في الأنبار: نساء يعملن في مهن غير تقليدية
الأنبار- رسل ظاهر
ثلاث نساء من محافظة الانبار حاولن التحرر من قوانين المجتمع المحافظة التي تحصر بعض الأعمال بيد الرجل وتمنعها عن المرأة، فبدأن طريقاً في مهن ربما تكون عادية في مجتمع آخر، لكن ليس هنا.
واحدة من هؤلاء النساء هي اليوم أول مديرة في الأنبار لقسم حكومي غير مخصص للنساء، والثانية أول مصممة أزياء بمجتمع عشائري رافض لهكذا مهنة، والثالثة مصورة تحمل الكاميرا وتجوب شوارع الانبار وتنقل قصص الناس وأخبارهم، وكل واحدة من الثلاث تحمل في قصتها الكثير من التجارب والتحديات.
أول مدوّنة ومديرة قسم
في صيف عام 2015، عندما سيطر تنظيم “داعش” على مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار إثر انسحاب فوضوي لقوات الجيش العراقي، بدأت الشابة أبرار أحمد نافع تفكر في نقل أخبار مدينتها إلى العالم الذي يملؤه الخوف من توسع نفوذ التنظيم واحتمال وصوله إلى العاصمة بغداد.
قررت أبرار يومها أن تفتتح حساباً لها على موقع الفيسبوك ومن خلاله كانت تنقل ما يجري في المدينة أولاً بأول. “كان الوضع الأمني خطيراً جداً لكنني لم أستطع البقاء صامتة.. فكرت في أن أصبح عنصراً فعالاً ومؤثراً في المجتمع المحيط بي” تقول.
.
في عام 2016 صارت الشابة الأنبارية المقيمة في أربيل آنذاك واحدة من المواطنات الصحفيات المعروفات في مجال التدوين الالكتروني، وبعدها بشهور قليلة، عند تحرير الرمادي من تنظيم “داعش” عادت إليها وكان التنظيم لا يزال متواجداً في بعض المناطق التي لم تحرر بعد مثل عنة، راوة، القائم.
أطلقت أبرار ومعها نشطاء آخرون عدة حملات الكترونية كانت من بينها حملة “محو الداعشية” التي تنشر التوعية بمخاطر التطرف الفكري، بالإضافة لنشرها على الصفحة الخاصة بها رسائل تدعم عمل القوات الأمنية في حربها على داعش. تقول أبرار” كانت هذه الخطوة تحدياً كبيراً، فقد كنت في مكان لا أعلم إن كان تحت أنظار جواسيس داعش أم لا”.
لم يكن عمل أبرار كأي عمل عادي فقد أصبحت حياتها مهددة بالخطر باعتبارها أول مدونة في الأنبار تظهر باسمها الصريح. “تعرضت للجهوم على صفحاتي الشخصية من قبل عناصر داعش وتلقيت تهديدات عديدة بالقتل وكنت شديدة الاحتياط أمنياً، فقد كان هناك عشرات الرسائل تصلني يومياً وتصفني بأبشع الأوصاف فقط لأني امراة مهتمة بالشأن العام”.
استمرت الشابة الأنبارية في عملها كمدونة حتى بعد تحرير الأنبار بالكامل وذلك من خلال حسابها على الفيسبوك الذي يعد من الحسابات المهمة لمتابعة التطورات في الانبار، لكن الصفحة بدأت شيئاً فشيئاً تلعب دوراً أوسع، فمن خلال الحساب نفسه تمكنت أبرار من تقديم المساعدة لعشرات الشباب والشابات الباحثين والباحثات عن وفرص عمل، فكانت تنشر المهنة أو الهواية لشخص معين وتضع طريقة التواصل معه وتعرّف الناس به.
شاركت أبرار في نشاطات ميدانية عديدة، منها مديرة مهرجان “أنبار السلام” عام 2017 ومهرجان “عاشت ايدك” سنة 2018 ومهرجان السلام الأول عام 2019 وجميعها مبادرات تهدف إلى “بث الفرح والحياة في المدينة الخارجة لتوها من حرب مدمرة” على حد وصف الشابة.
في العامين الماضيين انتقلت أبرار إلى مرحلة جديدة عنوانهاالأمومة، فقد أصبحت أماً وهي بعمر الـ 29، مكان سكن زوجها في بغداد وعملها في الأنبار. “كنت أذهب وأعود من بغداد الى الرمادي للعمل، وطفلي يبقى عند والدة زوجي أو عند والدتي”.
من ناحية ثانية حصل منعطف آخر في حياة أبرار عندما عرضت عليها الحكومة المحلية منصب مديرة قسم المركز المشترك التنسيقي والرصد (Jcmc) وهو قسم مرتبط بعمل المنظمات الدولية، من مهامه زيادة مستوى التنسيق بين الحكومة المحلية ومجلس الوزراء والوكالات الأممية، بالإضافة إلى رصد الأزمات والكوارث والتقليل من حدتها أو منع حدوثها.
تذكر ابرار أن القسم تحت إدارتها “حصل على المركز الأول على مستوى العراق كأفضل أداء وظيفي”، وبهذه الخطوة تعدّ أبرار العاني أول امرأة في الأنبار تتولى منصب مديرة قسم، وفي وظيفة بعيدة عن الأقسام التي تمنح للمرأة العراقية عادةً كقسم تمكين المراة مثلاً.
أول مصممة أزياء
نشأت “أروى محمد مدحت” ذات العشرين عاماً في مدينة الرمادي وكبرت مع حب تصميم الأزياء وهو طريق يصعب السير فيه في مجتمع الأنبار. وبالرغم من أنها تدرس حالياً في كلية هندسة الميكانيك لكنها قررت أن لا تنتظر، فبدأت رحلتها في عالم الازياء.
“كنت في بدايتي أرسم التصاميم فقط لكنني قررت أن أطور من نفسي وأكمل المشروع فبدأت بتعلم كل ما يخص هذا المجال من ناحية التصميم والتنفيذ (الخياطة) وكان التعليم عن طريق الانترنت فقط”.
في عام 2018 نظمت أروى أول معرض أزياء لها مخصص لملابس الأطفال، تقول “على الرغم من بساطة الفكرة إلا أنها لاقت استحساناً واسعاً وبيعت أغلب القطع ، لكن وبسبب امتحانات الشهادة الثانوية توقفت لفترة ثم عدت من جديد مع دخولي الجامعة فشاركت في دورات لتصميم الازياء على الانترنت”.
اكملت أروى مسيرتها وذلك بالعمل على مشروع معرض ثانٍ لتصاميم أزياء الاطفال تطلّب منها ستة أشهر لإكمال التصاميم وتنفيذها وذلك بسبب بعض الصعوبات التي واجهتها.
وكما لكل مصمم أزياء له بصمتة الخاصة تجد أروى بصمتها من خلال إدخال الأشكال الهندسية على تصاميمها جامعة بين حبها للأزياء وللهندسة.
وتوضح قائلة: “واجهتني مشكلة عدم توفر نوعية مناسبة من الأقمشة في الأسواق المحلية، فاستعنت بشركة عراقية مميزة للأقمشة في دبي، وأيضاً عدم توفر خياطين مناسبين لتنفيذ القطع، فاضطرت الى تنفيذ القطع بنفسي في المنزل حيث كان مجهود مضاعفاً لكوني طالبة وأيضاً مبتدئة في موضوع الخياطة”.
مرة أخرى، استعانت أروى بدورات الانترنيت وتلقت دروساً في الخياطة، وفي النهاية استطاعت أن تنظم ثاني معرض لها،”لقي صدى واسع وأشادت به مجلات الموضة في العراق” على حد وصفها.
وتفكر أروى اليوم في دخول عالم أزياء الكبار وعدم اقتصارها على تصاميم الأطفال لكن أمامها تحدي صعب وهو “عدم تقبل المجتمع لفكرة عرض الازياء لذى بدأت بعرض أزياء لتصاميم الأطفال كخطوة أولى” تقول.
مصورة فوتوغرافية
لم يخطر يوماً في بال “نبأ حامد” أنها ستكون مصورة فوتوغرافية، لكن فترة الحجر الصحي بسبب انتشار وباء كورونا جعلها تتعرف على هذا الشغف في داخلها.
نبأ ذات الـ 23 عاماً التي تدرس في قسم الإعلام بجامعة الأنبار وتكتب تقارير صحفية لصالح منصة إعلامية محلية لم تكتشف إبداعها في التصوير إلا عن طريق بقائها في المنزل وتصوير بعض الأشياء بزوايا نظر مختلفة وإضاءة مناسبة. تقول “نشرت تلك الصور على حسابي الشخصي في موقع الانستغرام وتلقيت إشادة كبيرة من المتابعين وشجعوني أن أستمر بمجال التصوير”.
لم تمض أشهر قليلة حتى صارت نبأ واحدة من المصورين المعروفين في المدينة، تنزل إلى الشارع وتلتقط صوراً لقصصها الصحفية أو لمشاهد من الحياة العامة.
لكن الشابة وجدت نفسها في تحدي صعب كونها فتاة وتعمل في مجال التصوير بمحافظة الانبار، وتضيف “أنا فتاة تعيش في مجتمع تحكمه سلطة العشائر لذا واجهت الكثير من العوائق لكن رغم كل هذا دعم اهلي السبب في استمراري”.
وتكمل: “أنا أعيش في مدينة هيت التي لا تختلف عن مدن الانبار بعاداتها.. وعند تصويري في الشارع أجد نظرة الناس لي وكأنني اقترف ذنباً لأنني أحمل الكاميرا بين يدي”.
في مثل هكذا وضع رافض لوجود النساء في مجال التصوير طورت نبأ فكرة جديدة هي تصوير أعراس النساء ومناسباتهن، كون العادات في الأنبار لا تشجع على إرسال مصورين رجال لهذا النوع من المناسبات.
تقول نبأ “لم أكن أدرك في بادئ الأمر أن هذه الموهبة ستكون مصدر رزق لي.. كانت مجرد هواية.. لكنها اليوم أصبحت عملي الأساسي الذي أعيش منه”، تقول.
لا تقتصر أهداف نبأ على تصوير المناسبات والأفراح، وهي تعمل اليوم على إنشاء استوديو خاص بها سيكون أول استوديو في الأنبار خاص بفتاة وهي تديره.
أبرار وأروى ونبأ، ثلاث نساء أنباريات تحدين ظروف المجتمع العشائري وعاداته، فكان الشغف والطموح أقوى من أي عائق أمام تحقيق أحلامهن.