مهنة العطارة في بغداد: “بيننا وبين الأطباء تعاون وتكامل”
فاطمة سمير- بغداد
ما أن تدخل إلى متجر علي العطار في منطقة السيدية في بغداد حتى يغمرك خليط من روائح الأعشاب والزيوت الطبيعية ويجول نظرك في عشرات الرفوف والخانات المليئة بمنتجات العطارة، بعضها مخصص للبهارات، وأخرى للأعشاب، وثالثة للبخورات، ورابعة للزيوت والعطور، أما الزبائن فيتهافتون على المتجر يسألونه عن عشبة معينة لعلاج مرض معين.
يمارس علي المعروف بإسم “العطار” مهنته منذ عشر سنوات ويصفها بأنها من أنواع الطب البديل أو بشكل أدق “الطب المعاوِن”، كان قد ورثها عن والده الذي ورثها بدوره عن أجداده.
يقول علي: “مهنتي هذه استطاعت أن تحقق الشفاء لأعسر الأمراض وأصعبها، فالكثير من الأشخاص المصابين بأمراض القولون أو السكر أو أمراض الجهاز التنفسي استعادوا عافيتهم بعد أخذهم خلطات علاجية مني واستمرارهم عليها”.
ويوضح علي أن مهنته تقوم على تحضير المحاليل الطبيعية وبيع الأعشاب لمداواة المرضى، ويسمى مزاول مهنة العطارة “بالعطار”أو “الحواج” وهي مهنة سبقت الصيدلة بزمن، وقد يسميها الكثيرون اليوم بالطب البديل تحت شعار “إن لم تنفعك لن تضرك”.
وما زالت مهنة العطارة مزدهرة في بغداد رغم توافر الخدمات الطبية الحديثة، ويعقب هذا العطار على ذلك بالقول إن العطارة ليست بديلاً عن الطب إذ إن من أوائل من عمل بها قديماً هو الطبيب “ابن سينا” مؤكداً على أنه لا يستطيع الاستغناء عن الطبيب في التشخيص، وأن هناك “تكاملاً وشراكة بين العطار والطب الحديث”.
ويؤكد علي أن هذه المهنة لا تختص فقط بها الشعوب التي تعاني من نقص في البنية التحتية الطبية، فالعطارين منتشرين في مختلف بلدان العالم بما فيها الدول العربية.
ويختلف اسم العشبة بين دولة وأخرى، فعلى سبيل المثال عشبة “الكجرات” في العراق تسمى “كركديه” في بلاد الشام ومصر وتستخدم للمصابين بأمراض ضغط الدم وكذلك يمكن أن تستخدمها النساء بعد خلطها مع الحناء لتعطي اللون الأحمر.
وتتنوع الاستخدامات الطبية للأعشاب، فبعضها يساعد في علاج الأمراض التنفسية مثل البابونج أو الورد الماوي أو اليانسون وهي أعشاب شهدت إقبالاً كبيراً عليها أثناء فترة انتشار وباء كورونا، وهناك أعشاب أخرى تساعد في التخلص من آلام القولون مثل عشبة اليانسون أو “الحبة الحلوة”.
ويتردد على محل علي مجموعة من الزبائن المصابين بالسمنة الزائدة فيصف لهم اعشاب خاصة بالتنحيف، إذ تروي “أم هدى” لمنصة العراق الإعلامية وهي زبونة تأتي كل فترة إلى عطارية “البصرة” الموجودة في منطقة حي الجوادين،أن ابنتها هدى كانت تعاني من مرض السمنة المفرطة وكان وزنها 135 كيلوجرام.
وتخبرنا الوالدة أن هدى ابنتها مرت بأزمة نفسية جراء سمنتها ونفورها من الوزن الزائد وعدم السماح لها بأخذ الأدوية الكيميائية التي تستخدم للتنحيف خوفا من مضارها الجانبية على صحتها، ما أدى إلى لجوء ام هدى إلى أحد محال العطارة.
تقول: “وصف لي العطار بذور الشيا التي يتم نقعها بالماء لمدة ثلاثين دقيقة ثم شربها مرتين باليوم وبعد استمرارها عليها لمدة ثلاثة شهور نزل وزنها الى ثمانين كيلوجراماً وبدأت هدى تسترجع صحتها شيئا فشيئا”.
ابو كرار الذي أشرف على علاج هدى عطار منذ 22 سنة كان يزاول هذه المهنة في مدينة البصرة ثم انتقل الى بغداد، يروي لنا حالة ام هدى عندما جاءت تطلب منه بذور للتنحيف وكان يظهر عليها الحزن الشديد لأجل ابنتها، قائلاً: “هناك أكثر من وصفة للتنحيف لكن هذه الوصفة كانت الأنسب لحالة هدى”.
ويؤكد أبو كرار أن هذه المهنة تتطلب خبرة ومعرفة جيدة بالأمراض والأعشاب، ويعرض لنا العطار أربعة أنواع من البذور من الصعب التفريق بينها من ناحية الشكل وهي لبان الذكر، وعلج المر، والكثيرة، والسندروس، ويقول: “بالنسبة للشخص الذي لا يمتلك معرفة بهذه المهنة محال أن يميز بينها لكن العطار الجيد يستطيع معرفتها من الرائحة”.
وتشهد هذه المهنة إقبالاً كبير عليها فهي لا تقتصر على بيع الاعشاب فحسب، بل على منتجات أخرى مثل البهارات والمكسّرات وحتى الحلوى، بالإضافة إلى الزيوت التي يتم عصرها داخل المحل مثل زيت اللوز الحلو وجوز الهند والحبة السوداء وهذا هو السبب في استمرار المهنة في سوق العمل بالرغم من عمرها الذي يقدر بأكثر من خمسة آلاف سنة.
ويشير أبو كرار إلى أن فئة من الناس تستعين بمحال العطارة لشراء المواد التي تستخدم في السحر والشعوذة لكن العطارين يبرأون بأنفسهم من هذه الأعمال غير المشروعة على حد وصفه إذ إن هذا يتعارض مع “شرف المهنة”.
وتبيع محلات العطارة البخورات المختلفة مثل بخور الجان، والشايب، وبخور عين الطير وكذلك انواع من الجلود كجلد الغزال وجلد الحية، “لكننا لا نحدد تلك المواد للسحر إنما استخدامها يحدد من قبل الزبون” يشرح أبو كرار.
وبتابع: “بإمكان الزبون أن يستخدمها لغرض الحسد وطرد الشر أو يستخدمها في السحر والشعوذة وهو من يتحمل المسؤولية أمام الله وأمام القانون”.
كما أن هناك أعشاب مفيدة وضارة في الوقت نفسه كعشبة “السينمَك” مثلاً التي تستخدم للإمساك بجرعات معينة لكن إذا ما استخدمت كثيرا فإنها تؤدي إلى كسل في الأمعاء، وهناك أعشاب اخرى مخصصة لعلاج الأطفال تختلف عن تلك التي يتم اعطائها للبالغين أو كبار السن.
لذلك يؤكد علي العطار أن مهنة العطارة “صعبة لا يزاولها إلا من يعرفها” مستشهداً بقصة أبي أيمن الذي كان متواجداً داخل المحل أثناء إجرائنا اللقاء.
يقول العطار: “كان هذا الرجل يعاني من مرض السكري منذ خمس سنوات وكان السكر يرتفع في بعض الأيام إلى أربعمائة درجة فأعطيناه خلطة خاصة تتكون من علج المر والقليل من الحبة السوداء وبذور الحلبة ينقعها بالماء مدة ساعتين ثم يشربها”.
أبو أيمن، مريض السكر، أكد على كلام العطار قائلاً: “بعد تناولي هذه الخلطة أصبح السكر لدي بمعدل مائة وخمسين إلى مائتي درجة وأنا منذ ذلك الوقت مداوم على محل العطارة”.
أما العطار علي فأضاف وملامح الرضا تبدو على وجهه: “عندما رأى الأطباء النتيجة شجعوه على اكمال الوصفة.. هذا تماماً ما أعنيه بالتكامل بين الطب الدوائي وطب الأعشاب”.