دراجات هوائية في طريق إحياء مراسيم زيارة الاربعين 

المنصة- علي الناصري

يحزم الشاب شعيب عبد الكريم أغراضه الخاصة برحلته لزيارة الاربعين على دراجته الهوائية. سوف ينطلق من شمالي مدينة البصرة مرورا بمدينة الناصرية بمحافظة ذي قار ليرافق صديقين له ويتجهون جميعاً نحو مدينة كربلاء، وبهذا يقطع مسافة أكثر من 400 كم في طقوس دينية-رياضية اعتاد على تأديتها سنوياً.

ملابس خفيفة و أزواج من الجوارب واغراض للاستخدام اليومي رزمها شعيب في حقيبة صغيرة لتكون حملاً بسيطاً على دراجته الهوائية التي سيقودها لمدة سبعة أيام متواصلة تتخللها استراحات عند المواكب الخدمية لدعم الزائرين، والتي تنتشر منها المئات على الطرقات الخارجية.

يقول شعيب إنه دأب على إحياء مراسيم زيارة الاربعين سنوياً على دراجته الهوائية، ويضيف “اشتريت دراجة من منشأ أجنبي تتمتع بالمتانة ولها اطارات جديدة تتحمل صعوبة الطريق، وهي خفيفة المسير لتساعدني على اتمام رحلتي نحو المراقد المقدسة في سباق مع الزمن لأكون بين أوائل المشاركين قبل توافد الملايين من الزائرين، والعودة مجددا بنفس الطريق”.

رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة حيث ينطلق عشرات الآلاف من مختلف المحافظات الجنوبية بشكل مبكر سيرا على الاقدام واخرين يستقلون مركباتهم الى جانب من يقودون دراجاتهم الهوائية، يقطعون مئات الكيلومترات في رحلة تمتد لأسبوعين على أقل تقدير مرورا بمحافظات ذي قار والمثنى والديوانية والحلة وصولاً الى كربلاء.

حامد حسن وهو أحد الرياضيين الدرّاجين المعروفين وله مشاركات في بطولات حاز فيها على مراتب متقدمة يحتفظ بصداقته للشاب شعيب الذي تعرف عليه من خلال تلك الفعاليات، ومازال يرافق صديقه ويستقبله عند حدود مدينة الجبايش المحاذية لمحافظة البصرة من أجل الانطلاق معاً في رحلتهم الدينية.

يقول حامد للمنصة إنه أكمل جميع استعداداته ومنها مستلزمات دراجته الهوائية التي يسميها بالرفيق الذي يعتمد عليه في نجاح الرحلة الى جانب صديقه شعيب الذي سيلتقيه عند نقطة محددة للانطلاق نحو مدينة كربلاء التي يحمل لها شوقا لملاقاة وزيارة أضرحة الإمامين الحسين والعباس عليهما السلام.

ويضيف حامد أن رفقة الأصدقاء تخفف عنه الكثير من الأعباء وهم يتنقلون من محافظة لأخرى، “نتبادل الحديث فيما بيننا واحيانا نتسابق من اجل الوصول الى أقرب موكب حسيني خدمي من اجل اخذ قسط من الراحة وتناول الطعام واحيانا للمبيت في نفس المكان”.

تنتظم الرحلة  بملاقاة صديقهم الثالث حسن جاسم في طريق تنتشر على جانبيه مواكب خدمية عديدة منها يقدم ما الطعام والشراب وأخرى تقدم الخدمات الصحية والعلاجية ومنها للمبيت، البعض من أصحابها يفرض على الزائرين ضيافتهم أملاً في الحصول على الأجر والثواب والتأسي بكرامات آل البيت.

رحلة العجلات الهوائية لم تقتصر على الشباب والرياضيين منهم، فالحاج سالم عزيز الخمسيني العمر هو الآخر يستعد لهذه الرحلة الايمانية كما يصفها في حديثه عن أجواء وطقوس مسيرته التي اعتاد عليها سنويا وهو يمنح دراجته نظرات تعبر عن سعادته في رحلته المقبلة نحو مدينة كربلاء. 

يتحدث الحاج سالم عن رحلته بالقول “انطلق نحو كربلاء مرتديا السواد حداداً على ارواح الأئمة الشهداء” هذا كلامه وعيونه تبدي تأثراً واضحاً ثم يتمتم قائلاً: “سأذهب مهما كلفني ذلك من جهد وتعب”. 

ويضيف سالم أن دراجته من النوع البسيط، “مقودها صغير وأحمل في مؤخرتها راية حسينية وأضع مستلزماتي في حقيبة صغيرة أمامي وأسير يوميا عشرات الكيلو مترات لأستريح بعدها عند أحد المواكب لأعود مجدداً واستنهض قواي لاكمل المسيرة”.

أربعينية الإمام الحسين حدث كبير تصل أعداد زائريه سنوياً الى خمسة عشر مليوناً، وتشرف على تنظيمه العتبات الدينية وترافق مراسم إحيائه استعدادات واسعة منها أمنية وخدمية وطبية لإنجاحه.

أما مواكب الخدمة فيتجاوز عددها المئات على طرقات كل مدينة تمر بها جموع الزائرين، والطعام والشراب والعلاجات والمبيت هي كل ما يقدمه أصحاب هذه المواكب من مختلف الشرائح.

 موكب “أئمة البقيع” على طريق مدينتي الناصرية ـ الديوانية واحد من تلك المواكب التي تعمل على تقديم خدمتها المختلفة ليلاً ونهاراً بدعم من الميسورين من أهالي المناطق القريبة التي تقع على امتداد قضاء الفجر شمال محافظة ذي قار.

يقول المسؤول على الموكب الحاج صالح الزيدي إنه يعمل على خدمة الزائرين من محافظات البصرة والعمارة والناصرية حتى خروج اخر زائر لحدود المحافظة على مدى ثلاثة أسابيع في طقوس دينية اعتاد على تنظيمها سنوياً بالإضافة الى تنظيم المجالس الحسينية ليلاً.

مختلف الصور يسجلها طريق الزائرين من الجنوب حتى مدينة كربلاء فبين العطاء والسخاء والكرم تشد النظر اقدام سائرة بلا كلل وعجلات هوائية تدور بلا توقف ومركبات تنوعت خدماتها بين النقل وايصال مؤونة الزائرين.

هيئة المواكب الحسينية في محافظة ذي قار تقول إن أكثر من ثلاثة ملايين زائر تعبر حدود المحافظة سنويا من محافظات مجاورة وعرب بالإضافة الى مركز المدينة و”هي تهتم بتوفير جميع الخدمات بالتنسيق مع الدوائر الحكومية والامنية ومتابعة عمل المواكب التي تقوم على راحة القادمين والمغادرين” كما يتحدث مسؤولها باسم هاشم.

أما الشاب شعيب عبد الكريم وأصدقائه فيبقى على موعد طال انتظاره لعام كامل وهو يستعد للقاء المعزين بهذه المناسبة. 

يقول: “فور وصولي إلى كربلاء سوف أبدأ بإحياء المراسم بصحبة الملايين من المؤمنين، وبعدها أعود إلى مدينتي البصرة وأعمل على صيانة دراجتي الهوائية تجهيزا لزيارة العام القادم”.   

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى