باص الـ “ثمنطعش”.. صديق الفقراء 

الناصرية- مرتضى الحدود

تجاوز عمر حافلة “الثمنطعش” أكثر من أربعين عاماً قطعت خلالها عشرات آلاف الكيلومترات في شوارع العراق قبل أن يستقر بها الحال في مدينة الناصرية لتتسيّد على بقية المركبات الحديثة بتصميمها الخاص وزينتها المميّزة.

يمكن اليوم العثور على حافلة مرسيدس ذات الـ 18 راكبا المعروفة بـ “باص الثمنطعش” في جميع الخطوط التي تقل الركاب من مركز مدينة الناصرية نحو الأحياء وبعض الوحدات الإدارية، كما أن استخدامها بات شائعاً لنقل المعازيم في مواكب حفلات الزفاف أيام الخميس عصراً وفي الرحلات المدرسية والسفرات الجماعية إلى البساتين المحيطة.

السائق مصطفى حسين الذي حالفه الحظ بأن يمتلك مركبة من هذا النوع كان يتحدث إلى “المنصة” وهو جالس خلف المقود منتظرا الدور كي ينقل الركاب إلى أحد احياء مدينة الناصرية، مؤكداً على أن مركبته قدمت خدماتها منذ 41 عاماً، فكانت تسير يومياً منذ الساعات الأولى من الصباح وحتى غياب الشمس من دون كلل، فيكسب منها لقمة عيشه وتساعد العامة على التنقل مقابل أثمان زهيدة.

يقول حسين إن مركبة المرسيدس على وجه الخصوص امتازت بها مدينة الناصرية عن باقي المدن العراقية، ويصفها بـ “سيدة الباصات” خصوصاً أنها تنقل أعداد كبيرة من الموظفين والمراجعين يومياً إلى الوحدات الادارية القريبة من مركز القضاء كناحية “أور” ومنطقة “الشوفة”.

ويفسر حسين إقبال الناس على استقلال المركبة ألمانية الصنع برخص ثمن الأجرة التي لا تتجاوز الـ 500 دينار عراقي للراكب الواحد، وهو ما يناسب مدينة معظم سكانها من ذوي الدخل المحدود، لا يستطيعون التنقل عبر مركبات الصالون التي تصل أجرتها إلى ثلاثة آلاف دينار.

أعداد هذه المركبة في الناصرية بحسب مصطفى حسين تجاوز الـ 300 مركبة وثمنها مرتفع يتراوح ما بين 20 إلى 25 مليون دينار، ويكون حسب جودة هيكلها المعدني ومحركها ومقاعدها الجلدية.

ولازالت “الثمنطعش” بحسب هذا السائق قادرة رغم تقدمها في السن على المشاركة في المواسم الدينية وحتى الاحتجاجية فتنطلق من مركز الناصرية إلى مدينة كربلاء التي تبعد عن الناصرية حوالي 350 كيلو متر أو إلى العاصمة بغداد التي تبعد قرابة الـ 400 كيلو متر دون أن توقفها الأعطال أو تزعجها رداءة الطرق.

ورغم أن حافلة “الثمنطعش” ألمانية الصنع لكن سنين خدمتها في العراق أجبرتها على استعارة أجزاء من منشأ آخر، فمعظم محركاتها اليوم كورية الصنع تعود لمركبة “كيا” أو لمركبة أخرى من نوع “مارك” معروفة لدى السائقين بـ “البطة”.

ويرفض معظم مالكي هذا النوع من الحافلات استبدالها بالباصات الصغيرة الأخرى من قبيل “كيا” إذ يجدون أن هيكلها المعدني غير متين بالمقارنة مع المرسيدس ولا تتحمل العمل لفترات طويلة فضلاً عن صغر حجمها وضيق مقاعدها، يوضح حسين.

وكذلك هو الأمر مع الركاب الذين يتنقلون إلى مركز المدينة للتبضع، “فهم يرغبونها أكثر من الباصات الأخرى بسبب اتساع حجمها”، يقول.

السائق محسن دينار يبين أن معظم هذه المركبات تم شراؤها من مدن أخرى خلال السنوات القليلة الماضية، إذ امتازت سابقاً مدن الكوت والنجف والموصل بكثرة حافلات “الثمنطعش”، أما الآن فعددها هناك قليل لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.

ويضيف: “نطلق عليها تسمية “أم الخبزة” فهي مصدر معيشتنا ومكسبها المالي اليومي لا بأس به، يتراوح ما بين 20 الف الى 30 الف دينار”

علاء عبد، 14 سنة، من سكنة حي اريدو في الناصرية اعتاد يوميا أن يذهب إلى مدرسته الواقعة قرب بهو الإدارة المحلية بواسطة “الثمنطعش”. 

ينتمي علاء لأسرة محدودة الدخل، ولا يمكنه تصور أن تكون شوارع مدينته خالية منها، فهي رغم قدمها ألا انها عون للفقراء تساعدهم على التنقل بأجور زهيدة، كما أن ذكرياته هو وأصدقائه مرسومة أو مكتوبة على مقاعدها، إذ يقوم علاء في بعض الأحيان مع زملائه بالكتابة على المقاعد الجلدية أثناء التنقل دون علم السائق. يقول “هي أشبه بلوح قديم نكتب عليه ذكرياتنا”.

وكما هو الحال مع هذا التلميذ، يجد العديد من الأهالي أن “مركبة الثمنطعش” العجوز لا منافس لها مهما كانت الحافلات الأخرى حديثة وقد أصبح وجودها في الشوارع دلالة على أنك في الناصرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى