المنسيون.. قبل الانتخابات وبعدها
بغداد- سجاد عدنان
لم يكن الجندي نبيل صباح يظن أن إصابته أثناء الاشتباكات مع الإرهابيين ستلقي به وبرفاقه في غياهب التجاهل والنسيان الحكوميين، وتجعلهم يائسين ليس فقط من الانتخابات، بل من أن يسمع صوتهم أو يهتم بمطالبهم أحد قبلها أو بعدها.
هذه ثلاثة أصوات لثلاثة مقاتلين تروي قصص تضحية، وخيبة أمل، وإصرار على نيل الحقوق.
أخوة في الجراح
نبيل صباح، ذو الـ 48 عاماً، هو أحد جنود وزارة الدفاع العراقية ، انتمى للجيش العراقي في عام 2007 بعد عودته للوطن، بعد ما خرج منه لمحاربة النظام السابق له لأن الحكومة آنذاك سجنت أخاه وحكمت عليه بالاعدام بتهم باطلة، وهذا ما دفعه للخروج من البلد والمكوث لعشر سنوات في عمان وسوريا.
يقول صباح “ما دفعني للعودة هو أخي حيدر الذي قتله تنظيم القاعدة في الرطبة وهو في طريقه لزيارتي في سوريا. منذ تلك الحادثة لم يهدأ لي بال ولم ينم لي جفن، عدت وانضممت لفرقة الحرس الوطني التابعة لوزارة الدفاع العراقية كأحد جنودها، فقد كان لي في الميدان خبرة اكتسبتها من تكليفي بالجيش السابق قبل عام 2003. تعاملت مع المواطنين بحرفية عالية حتى جعلت منهم أصدقاء يدلون لي بمعلومات مهمة عن أماكن تواجد الارهابيين وتحركاتهم”.
يروي صباح أنه في صباح يوم الاحد كانون الثاني وبعد 9 أشهر من تطوعه خرج بدورية لأداء واجب عسكري في مدينة صلاح الدين، “قُذفنا بصاروخ موجه، نيران ودخان ،صراخ ونداءات جهاز المناداة، هذا جل ما اسمعه وأراه، حتى أفقت فوجدت نفسي في قاعدة بلد الجوية في مستشفى البكر، مطروحاً وساقاي مبتورتان وجراحات عديدة في رأسي”، يقول.
ويتابع سرد أحداث تلك الساعات الأليمة بالقول: “لم يمنعني ما حصل من السؤال عن زملاء الواجب حتى عرفت أن أحدهم استشهد وآخرين جرحوا. هنا عرفت أن الوطن لا يريد أن يراني شهيداً بل أرادني شخصاً مدافعاً عن حقوق اخوتي في الجراح، علقت الفكرة في راسي المدمى ولكنها وضعت في جنب ذاكرتي ، تعاملت مع جراحي تأقلمت معها ، تمت معالجتي وغادرت المشفى وفي ظل معاناتي وألمي على اخي وفقدان ساقيّ، عادت الفكرة المركونة بذاكرتي لتتبلور وتصقل” .
يقول صباح إن هذه الإصابة شكلت بالنسبة له “رحلة جديدة للبحث عن ذاتنا وأخذ حقوقنا من حكومات لاتعطي حقوقاً”.
ويكمل: “ارتديت الزي العسكري كما كنت ارتديه في القتال وكنت اول جريح يرتدي الزي العسكري ويدافع عن حقوق أخوته، وعملت مع رابطة جرحى الجيش العراقي ولكني لم أر نفسي بها فتركت العمل وقمت بتأسيس مؤسسة “صوت الحق” لجرحى القوات الأمنية في الرابع عشر من حزيران 2018″.
وتعنى المنظمة التي اسسها جريح الحرب صباح “بتسهيل أمور الجرحى والمطالبة بحقوقهم ورعايتهم لاتمثيلهم” على حد وصفه، وأبرز تلك الحقوق كانت تخصيص مبالغ للعلاج البدني والنفسي، والمطالبة بتعويضات الإصابة البدنية، وتسيير معاملات الجرحى ورعاية أطفالهم في المؤسسات التربويه والصحية.
علامة “خطأ”
يتحدث صباح عن موقفه هو وزملائه من الانتخابات المنعقدة في العاشر من أكتوبر/تشرين أول الماضي، قائلاً “لم ننتخب. أعدادنا كبيرة اذ يبلغ عدد جرحى وزارة الدفاع العراقية 46 الف جريح من ضباط ومرتب يتوزعون على 18 محافظة، وجرحى وزارة الداخلية 48 ألف جريح، في حين يبلغ عدد جرحى الحشد الشعبي 23 ألف جريح، هذه الاعداد تراكمت من 2003-2020”.
وفي استفتاء وضعه مدير مؤسسة “صوت الحق” على مواقع التواصل الاجتماعي بلغت نسبة المشاركة فيه مايقارب 70٪ من جرحى القوات الأمنيه، كانت نسبة من اختاروا مقاطعة الانتخابات 60٪ . “نحن مقاطعون وعازفون عن الانتخاب لحين تلبية مطالبنا واعطائنا حقوقنا، فالحكومات لم تنصفنا، قابلت انا شخصياً رئيس مجلس النواب الحالي محمد الحلبوسي ووعدنا بتشريع قوانين تخدم مصالحنا ولكن كانت كلها وعود كاذبة”.
يتابع صباح، “رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري قدم لنا في الدورة السابقة ايضاَ وعوداً لم نلمس تنفيذا لها. الحكومة بأكملها هي من يقع عليها اللوم بمصادرة حقوقنا ومجلس النواب له الجانب الأكبر في التقصير، فقد طالبنا مراراً بإنصافنا لتمثيلنا داخل البرلمان العراقي بتخصيص كوتا للجرحى ولكن لاجدوى، خرجنا بتظاهرات وطالبنا الامم المتحدة بفتح باب اللجوء بلافتات رفعناها باللغة الانكليزية لها كوننا مضطهدين داخل وطننا وكذلك لم يستجيبوا لنا”.
ويختم صباح بالقول إن “ما جعلنا نذهب لمراكز الاقتراع هو التكليف الشرعي ولكن ليس للانتخاب بل لوضع علامة خطأ على ورقة الانتخاب وهذا هو تنفيذ لما دعت اليه المرجعية الدينية .الآن سنعمل على الخروج بتظاهرات واستغلال وسائل الإعلام لإيصال أصواتنا للعالم” .
ظنّوا أني فارقت الحياة
عبدالله حسين رجل آخر من رجالات القوات الأمنية العراقية انضم لصفوفها في آذار/مارس 2010 بوزارة الدفاع العراقية وحصل على المركز الاول في ثلاث دورات لقسم المدفعية وأصيب ثلاث مرات، أخطرها كانت الثالثة بعد مواجهة مع تنظيم “داعش” في قضاء الكرمة الذي يبعد عن المحافظة بغداد 30 كم، في الرابع من نيسان/أبريل 2018.
يروي عبد الله تفاصيل ما مر به بقوله انهم خرجوا برتل عسكري في أحد شوارع القضاء وبعد تعرضهم لهجوم من “داعش” انسحبت القوة المرافقة لهم حتى وجدوا انفسهم شخصين وعجلة همر، هو ورفيقه برتبة عميد ركن. وبعد مواجهة دامت لساعتين أصيب رفيقه وبقي يقاتل وحده حتى نفاذ ذخيرته.
“لم يبعدوا عنا سوى 6 أمتار ونحن محاصرون خلف عجلة الهمر التابعة لنا، فقدنا الخيارات ولم يكن لدينا أفكار سوى الاستسلام، حينها ناداني رفيقي بعبارة علقت في ذهني: “عبدالله افضل مما يذبحونا ويمثلوا بأجسادنا نخرج ونقف امامهم ونجعلهم يقتلونا بالرصاص”.. خرجنا ووجهنا بنادقنا نحوهم، حتى واجهونا بوابل من الرصاص”.
ويكمل عبدالله سرد قصة إصابته، فيقول “اخترقت جسدي خمس رصاصات، في يدي وساقِي،على إثرها وقعت في مبزل بالقرب من الشارع، كنت اشاهد زميلي يقتل برصاصات برأسه، نفذوا عليه الحكم بغضاً برتبته أما أنا فألقوا علي نظرة فشاهدوني مغطى بالدماء مطروحاً، ظنوا أنني فارقت الحياة، فتركوني وذهبوا إلى مكان تواجد قواتنا ليشنوا هجوماً اخر”.
أن تدر ظهرك للانتخابات
يكمل عبد الله روايته “زحفت باتجاه القوات العراقية لكنني سلكت طريقاً آخراً نازفاً من جراحاتي منهكاً، ثقل الدرع اتعبني، خلعته، حتى وجدت نفسي داخل مزرعة للباقلاء، شعرت بالخدر باطرافي ولم استطع الزحف بعدها، دعواتي كانت الا يمسكوا بي ويذبحوني ويمثلوا بي تنكيلاً بالزي العسكري والمؤسسة التي انتمي لها”.
وبتابع: “هنا تذكرت انني احمل هاتفي فاتصلت بصديق لي متواجد في خط الدفاع الاول وشرحت حالتي، اوصلني بالضابط المسؤول الذي قال اصبر نتعرض حالياً لهجوم ايضاً وانهى الاتصال، لم يبقى لي املاً أمل وخشيت ان استشهد و ألا يجد احداً أحد جثمانِي. بعد مرور ساعات واذا بعجلة تابعة لقوات الحشد الشعبي تمر من امامي، لوحت لهم ،هبوا لنجدتي بعد التأكد من ثيابي العسكرية والحديث معي، نقلوني على اثرها الى مستشفى ابو غريب ومن هناك الى مستشفى اليرموك التعليمي”.
بالنسبة لهذا الضابط كان المكوث في المشفى “أسوأ ايام حياتي”، يقول: “هناك ضعف في البنية التحتية وقلة في الخدمات الصحية، فلا معالجة نفسية تذكر، ولا جسدية على أتم وجه. خرجت قبل فترة شفائي على مسؤوليتي، واتجهت للعلاج الخاص على حسابي الشخصي، وبلغت تكلفته 34 مليون دينار عراقي لاجراء عمليات للأعصاب لكنها باءت بالفشل كون الاعصاب مدمرة”.
ويوضح عبدالله أن ثمن العلاج كان مرتفعاً، حيث الابرة الواحدة كانت بسعر 125 ألف دينار في حين ان مرتبه الشهري يبلغ مليون وخمسمئة ألف دينارعراقي، من دون احتساب مبالغ العمليات أو العلاجات النفسية.
ويقول عبد الله إنه كان “مقاتلاً وناخباً مخلصا للديمقراطية”، أما بعد ما مر به فقد أدار ظهره لانتخابات لن تأتي له بجديد.
أخوة الجراح مقاطعون
يقول عبدالله “تجمعاتنا ومنظماتنا على لقاء دائم، نناقش قضايانا ونلم جراحات بعضنا البعض، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي نطرح افكارنا. وفي استبيان وضعته مؤسسة “صوت الحق” على موقع فيسبوك رأيت انني لم اختلف عن غالبية جرحى القوات الأمنية في المقاطعة للانتخابات، والدعوى لتمثيلنا بكوتا داخل قبة البرلمان هي كل ما نبتغي وهذا أقل حق ممكن أن نحصل عليه”.
يؤكد عبد الله أنه انتخب نوري المالكي للدورتين الانتخابيتين في 2006 و2014 لظنه أنه قائد مهتم بالجيش وكرامته ولكن آماله خابت. ويرد على سؤال حول موقفه من بيان المرجع السيستاني الذي دعا إلى المشاركة قائلا “لم يغير نداء المرجعية الدينية وحثها على المشاركة بالانتخابات قراري كوني امتلك حرية القرار وانا صاحبه، لم نجد حلا بالمقاطعة ولا حلا بالمشاركة، فتركنا الاخير واخترنا الاول”.
يقول عبد الله إنه شارك في احتجاجات ووقفات عديدة ولكنها لم تلق آذاناً صاغية. ويتحدث عن لقاء جمعه برئيس الوزراء الأسبق، “في فرصة بالعام 2017 التقيت برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ووقفت امامه وسألته اين حقوقي وانا من شل جسده لاجل وطنه، اشار بأصبعه الى حمايته وقال خذوا رقم هاتفه وسنتصل بك، لا اتصال ولا رسالة اطمئنان”.
الأكثر إيلاماً
وسام علي عبدالحسين من مواليد بغداد 1977 ، انضم للمؤسسة العسكرية عام 2004 بالقوات الخاصة التابعة لوزارة الدفاع العراقية، واشترك في عدة دورات عسركية منها دورة مع الفرقة الاسترالية، ودورة الكوماندوز الأمريكية في بغداد، وحصل على عدت شهادات في مجال اختصاصه العسكري ( ميكانيكي سيارات ) وهو أحد مطوري الدرع الزجاجي المرتبط بعجلة الهمر.
شارك وسام في معارك عديدة منها تلعفر، الفلوجة، شارع حيفا، معركة النجف، وكان أخطرها بالنسبة له معركة اللطيفية المسماة بقفزة الضفدع.
يسترسل وسام في ذكرياته قائلا “هُددتُ هاتفياً عندما كنت في لواء المثنى الذي كان مقره بين منطقتي ابوغريب والعامرية من قبل تنظيم القاعدة ذاته، في عام 2005 دمروا لي ثلاث عجلات شخصية اثناء التحاقي بالواجب ونزولي للمنزل، كانوا يلقبوننا بالخنازير وعملاء الأمريكان، ولم نكن كذلك، نحن تطوعنا ليرى المواطن العراقي رجل امن ويشعر بان في بلده رجال تحرسه. وصل الامر بنا أننا لانستطيع النزول ونحن حالقين رؤوسنا خشية ان يتعرفوا علينا ويقتلوننا”.
لم تقتصر التهديدات والمخاطر على وسام، بل دفعت عائلته أيضا ثمناً باهظاً. يتذكر وسام بألم مساء يوم الاربعاء 15 تموز/يوليو 2007، “كنت خارج منزلي الواقع في منطقة الكرادة ببغداد، جاءني اتصالٌ من جيراني يدعوني للرجوع للمنزل بأسرع وقت. تذكرت حينها آخر تهديد لي من قبل تنظيم القاعدة (لن تمر عليك مدة 72 ساعة). وعند عودتي مع وجود حظر التجوال سمعت دوي سيارات الاطفاء، انتابني شعور الخوف، وبعد ما وصلت شاهدت ما لم أرد ان اشاهده في حياتي، منزلي مقفل من الخارج والنار تلتهب بداخله، صراخ اطفالي وزوجتي في الداخل هو الصوت الذي لن يفارق مسمعي منذ ذلك اليوم”.
حاول وسام الدخول لكن رجال الدفاع المدني منعوه، اخمدوا الحريق وسلموه رماد عائلته المحترقة، “شعرت بالخيبة. نعم، لقد أصبحت مقاتلاً فقد عائلته المكونة من ثلاثة اشخاص ،سيف ولدي البالغ من العمر 18 شهراً ،وعباس اخوه الاصغر الذي لم يحن موعد ميلاده الاول حتى، وزوجتي. كل هؤلاء كانو قرابين لوطني وضحية مهنتي وما جاءني من تهديدات”.
لم يفكر وسام بترك مهمته “بل كان هذا هو ما زرع في داخلي روح الانتقام لهم ولحالات كثيرة شبيهه بحالتي”.
جراحي بعد رماد عائلتي
لم يترك وسام واجبه رغم مصابه ويقول “في منطقة السيدية ببغداد،وفي العام ذاته خرجنا في واجب عسكري لسخونة المنطقة انذاك حيث كانت الحاضن الاكبر للتنظيم في بغداد وبعد الانتهاء من الواجب وتطهير جزء معين منها انسحبت القوة وانا اقود عجلة عسكرية من نوع همر، تلقيت نداءً من عجلة خلفي ينبهني بوجود شرارة نيران اسفل عجلتي، ظننت ان السبب يعود للمكابح، قلت له لاتقلق هذه مكابح العجلة، استمررتُ بالقيادة للعودة الى المقر في المنطقة ذاتها”.
يتابع “كنت في العجلة والشرار اسفل العجلة مستمر لم ينقطع. نزلت تحتها لأرى ماهو سبب تلك الشرارة فوجدت جسما غريبا لم أرَ مثله في حياتي، علمت حينها أنه عبوة لاصقة، انتزعتها وخرجت من تحت العجلة مسرعاً لكن لم يسعفني الوقت حتى انفجرت، وعلى اثرها فقدت يدي اليمنى وساقي اليمنى وعينيّ الاثنتين ناهيك عن جروح بليغة في الرأس وتشوهات في الوجه”.
ويكمل وسام “أسعفني افراد وحدتي الى مستشفى اليرموك التعليمي ببغداد، لم تستقبلني خوفاً علي، كون المستشفى تقع ضمن منطقة اليرموك وهي ًأيضاً كانت تحت سيطرة تنظيم القاعدة الارهابي. نقلوني الى مدينة الطب ببغداد وأجريت لي 11 عملية جراحية كبرى وفوق الكبرى، ومكثت في المستشفى لفترة ثلاثة اشهر لتلقي العلاج ثم خرجت منها بعد ذلك الى منزلي”.
معاناتي بدأت من هنا
أضاف الإهمال ألما ومرارة إلى مصاب وسام. يقول”تركني الجميع في محنتي. مرتبي هو جل ما حصلت عليه، فلاحكومة تذكرتني ولا وزارتي التي كنت انتمي لها رعتني، أهملت تماماً من الجميع والتجأت للعلاج الخاص على حسابي الشخصي. سافرت خارج العراق لاتلقى العلاج واعادوا لي العمليات التي أجريت لي في العراق بأسعار باهظة جداً”.
خيبة امل جديدة تذكر الا وهي “حذف اسمي من سجل الترقيات وابقائي على منصب جندي اول، كذلك حذف من مرتبي ماسمى ببدل الطعام في حين انا كرمت بمرسوم جمهوري. حتى ذلك الغي لأسباب مجهوله، راتبي 500 الف دينار عراقي، وقد اعتمدوا قوانين النظام السابق بإحالة الجريح الى التقاعد بمرتبه الأسمي، لاحقوق تذكر لجريح حرب مضح، لا سكن، ولا تعويض الاصابة، ولا تعويض نهاية خدمة”.
ويكمل: “سافرت الى الهند لتلقي العلاج على حساب وزارة الدفاع العراقية، لأجراء عملية تخص العيون، بعد الوصول الى الهند وعرضي على الدكتور في مستشفى ارتمس الهندي، احالني الى صالة العمليات لاجراء العملية دخلت الى الصالة وما إن تم اعطائي البنج الموضعي والمباشرة بإجراء العملية حتى رفعت ايادي الكادر الطبي عني وتم اخراجي من صالة العمليات. اجتمعو بنا وقالو ان حكومتكم ارسلت بريداً تطلب منا ايقاف جميع العمليات للجرحى لعدم توفر المخصصات المالية لكم ونحن مضطرون الى تسفيركم لبلدانكم. هذا كان في زمن حكومة حيدر العبادي”.
مناشدات لجهات عليا واحتجاجات
يقول وسام إنه وزملاءه تمكنوا عدة مرات من لقاء مسؤولين وطرح معاناتهم عليهم، “ولكن الرد لم يتجاوز ثلاث جمل تعودنا عليها في كل لقاء: “عفيه ابطال، إن شاء الله، صار، وكأنها راية تسلم من شخص لآخر”. ويتابع:
“وزراء الدفاع الاربعة السابقين التقيت بهم جميعاً، عرفان الحيالي، نجاح الشمري، جمعة عناد، خالد العبيدي، هذا على مستوى مؤسستي ، اما على مستوى نواب في السلطة التشريعية التقيت بالعديد منهم مثل علي الغانمي، شياع السوداني، ستار العتابي، جاسم البخاتي، صباح التميمي، كل ما اردناه هو استعادة حقوق مسلوبه وقوانين تخدمنا لكن بلا جدوى. أما على صعيد رئاسة الوزراء فقد التقيت بعادل عبدالمهدي ، ومصطفى الكاظمي، ونوري المالكي. وتعددت اللقاءات حتى وصلنا الى رئيس الجمهورية برهم صالح. الكل يتقاذفون اللوم ولا قانون يحمي حقوقنا ولا حقوق تعطى. هذا كل ما فهمناه من حكومة مابعد الاصابة، فكيف لي ان اكون ناخباً مرة اخرى؟” .
مقاطعتي ورأي التجمع
وسام علي هو مسؤول عن تجمع جرحى بغداد ، يحمل قضيتهم مستغلاً وقت فراغه في الدفاع عن اخوة الجراح كما يحبون هم ان يطلق عليهم. لم تمنعه اصابته وما مر به من العمل وممارسة الرياضة فهو رياضي في نادي الجيش العراقي لفئة الجرحى.
يقول وسام “غالباً ما نعقد اجتماعات للتناقش في قضايا الجرحى وما يجب عمله في المستقبل، في احد الاجتماعات في منزلي، ضم الاجتماع اكثر من 50 جريحا من محافظة بغداد حصراً، تناقش الجميع في موضوع الانتخابات وهل سننتخب ام لا ،جميع الاراء كانت سلبية، من سننتخب بعد كل هذه المعاناة التي انا جزء بسيط منها، لذلك خرجنا بقرار موحد: لا انتخاب حتى توفير حقوقنا، واهمها تمثيلنا داخل البرلمان ناهيك عن سكن او قطعة ارض، وقانون يحمي مرتباتنا، وتعويض عن الاصابة، وتعويض نهاية الخدمة، وتوفير المعين لكل جريح، كذلك صرف مبالغ علاجاتنا، وتخصيص اطباء نفسيين لنا، وإجراء عمليات تجميلية واخرى تأهيلية. ما لم يتوفر كل ذلك، فلن نشارك بالانتخابات، وهو ما قمنا به بالفعل”.
صباح ووسام وعبد الله هم نماذج من ألوف العراقيين الذين أقعدتهم خيبة الأمل قبل الإصابة عن المشاركة في الانتخابات. ونجح الإهمال الرسمي المتعاقب بجعلهم يديرون ظهورهم بعد أن كانوا يقبلون بصدورهم. يقولون إنهم سيستمرون في المطالبة بحقوقهم بعد الانتخابات التي قاطعوها، فهل ستسمعهم آذان السلطة الجديدة؟
أُنجز هذا التقرير ضمن برنامج تغطية الانتخابات العراقية الذي نفذته منظمة “أوان ميديا” بدعم من منظمة دعم الاعلام الدولي (International Media Support )