مليون دولار لتتمكن من شراء منزل في بغداد

فاطمة كريم- بغداد 

يقضي حسام ماجد جلّ يومه في محل الحدادة يطرق سبائك الحديد بيديه الخشنتين، تشويه حرارة الفرن ويتصبب العرق من جسده، كل ذلك كي يتمكن من جمع مبلغ صغير يقدمه للسمسار دفعة أولى لشراء منزل له ولعائلته، لكن اسعار العقارات التي ترتفع باضطراد تعترض طريقه نحو تحقيق حلمه.

يسكن حسام ذو الثلاثين عاماً في منزل متواضع مستأجر في منطقة التاجي في بغداد وهو متزوج ولديه طفلان، يقول “عملت في حياتي الكثير من الاعمال فلم يبق عمل والا وجربته وإلى الآن لم أستطع ان اشتري منزلاً فالمبلغ الذي ادخرته لا يصلح حتى لشراء مترٍ مربع واحد”.

خلال السنوات الاخيرة شهدت العاصمة بغداد ارتفاعا كبيراً في اسعار العقارات جعل الناس البسطاء يطوون الآمال في امتلاك شقة سكنية. يقول حسام “عانيت كثيرا من السكن في منازل الاخرين وحلمي أن استقر في ملكي الخاص لكن بسبب ارتفاع الاراضي وغلاة المعيشة لا استطيع توفير المال الكافي”.

بدأت الأسعار تأخذ بالارتفاع بعد سنة 2007-2008 بعد ما شهدت بغداد استقراراً أمنياً  وزيادة في أعداد السكان، فبعدما كان يسكنها ثلاثة ملايين نسمة أصبح يسكنها الآن 11 مليون نسمة اليوم. 

ويوضح الخبير الاقتصادي منار العبيدي أن بغداد تواجه اليوم زخماً سكانياً كبيراً إذ أن “المعدل الطبيعي للكثافة السكانية هو  500 شخص في الكيلو متر المربع لكن بغداد يسكنها الفا شخص بالكيلو متر المربع الواحد أي اكثر من اربعة  اضعاف الحد الطبيعي”. 

ويرى أن هناك ثلاثة عوامل رئيسة أسهمت في رفع اسعار المحاضر السكنية في بغداد، “وهي تحسن الوضع الامين بشكل ملحوظ بعد القضاء على تنظيم “داعش”، وزيادة النمو السكاني، فضلاً عن عمليات الفساد وغسيل الأموال التي تقوم بها شبكات من النافذين يلجؤون إلى شراء العقارات”.

كل هذا الأسباب أسهمت في رفع أسعار العقارات إلى مستويات قياسية بالمقارنة مع متوسط دخل الفرد العراقي الذي يتراوح ما بين 400 الى 500 دولار حسب مسح نشر عام 2022 لمنظمة العمل الدولية بالتعاون مع السلطات العراقية. 

ويؤكد العبيدي أن غسيل الاموال هو المسبب  الاول والاكبر في ارتفاع أسعار العقار إذ يتم غسيل الأموال من خلال شراء العقارات بأسعار خيالية.

ونقلت لوكالة الأنباء العراقية “واع” عن المتحدث الرسمي باسم وزارة العدل كامل أمين هاشم قوله في نيسان/أبريل الماضي إن “وزارة العدل استحدثت شعبة في دائرة التسجيل العقاري، وهي شعبة غسيل الأموال لأن إحدى عمليات غسيل الأموال هي شراء العقارات وبيعها”.

وترتفع أسعار العقارات في بغداد كلما اقترب العقار من مركز المدينة وتصل الأسعار الى مليارات الدنانير في مناطق المنصور والكرادة والجادرية والحارثية.

لكن حتى في مناطق اطراف بغداد ذات الخدمات الضعيفة بدأت الأسعار ترتفع، يقول حسام “سابقاً كانت الأسعار في منطقة التاجيات طبيعية لكن الآن يصل سعر المنزل بمساحة ١٠٠ متر الى حوالي 250 مليون دينار عراقي رغم سوء الخدمات وبعد المنطقة عن مركز المدينة”. 

المتجول في شوارع بغداد اليوم يلاحظ الكم الكبير لإعلانات طرقية ضخمة عن مجمعات سكنية حديثة وابراج بأسعار باهظة في مدينة تختنق بالزدحامات المرورية وتطوف طرقها بالمياه بعد الامطار وتكتظ بأسلاك المولدات كهربائية في انعكاس لتهالك بنيتها التحتية اثر سنوات الحرب والإهمال.

يرى العبيدي إن “هذه المجمعات هي جزء من صفقات الفساد من قبل الاحزاب فهي بنيت داخل المدن مكتظة بالسكان اصلاً واسعارها خيالية وهي بذلك لا تحل مشكلة بل تسهم في تفاقمها”.

ويضيف: “من المفترض بناء هذه المجمعات خارج المدن كمدينة بسماية مثلاُ، ومن الضروري بناء الكثير منها بأسعار عادلة، فالعراق يحتاج الى خمسة مليون وحدة سكنية كي نحل مشكلة السكن”.

في منطقة الحارثية المكتظة بالسكان في العاصمة بغداد تصطف العشرات من المكاتب العقارية جنباً إلى جنب جميعها يعرض أبنية سكنية شيت حديثاً إلى جوار  البيوت البغدادية التقليدية التي توشك على الانهيار.

في أحد تلك المكاتب يعمل ابو  محمد منذ عشر سنوات ويراقب عن كثب ارتفاعاً جنونياً بالأسعار خصوصاً في العام الأخير.

يشرح أبو محمد أن اسعار الأراضي والبيوت في المنطقة التي يعمل بها كانت تترواح بين 1200 و 1700 دولار للمتر المربع الواحد أما اليوم فتتراوح بين أربعة آلاف وعشرة آلاف دولار للمتر المربع. 

لا تختلف بقية المناطق في بغداد عن الجادرية بكثير، فسعر المتر المربع السكني في منطقة المنصور غربي بغداد وصل الى عشرة الاف دولار وفي حي القادسية بلغ أربعة آلاف دولار، كما لا يختلف حال جانب الرصافة عن جانب الكرخ، ففي مناطق شارع فلسطين وزيونة شرقي بغداد وصل سعر المتر المربع إلى 12 ألف دولار اما في بعض الشوارع التجارية لمدينة الصدر وشارع فلسطين فوصل إلى ثلاثة آلاف دولار.

 عبد الزهرة الهنداوي المتحدث باسم  وزاره التخطيط يقول ” إن فرق اسعار العقارات بين بغداد وباقي المحافظات العراقية فرق ملحوظ إذ إن الاسعار في بغداد مستمرة في الارتفاع بينما بقيت محافظة على سعرها المعقول في بقية المحافظات”.

ويعزو الهنداوي استقرار الأسعار في المحافظات وارتفاعها في العاصمة إلى توقف معظم الانشطة التجارية والاقتصادية في فترة انتشار جائحة كورونا وتأخير اقرار الموازنة العراقية ما دفع آلاف الأسر للهجرة إلى العاصمة”.

وقال الهنداوي إن “الوزارة تعمل على اعادة التوازن التنموي والاقتصادي بين بغداد وباقي المحافظات من خلال مشاريع استثمارية حكومية في قطاع الخدمات والبنى التحتية الأساسية وتعزيز انشطة القطاع الخاص”. 

الخبير الاقتصادي منار العبيدي يرى من جهته أن على الحكومة أن تشجع على البناء خارج المدن وأن تطبق سياسات وخطط تنموية تدفع إلى خفض الأسعار كالاستثمار في مشاريع الاسكان لذوي الدخل المحدود وتحسين الخدمات ومنع المضاربة بالعقارات، مشيراً إلى أن الأسعار لن تنخفض على الأقل في السنوات الخمس القادمة إن لم يكن هناك تحركاً جاداً من قبل الحكومة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى