رجل سبعيني في ذي قار يصيد الذئاب لترويضها.. وحمايتها

المنصة- مرتضى الحدود

ستة عشر عاماً أمضاها “عقيل الجنديل” في بوادي وغابات العراق دفعته لأن يصبح مروضاً لواحد من أكثر صنوف الحيوانات شراسة وذكاءً.

الرجل الذي دخل عامه السبعين والذي يهوى الصيد والحياة البرية، جمع خبرة مكنته من فك لغز حياة الذئاب وأساليب التعامل معها، فوجد نفسه في السنوات الأخيرة ميالاً إلى تربية الذئاب وتدجينها.

يسكن “الجنديل” في قلعة سكر شمال مركز محافظة ذي قار، يتحدث وبجواره ذئاب داخل أقفاص حديدية صنعها بيده، ويروي كيف تبدأ رحلة صيده مع رفاقه الثلاثة بواسطة عجلات رباعية الدفع، يجوبون فيها الراري ومعهم أدوات الصيد من أسلحة ومصابيح ليزرية شديدة الإضاءة و أفخاخ حديدية.

“ننطلق نحو المناطق المحددة في الخط الواقع بين مدينتي الديوانية والناصرية أو ما يسمى بالحزام الرملي ففيها غابات كثيفة وموحشة”، يقول الصياد العراقي، ويتابع “عندما يجن الليل ونحن وسط تلك الأماكن المظلمة نوقد النار ونبدأ بالشواء لتحضير وجبة عشاء لنا ونسمع عواء الذئاب.. ثم نستعد للانطلاق نحو صيدها”.

حماية الذئاب

الخبرة الطويلة في الصيد مكنت الرجل من معرفة جحور الذئاب، فينصب الأفخاخ بالقرب من الأشجار أو الشجيرات ويرمي بعض قطع اللحم طعماً لها، وما أن يعلق الذئب في الفخ حتى يسرع الصياد اليه بقفص يضعه فيه.

الجنديل وأصدقاؤه ابتكروا طريقة أخرى للصيد تجذب الذئاب بشكل أسرع، من خلال تسجيلات صوتية لعواء الذئب يشغلونها عبر مكبرات صوت منصوبة في أعلى الأشجار ومن تحتها الافخاخ، فيقترب الذئب ويتم اصطياده بسهولة.

ويعتبر عقيل أن تربية الذئاب وتحويلها إلى كائنات أليفة يساعد بشكل ما على حمايتها، “لأن الأهالي يطلقون على الذئب النار بمجرد رؤيته في البرية ويردونه قتيلاً ما قد يسبب بانقراض هذا النوع أو تناقص أعداده”.

ويشير الجنديل إلى أن الفترة التي تلحق موسم تزواج الذئاب واحدة من الأوقات المهمة التي يمكن اصطياد الجراء فيها بغرض تربيتهم وتدجينهم. ويشرح أن “شهر كانون الأول من كل عام هو موسم التزواج ومن بعده بـ63 يوماً تبدأ بالانجاب وتضع الجراء داخل جحر يحفر في الأرض بشكل مائل بعمق قد يصل إلى 15 متر كي تبعده عن الأخطار، ويكون لهذا الجحر منفذان بحيث يمكن للأنثى وصغارها الهرب ما أن تتم مداهمتها من حيوان مفترس”.

ويوضح مروض الذئاب أن “الحصول على صغارها لا يكون إلا بعد مرور شهرين على الأقل من فترة ولادتهم فيمكن أن يخرجوا من جحورهم ويركضون، وهذه الأعمار من الذئاب يمكن ترويضها بشكل أفضل”.

أما الذئاب البالغة فيجد عقيل صعوبة الى حد ما في ترويضها، ويحتاج إلى أجواء شبيهة بالبيئة التي كان موجود فيها، فيتم وضعها في قفص مظلم مع أرضية من التراب ومن حولها الأشجار.

نوعان من الذئاب

أربعون ذئباً ما تم اصطياده وترويضه لدى عقيل على مدار السنين الماضية والبعض منها يحتفظ بها في منزله وقد بلغت أعمارها قرابة التسع سنوات.

تستهلك هذه الحيوانات منه يومياً ما مقداره ثلاثة كيلوغرامات من اللحم يحصل عليها من بعض أصدقائه الجزارين من بقايا الذبائح أو من حيوانات يتم صيدها من البرية وجلبها.

ويبيع عقيل جزءاً من الذئاب التي يصيدها إلى الراغبين باقتنائها، وتختلف أسعارها بحسب أنواعها. موضحاً أن “هناك نوعان موجودان في العراق أحدهما يسمى الذئب البري الرمادي يمتلك نظرا حاداً واذانا قصيرة، والنوع الاخر معروف بين العامة بـ”ذيب البساتين” فلونه يقرب إلى اللون الأحمر وذو ملمس ناعم وآذان طويلة”.

ويصل سعر الذئب الذي تم تربيته منذ الصغر إلى 500 ألف دينار عراقي أما الذئاب الكبيرة غير المروضة فيصل سعرها إلى 250 ألف دينار، فيما يتم شراء تلك التي تموت في المزرعة بسعر 150 ألف دينار، و”تستخدم للتحنيط أو يستخدم فروها في بعض الدوواين كأفرشة” على حد قوله.

هروب من القفص

يسكن عقيل إلى جوار ذئابه في أرض تبلغ مساحتها 1600 متر مربع استغلّ جزء منها لبناء منزل ومن ثم حديقة صغيرة ومن بعدها مساحة متروكة ومن ثم حديقة الذئاب التي تعيش داخل الأقفاص. 

كما يستخدم جزءاً آخر من هذه المساحة كورشة حدادة لصناعة لصناعة ما يحلو له من أفخاخ الذئاب وأقفاصها.

وتعرض عقيل مرتان لهجوم من الذئاب إحداهما عندما أقدم على بيع أفراخ إحدى الذئاب التي تم تربيتها، وما أن قام بعزل الأم عن صغارها في قفص آخر حتى زادت شراستها وضربت الجدار المعدني للقفص بجسمها ثم حفرت الأرض وخروجت إلى باحة المكان، وهاجمته غارزة أنيابها في يده. ولم تكن الحادثة الثانية مختلفة إلا في التفاصيل، إذ هاجمت الذئبة الأم صيّادها لكن هذه المرة في البرية.

سنوات عقيل الجنديل الستة عشر في هذه الهواية لم تطور لديه ميلاً نحو تربية الحيوانات الأليفة كالغزال مثلاً، بل على العكس من ذلك، يقول “أنا أحب حياة البراري وتحدي الحياة البرية، وأفكر مؤخراً في صيد الضباع لترويضها”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى