التصحر يلتهم ثلث أراضي محافظة ذي قار
ذي قار- مرتضى الحدود
ترك أحمد عطار ذو الستين عاماً أرضه التي كان يزرعها قبل عشر سنوات لتصبح اليوم أرضاً جرداء تملؤها التشققات وتكثر فيها النباتات الصحراوية.
أرض احمد التي تبلغ مساحتها 70 دونماً بما يعادل 175 كيلو متراً مربعاً كانت مصدر رزقه الوحيد، يجني من ثمارها الشتوية والصيفية مبالغ جيدة فضلا عن نتاج أشجار النخيل التي لم يبقى منها في الوقت الحالي سوى جذوع أو جذور يابسة.
وتشهد محافظة ذي قار في كل عام ترك مزارعين لأراضيهم وبحثهم عن مهن أخرى بسبب شحة المياه وتقلص الخطط الزراعية، لتصبح مهنة الزراعة بالنسبة لكثيرين غير مجدية.
فغيوم ذي قار عزفت عن إرواء أراضيها على مدار ثلاث مواسم شتوية كانت الاقل في معدلات الهطول المطري وفقاً للجهاز المركزي للإحصاء إذ بلغت في عام 2016 قرابة الـ 58.3 ملم وتلتها عام 2017 بـ 27 ملم أما عام 2021 فبلغ 33.6 ملم فيما لم تشهد السنوات المتبقية كميات من الامطار يمكن ان تنعش الأراضي وتروي الزرع.
وتصنف الاراضي في عداد الصحراوية عندما تخلو او يندر فيها النبات ويقل معدل تساقط المطر عن 25 ملم فتغزوها الكثبان الرملية كما هو الحال في صحراء النجف فيما تعد الأراضي “مهددة بالتصحر” عندما يتدهور فيها الانتاج الزراعي وينخفض معدل خصوبة التربة.
وتبلغ مساحة المحافظة حوالي 12900 كيلو متراً مربعاً تشكل الأراضي الصحراوية منها وفقا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء لعام 2021 ما يعادل 3612 كيلو متر مربع أي نسبة الثلث تقريباً.
وكذلك تبلغ نسبة الأراضي المهددة بالتصحر 34% أي حوالي الثلث من مساحة ذي قار، أما الكثبان الرميلة فتمتد على مساحة 171 كيلو متراً مربعاً بنسبة 1.3%.
مدير مشروع الكثبان الرملية في المحافظة قحطان الحسيني تحدث للمنصة عن واقع التصحر التي يعاني منه الجنوب العراقي ذاكراً أن الأراضي المتصحرة تمتد من محافظة الديوانية والمثنى حتى ذي قار “الا ان الاخيرة هي الاكثر تضررا لوقوع بقية المدن على الجانب الأيسر من تلك الأراضي فيما تحمل الرياح ذرات الكثبان الرملية لتستقر في المحافظة”.
ويضيف أن “الكثبان الرملية هنا فعالة اذ تنتقل بفعل الرياح من مكان إلى آخر مسببة أجواءً مغبرة في أغلب أيام فصل الصيف وأمراضاً تنفسية لدى العديد من السكان”.
ويرى الحسيني ان واقع التصحر يتسع سنويا لعدم وجود تخصيص مالي لمعالجته بسبب الازمات المالية التي مرت بالبلاد والظروف الأمنية المعقدة.
هذا التوسع يزداد بمقدار 5% سنوياً خصوصاً بين شهري حزيران (يونيو) وآب (أغسطس) بحسب المؤشرات وهو لا يقتصر على الداخل العراقي بل يتعدى الحدود ليضر بدولة الكويت المجاورة.
وكانت لجنة لجنة مشتركة عراقية كويتية قد زارت المنطقة مؤخراً بهدف تخصيص منحة من صندوق التنمية الكويتي لمعالجة 60 ألف دونما هي الأماكن الأكثر تضرراً، لكن “ما يزال التخصيص المالي قيد الدراسة من قبل الجانب الكويتي” بحسب الحسيني.
ويكمل الحسيني بان معالجة هذه الأراضي والسيطرة على التصحر يتطلب ما مقداره 48 مليار دينار عراقي بخطوات يتم تنفيذها على مدار خمس سنوات، منها ربما زراعة نباتات مقاومة للتصحر وتثبيت الكثبان الرميلة بالترب الطينية وزراعة أشجار تقوم بوظيفة مصدات للرياح.
وتتوزع المناطق المتصحرة في العراق على ثلاثة اماكن في الجانب الشرقي والغربي والأوسط من البلاد، الا ان الاكثر نشاطا وفعالية هو المنطقة الوسطى وفقا لمختصين.
أستاذ علم الجغرافيا في جامعة ذي قار الدكتور رحيم عدنان يرى بان المنطقة الممتدة من مدينة الديوانية والمثنى وحتى ذي قار تمتلك مساحة تصحر أكثر نشاطا وفعالية.
اذ تبلغ هذه المساحة النشطة 1600 كيلو متراً مربعاً وتزداد فعاليتها مع زيادة نسب الجفاف وقلة المياه وضعف الغطاء النباتي. وتعد المنطقة المتصحرة القريبة من قضاء البطحاء غربا بؤرة للعواصف الغبارية والترابية.
حجم الأزمة يبدو أكبر بكثير فيما لو قارنا نسب التصحر في عام 2021 مثلاً مع سنة 1990 باعتبارها سنة الأساس اذ تجد تقلص المساحات المائية لاكثر من 50% ويقابلها الغطاء النباتي بنسبة 50% او اقل من ذلك بقليل وكلا الامرين انعكس على النشاط الاقتصادي لسكان الارياف وتسبب بنزوح أعداد كبيرة من المزارعين الريف الى المدينة.
احمد عطار ورغم ارتحاله عن ارضه المتصحرة الا انه لم يتركها تماماً، فهو يجري زيارات متكررة للأرض ليس لكي يزرعها انما فقط “بدافع الحنين” إليها كما يقول.
ورغم أن منظر التشققات في الأرض بات مشهداً اعتيادياً إلى أنه ما زال يدفع عطار لذرف الدموع حزناً عليها، وكأن أرضه جفّت للتوّ.