الملابس العسكرية.. تنقذ الخياطين بعد غزو المستورد
فاطمة كريم- بغداد
ما إن تطأ قدميك تلك الأسواق في بغداد حتى تحسب نفسك وكأنك ضمن صفوف كتيبة عسكرية او مقر أمني، تحيط بك الملابس والمستلزمات العسكرية من كل جانب.
إنها أسواق الكاظمية لخياطة الملابس العسكرية التي تحتوي على كل ما يحتاج إليه جنود الجيش ورجال الأمن، وأبرزها “سوق” هرج المكتظة بخياطي تلك الملابس الزيتونية أو الكاكية.
و”هرج” كلمة عراقية دارجة تعني الصخب والفوضى وهو ما ينطبق على أجواء السوق القريبة من مرقد الإمام موسى الكاظم والتي ينوف عمرها عن المائة عام وتحتوي على جميع المستلزمات التي يحتاجها المستوقين بدءاً من الإبرة إلى أي شيء يخطر في بال المتسوق.
وكانت هذه السوق تمتاز بكثرة أعداد خياطي الملابس قبل عقدين من الزمن إلى أن غزت البضائع المستوردة الأسواق العراقية فتخصص معظمهم بخياطة الملابس العسكرية.
عماد محمد وهو في السبعينات من عمره من سكنة منطقة الكاظمية المقدسة في بغداد يعمل خياطاً منذ قرابة خمسة أعوام بعد أن كان جندياً في الجيش العراقي، يقول: “اتجه معظم الخياطين في هذا الشارع إلى خياطة الملابس العسكرية وهجر الملابس المدنية وغيرها، فالحروب العديدة التي مرت على العراق وخصوصا آخر حرب ضد داعش جعلت الخياطين يسلكون هذا الاتجاه”.
عندما احتل تنظيم “داعش” الموصل وأجزاء واسعة من محافظات عراقية أخرى وأعلنت المرجعية الدينية في النجف فتوى الجهاد ضد التنظيم تكون جيش من آلاف المقاتلين عرف بإسم الحشد الشعبي وكانت الحكومة آنذاك عاجزة عن توفير مستلزمات متطوعيه، فاتجه الخياطون إلى خياطه البزّات العسكرية وبيع المستلزمات المتعلقة بالمقاتلين.
كان الخياطون في ذلك الوقت يعانون من ضعف الإقبال على الخياطة المدنية. يقول العم عماد “كان هناك اثنان فقط مختصين بخياطة الزي العسكري لكن الآن أصبحت السوق تضم حوالي ثلاثين محلاً مختصاً” مضيفاً أن أصحاب المحلات يتنافسون فيما بينهم لاجتذاب الزبائن محاولين تقديم أفضل العروض والأسعار.
محمد عبد الحسن، أربعون عاماً، كان أحد أصحاب المحال المختصة بخياطة المفروشات ثم هجرها ليصبح خياطاً للزي العسكري بسبب ترك الناس الخياطة المدنية واتجاههم لشراء المستورد ليحصل محمد على مكاسب أكبر.
ورث محمد المهنة عن والده، ورغم أرباحه التي حققها من خياطة الملابس العسكرية ما زال يشتكي من الاستيراد وعدم وجود صناعة عراقية خالصة على حد تعبيره، ويكمل: “حتى الزي العسكري صار يأتي اليوم من إيران والصين والهند على شكل بدلات جاهزة”.
عباس خضير احد منتسبي الجيش العراقي الذي قصد سوق هرج وبالتحديد محل العم عماد لخياطة بدلتهُ العسكرية يتحدث للمنصة عن الفرق في خياطة أو شراء البدلات في وقت النظام السابق وبعد 2003، يقول “كان يتم تجهيز الملابس العسكرية من قبل الحكومة في كل موسم صيفاً وشتاءً وهي عبارة عن زي موحد على الجميع ان يلتزم به وكانت الخياطة مقتصرة على المعامل بشكل اكبر”.
ويضيف: “اليوم نجد العكس، فقد قل عدد المصانع وزاد عدد أصحاب المحال، أما تجهيزات الحكومة فهي ضعيفة أو منعدمة وتكون رديئة النوعية وتوجد بها بعض المشكلات في القياسات لذلك نتجه الى الخياطة على نفقتنا الخاصة”.
اما اسعار هذه البدلات الجاهزة أو المخيطة فتختلف بحسب نوعية القماش ووجهة استيراد القماش أو البدلة، فأكثر دولة مصدرة لهذا الاقمشة هي ايران ثم الصين ثم الهند ويكون سعر البدلة الكاملة جاهزة 25 الف دينار عراقي اما المخيطة فتصل إلى سبعين الف دينار عراقي.
عباس أحد مرتادي أسواق الكاظمية تعرف على العم عماد عن طريق صديق له، يشتري في كل صيف قطعة من القماش الهندي بسبب ملائمته الحر الشديد وجودته، ويطلب من العم عماد خياطتها.
يشتكي الخياط محمد من عدم السيطرة على بيع الملابس العسكرية واستغلالها أحياناً لأغراض خارجة عن القانون وبهذا الطريقة نفذت العديد من العمليات الإرهابية وعمليات النصب والاحتيال على الابرياء، إذ ليس هناك توجيهات أو أوامر رسمية تقيد خياطة الملابس العسكرية وبإمكان اي راغب أن ينتحل دور الجندي أو الضابط ان يفعل ذلك بيسر وسهولة.
يقول محمد “حاولت في احدى المرات طلب الهوية من أحد الزبائن لأخيط لهُ بدلته لكنه رفض ذلك بشدة وعصبية وتراجعت بعدها عن هذا الأمر لأن ليس لدي تخويل بذلك وهو يضر برزقي ايضاً“.