخرى تدرّ مالاً أوفر أو غيبهم الموت.
يتخذ أبو ستار من إحدى زوايا محله الصغير الواقع في سوق نجّاري مدينة العمارة، مكاناً ضيقاً للجلوس على قطعة إسفنج على مقاس جسمه النحيل الذي ارهقته السنين.
رشاقة يده في تقليم قطع الخشب بواسطة فأس الصغير تدل على حرفيته واتقانه لعمله البسيط، بينما يغطي وجهه بكوفية بيضاء تحميه من نثرات الخشب المتطاير.
أبوستار المعروف بين الاوساط الشعبية في سوق المدينة، يقول: “عملنا يعتمد بصورة أساسية على صناعة الأدوات التي يستخدمها الفلاحين في اعمالهم المعتادة، مثل المنجل او المجرفة (الكرك) و المسحاة”.
ورث أبو ستار مهنته من الآباء والاجداد، كغيره من المندائيين اصحاب الحرف، الذين تركز عملهم بحرفتي صناعة الأدوات الزراعية وصياغة الذهب والمجوهرات. يقول “لا علم لدي عن أول من تعلمها من أجدادي، لكني مارستها مذ كنت يافعاً وأعيل من خلالها أسرتي، وليس لي عمل أخرى سواها”
ويوضح زعيم الطائفة المندائية في ميسان الشيخ نظام في حديث للمنصة أن “الصابئة يمتازون بإتقانهم الحرف اليدوية ومنها أدوات الزراعة لأسباب عديدة، منها سكنهم في مناطق الأهوار وقربهم من المياه الجارية والأنهار”.
عمل لا يدر مالاً
يغير أبوستار جلسته خلال العمل بين الحين والآخر بسبب الآم ظهره وتعب المهنة، رافعاً رأسه للتفرس في وجوه الماره في السوق، وقد بانت على سحنته تجاعيد الشيخوخة وعلامات التقدم بالعمر، منها بياض لحيته الكثيفة، وحوله ولده يساعده في العمل وإدارة المحل.
يمتليء المحل الصغير بالاعمدة الخشبية التي يشتريها من تجار الخشب، كون عمله يعتمد عليها بصورة أساسية، ويفضل النوع العراقي القادم من مدن الشمال لأنها حسب قوله أكثر قوة ومتانة من الأخشاب المستوردة، بالإضافة إلى أنواع القصب والخيزران الصيني او الهندي.
عمل ابوستار أصبح في الآونة الاخيرة لا يدر مالاً كما في السابق، والسبب كما يقول “امتناع الكثير من الفلاحين عن الزراعة، وتوجه الغالبية منهم الى الوظائف الحكومية، بسبب قلة وشحة المياه”.
رغم ذلك يمكن العثور على زبائن في المحل يتفحصون الأدوات الزراعية ويسألون عن مدى قوتها ومتانتها، “فما زال الفلاح يختار معاوله ومنجله بدقة”، كما يقول ابوستار
عشت هنا وسوف أبقى هنا
أقارب أبي ستار توجهوا غالبيتهم إلى بلدان أخرى، مع موجة هجرة الأقليات في السنوات الاخيرة إلى أمريكا وأوربا وأستراليا.
“أولاد أخي في السويد وأولاد أختي في استراليا.. كنا نعيش سويا في نفس المدينة إلا انهم فضلوا الرحيل والاغتراب، ولا زالوا يتواصلون معي بشكل مباشر ويدعوني للحاق بهم”، يقول ابو ستار.
وبحسب الشيخ نظام، زعيم الطائفة المندائية في ميسان، “قل عدد المندائيين إلى نصف ما كانوا عليه في السابق، هاجروا بسبب الظروف العامة التي يعيشها البلد، وبحثاً عن رفاهية العيش في تلك البلدان”.
الشيخ نظام زعيم الطائفة المندائية في ميسان
لكن حبّ أبي ستار لمدينته كان المانع الأول والأخير للحاق بأولاد أخيه. يقول: “عشت وترعرعت على هذه الارض التي عاش ومات فيها أسلافي، وبالرغم من شظف العيش إلا أني أفضّلها على السفر إلى غير بلاد، وهذا هو هاجس المندائيين الذين تركوا بلدهم، فهم يتمنون الرجوع والعيش بين أناسهم وإخوانهم”.