شاب ينشئ متجراً الكترونياً يحاكي تراث مدينته الناصرية وحياتها البسيطة
المنصة- مرتضى الحدود
“عكد الهوى” هو الاسم الذي اختاره محسن شريف ذو الـ 27 عاماً لصفحته على موقعي “فيسبوك” و”انستغرام” التي يبيع من خلالها مصنوعات يدوية وتراثية من مدينة الناصرية.
بدأ محسن مشروعه البسيط قبل نحو عامين، مستغلاً إحدى زوايا منزله حيث يجلس معظم الوقت خلف شاشة الكومبيوتر يتابع نشاطات البيع والشراء على المتجر الالكتروني، ومن حوله عشرات القطع التراثية المصنوعة من القصب والبردي والطين، بانتظار دور كل قطعة منها في الحجز والبيع.
حلم الطفولة
يقول الشاب محسن إن فكرة مشروعه كانت تدور في ذهنه منذ سنوات بعد أن علقت في ذاكرته منذ الطفولة صور وأشكال شتى من المصنوعات اليدوية جعلته هاوٍ لتراث مدينة الناصرية.
“هذه المصنوعات تتحدث عن حياة جيل عاش البساطة والهدوء بعيداً عن التكنولوجيا، والمفارقة أن التكنولوجيا اليوم هي من يمكننا من شراء هذه القطع أو بيعها من خلال المتاجر الالكترونية”، يقول.
محسن المهتم بتاريخ مجتمع الناصرية خصوصاً في الحقبة الممتدة بين عقدي الثلاثينيات والخمسينيات من القرن الماضي، والشغوف أيضاً بفنون التطريز والحياكة وصناعة القصب في تلك الفترة، بدأ أولى خطوات تنفيذ المشروع مع بدء انتشار فيروس كورونا وانحسار حركة التسوق داخل مدينة الناصرية.
يقول “من خلال المتجر الإلكتروني بإمكان أي أحد أن يدخل ويشتري القطعة التي تثير اهتمامه وسوف تصل إليه أياً كان عنوان سكنه”.
ويضيف: “ما أن تصلني طلبات الحجز على البضاعة عبر رسائل الكترونية مرفقة بعناوين الأشخاص وأرقام هواتفهم حتى أقوم بوضع تلك القطع داخل صناديق تحميها من الكسر ثم أوصل القطع المطلوبة بنفسي إلى العناوين المكتوبة”.
زبائن من دول المهجر
قبل أن يبدأ محسن مشروعه كان قد حصل شهادة البكالوريوس في علوم الحاسبات، وكحال بقية الشباب العراقي لم يحصل على فرصة عمل، فبدأ بالتواصل مع صانعي المشغولات اليدوية والتراثية في مدينته وشرع بتطوير الفكرة مستفيداً من معرفته بالعلوم البرمجية.
ما أن أقلع المتجر الإلكتروني عارضاً بضاعته المميزة حتى بدأ التفاعل مع الصفحة من خلال طلبات الشراء من داخل مدينة الناصرية.
يوضح محسن أن للمشروع جانبين أساسيين، أحدهما تجاري، فالمتجر الالكتروني يوفر مدخولاً مالياً بسيطاً ساعده على التخلص من أزمة البطالة التي كان يعيشها والآخر ثقافي، “فلهذا المتجر هدف هو التعريف بثقافة وتراث الناصرية و صناعاتها اليدوية المميزة”.
ويتابع أن “من يرغب بشراء تلك المنتجات يكون عادة ممن لديهم حنين للحياة القديمة التي عاشها أجدادنا ويرغبون بعرضها في منازلهم، وهناك من يشترون من المتجر بغرض تقديمها كهدية في إحدى المناسبات”.
منتجات محسن لم تحدها حدود الجغرافية المحلية بل بدأت الاتصالات ترد إليه من العراقيين المغتربين في دول المهجر إذ يقومون بحجز المنتجات عن طريق أصدقائهم وأقاربهم العائدين إلى العراق ومن ثم العودة بها الى بلدان إقامتهم. يقول محسن “هي تربطهم بمدينتهم وذكرياتهم فيها وبالحياة التي عاشوها في العراق”.
شارع العشاق
اختار محسن “عكد الهوى” إسماً لمتجره الإلكتروني البسيط لما له من ارتباطات تاريخية بحياة مدينة عرفت بهذا الاسم “دكان عكد الهوى”.
ولهذا الإسم رنين خاص في آذان أبناء الناصرية إذ يعود تاريخ شارع عكد الهوى إلى حقبة الثلاثينيات من القرن الماضي وهو شارع الحبوبي حالياً في مركز الناصرية.
وكان عكد الهوى ملتقى الأحبة والعشاق في تلك السنوات ومكان الشعراء، ولكونه مساحة مفتوحة خالية من الأبنية كانت الرياح تداعب أشجار الصفصاف والسدر المتوزعة آنذاك فيه.
أما عن الأرباح التي يحققها الشاب العشريني من مشروعه فهي على حد تعبيره “أرباح بسيطة” تعينه على تجاوز محنة البطالة، ويتابع “هي هواية أكثر من أن تكون عملاً تجارياً”، آملاً أن ينشئ متحفاً لعرض القطع التاريخية والمصنوعات اليدوية وحياة المجتمع الريفي والأهواري.
ولا يفرط محسن بأي بازار أو نشاط فني إلا ويحضره من أجل التعريف بمتجره وسبب اختياره لهذا المشروع، عارضاًَ عشرات القطع البسيطة ذات الألوان الزاهية متراصفةً على منضدة معدنية، منها أطباق من الخوص وفخاريات وعلب صغيرة تم حياكتها باحترافية بالغة تروي كل واحدة منها قصة من قصص المدينة العريقة.