مصحف صدام المفقود.. تاريخ منسي يكشفه أحد الخطاطين

علاء كولي- ذي قار 

رغم الإضاءة الخافتة في صالة الإستقبال الصغيرة في بيته البسيط الا أن اللوحات المخطوطة بيده تضيء المكان بشكل لافت، فتبدو الجدران مغطاة باللوحات القرآنية بأحجام وأشكال مختلفة، تتوسطها بعض السور التي يتضح أنها كّتبت بخطوط يصعب خطها بالنسبة للكثير من الخطاطين، ولهذا ربما، استطاع صاحبها أن يبيع لوحاته بأسعار باهظة خارج العراق.

الخطاط حبيب عبدالله السعداوي (53 عاما) من مدينة الشطرة بمحافظة ذي قار، بدأ حياته عاشقا للخطوط العربية منذ صباه، لكن الأقدار رمته في صدفة غير متوقعة في قصر صدام حسين حينما تم الإستعانة به لكتابة القرآن الكريم بالكامل بخط يده بحسب رغبة رئيس النظام البائد الذي قرر كتابة المصحف على طريقته.

لم يخشى حبيب من خطه فيما إذا كان لا يعجب صدام أو لجنة الخبراء التي تم وضعها لمراقبته ومتابعة ما يكتبه، بل كانت المخاوف أنه جاء من مدينة جنوبية كانت قد مثلت ذاكرة سيئة لدى العائلة الحاكمة، فقبل ثلاث سنوات من تكليفه بكتابة المصحف، كان مسلحون معارضون من محافظة ذي قار قد نفذوا محاولة اغتيال عدي صدام حسين وأمطروه بوابل من الرصاص.

البحث عن خطاط مناسب

بدأ حبيب حياته المهنية بتعلم أنواع بسيطة من الخطوط وأصبح مولعاً بالآيات القرآنية وظل يتفنن بكتابتها بمختلف أنواع الخطوط وأصعبها، حتى أصبح علامة مميزة في الخط العربي ليس في مدينته الناصرية فحسب بل على مستوى العراق والمنطقة العربية، فقد حصل على جوائز هامة وعديدة في قطر والإمارات وتركيا، رغم أنه لم يكن قد أكمل تعليمه الثانوي.

بعد حادثة إغتيال عدي صدام حسين في ديسمبر/كانون الثاني 1996، كانت السلطة آنذاك قد مارست قمعا على عوائل منفذي العملية وأعدمت عدد منهم ولاحقت البعض الآخر، فيما ظلت تراقب كل من يقترب منهم، لتتشكل بعد ذلك صورة متشككة لدى عائلة صدام تجاه محافظة ذي قار، ومارست ضغطا كبيرا على كل أبنائها وكان ذلك بمثابة عقاب جماعي بسبب حادثة الإغتيال التي نجا منه نجل صدام بصعوبة.

في تلك السنوات كان الخطاط حبيب السعداوي يتردد على جمعية الخطاطين في العاصمة بغداد، وفي العام 1999 كان متواجدا كعادته هناك عندما اتصل أشخاص مقربون من صدام يطلبون من رئيس الجمعية خطاطا يخط لهم القرآن بقياسات كبيرة. “حينها اعتذر عدد من الخطاطين كون ذلك يحتاج الى جهود كبيرة لإنجازه، قوقع الاختيار علي ورفع أسمي الى فريق صدام وتم تكليفي بالكتابة” يقول السعداوي. 

ويتابع “لم يسألني أحد عن مدينتي، فقد كنت أتردد على بيت أقربائي في العاصمة بغداد لأنني كنت عسكريا وفي فترة الإستراحة كنت أتواجد في بغداد.. باشرت في غضون أيام بالكتابة، وكانت تصلني المواد والمستلزمات الخاصة بالكتابة من أحبار وأوراق خاصة لإكمال عملي بشكل أسبوعي”.

الكتابة بدم صدّام 

يضيف حبيب السعدواي أن الوقت الذي منح له في إكمال كتابة القرآن كان سنتين، “وبالصدفة أيضاً عرفت أن هناك خطاط آخر وهو عباس شاكر الجودي أو البغدادي كان يخط قرآناً آخر بنفس الحجم الذي أعمل عليه لكن ليس بالحبر بل بالدم، حيث فرض على البغدادي أن يكتب الآيات بدم صدام، وكانوا في كل أسبوع أو أكثر يجلبون له قنينة من الدم تضاف اليها بعض المواد لتكون بشكل جيد”.

يؤكد الخطاط حبيب أنه تمكن من إنجاز المهمة بعد سنتين من التكليف، حيث كانت لجنة الخبراء من رجال دين وخطاطين آخرين يتابعون بشكل دوري ما يكتبه ويصححون له الأخطاء، وقد تمكن من الاحتفاظ بمسودة واحدة عما كتبه، وهي نفسها الورقة التي لديه تشبه الصورة المتداولة لصدام وهو يقلب بأوراق المصحف بعد إنجازه. 

يتابع حبيب حديثه أنه بعد إكمال كتابة المصحف المكلف به، كان عباس البغدادي قد أكمل مصحف الدم بعد سنة، “وقفت على مصحف الدم لحظة كتابته وكانت الرائحة كريهة لدرجة كبيرة حتى أن الخطاط أصيب بحساسية في عينيه بسبب الدم”، يقول السعداوي.

لم يخبر معاونوا صدام رئيسهم بأن نسخة القرآن الثانية التي قام بتصفح أوراقها تعود لخطاط من محافظة ذي قار، وبحسب حبيب “تم إخباره أن من قام بزخرفته وتأطيره وإنجازه هو الخطاط عباس البغدادي، وذلك خوفاً ربما من مصارحته بأن الخطاط هو من نفس المدينة التي ينتمي اليها منفذو عملية إغتيال عدي نجله الأكبر”.

وبحسب المرويات، فإن صدام أقدم على تنفيذ فكرة كتابة نسخ من القرآن الكريم بدمه نذرا منه لنجاة ابنه من الموت بعد عملية الإغتيال الشهيرة التي نفذها معارضون من محافظة ذي قار. 

اختفاء المخطوط

بعد العام 2003 لم يعرف أحد أين ذهبت نسختا المصحف، المكتوب بالحبر والآخر المكتوب بالدم، لكن مصحف الدم ظهر فيما بعد ومحفوظ بشكل جيد في جامع أم القرى في بغداد وهو لهذه اللحظة لا يزال محفوظا فيها، لكن حبيب لم يعرف أين ذهب المصحف الذي كتبه، الا أنه يقول بأن هناك من قام بأخذه خلال أعمال العنف ودخول الأمريكان الى بغداد ولا يعرف مصيره حتى هذه اللحظة.

دفعت فكرة كتابة المصحف، حبيب الخطاط مرة أخرى ليكتب مصحفا آخر بخط يده وإستغرقه ذلك خمس سنوات، ليخرج بعد ذلك مصحفا ينتظر أن يطبعه أحد أو أي متبرع. 

خلال حديثه، يفتح حبيب أوراق المصحف بشكل هادئ كي لاتتمزق الأوراق التي رتبت بشكل منظم بحسب الأجزاء، حيث يظهر كل جزءا مفصولاً عن الآخر ببعض الأوراق التي يميل لونها الى الأصفر. 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى