نادي فروسية بغداد ينهض من كبوته
بغداد- مصطفى جمال مراد
بعد عقود من التقلّبات التي شهدتها رياضة الفروسية في العراق تعود أندية الخيل لاستقبال عشرات الشابات والشباب من محبي هذه الرياضة من خلال تنظيم سباقات ودورات تدريبية وفعاليات اجتماعية في أندية الفروسية.
عند دخولك الى نادي الفروسية في حي الجادرية تقع عينيك على ساحة خضراء فسيحة يجتمع فيها أعضاء النادي وعشرات الزوار القادمين لمشاهدة الخيول والاستمتاع بالجو الرياضي، وغير بعيد عندها تصطف اسطبلات الخيول إلى جانب بعضها البعض يليها غرف تحتوي على التجهيزات والمعدات اللازمة لممارسة هذه الرياضة.
يعد النادي واحدا من أبرز النوادي الاجتماعية والترفيهية في العاصمة، وهو يقع على مساحة شاسعة ضمن رقعة جامعة بغداد على ضفاف نهر دجلة، وقد صمم ليكون تابعاً للجامعة لكنه تحول لاحقا لنادٍ ترفيهي يضم فعاليات متعددة منها ركوب الخيل.
بعد حرب عام 2003 دمرت أجزاء من النادي وصار عرضة لأعمال السلب والنهب فهجره زبائنه واعضائه ليتحول إلى مكان مهمل، لكن في عام 2004 أعيد ترميمه ليفتتح أبوابه من جديد وعادت بعض فعالياته للنشاط مجدداً.
مينا ماهر الجبوري، 18 عاماً، واحدة من فارسات هذا النادي، كانت مولعة بالرياضة منذ سن التاسعة عندما كانت تزور المكان مع أهلها في مناسبات ولقاءات اجتماعية، لكن لم يتح لها ممارسة اللعبة حتى سنة 2020.
انضمت مينا إلى الدورات التدريبية لركوب الخيل في الاتحاد العراقي الاولمبي للفروسية ثم أصبحت فارسة محترفة تمتطي صهوة الحصان وتسابق أقرانها من الفارسات والفرسان وهي اليوم عضوة في المنتخب الوطني للشباب.
تقول مينا إن الفروسية تحتل الحيز الأكبر من اهتماماتها، “لا استطيع تخيل حياتي من دون الفروسية”، وتكمل قائلة: “عندما دخلت الى عالم الفروسية لم تتغير حياتي فقط بل حياة أسرتي أيضاً”.
تتدرب مينا اليوم لساعات أطول لتحسين لياقتها الجسدية موضحة أن هذه اللعبة تتطلب من الفارس تأهيلاً جسدياً ومرونة في الحركة بخلاف ما يعتقده البعض من أن الحصان وحده هو العامل الحاسم في كسب الألقاب. “إنها رياضة متعبة تحتاج لقوة كبيرة” تؤكد.
وتستعد للمشاركة في بطولات دولية بعد أن شاركت ببطولات محلية منها “بطولة الاتحاد العراقي للقفز على الحواجز” في بغداد سنة 2022 التي حصلت فيها على المركز الثالث وكذلك بطولة “رمضان الأولى” التي جرى تنظيمها هذا العام للقفز على الحواجز بارتفاع بين 100 إلى 110 سم وحازت فيها على المركز الثاني في الأسبوع الأول من البطولة ومراكز أقل في الأسبوع الثاني والثالث.
وترى الفارسة الشابة أن الألقاب المحلية التي حصدتها هي بالنسبة لها “انجاز كبير” نظراً لحداثة عهدها باللعبة ومشاركة فرسان وفارسات من حملة الألقاب الدولية.
عند الحديث عن الخيول وأنواعها تتحدث مينا بشغف واهتمام عن الخيول الأجنبية، فتخصصها بالفروسية هو قفز الحواجز، “وهي رياضة تحتاج إلى خيول كبيرة الحجم وضخمة ذات مواصفات موجودة في سلالات الخيل الأجنبية”. لكن مع ذلك فإن أعز صديقاتها في النادي هي الفرس “شيما” وهي فرس عربية أصيلة “تعلمت معها القفز على الحواجز وتخطينا معاً عواقب وصعوبات عديدة”، على حد وصفها.
يؤكد عدد من الفرسان الذين التقيناهم على تميز رياضة الفروسية عن بقية الرياضات إذ إن الفارس يتعامل مع كائن حي شديد الذكاء والحساسية، وبالتالي هناك حاجة كبيرة للتركيز في العديد من المهام في وقت واحد، مثل طريقة الجلوس الصحيحة و التحكم بخطوة الجواد والحفاظ على المسار والسرعة المناسبة.
مينا فخورة بأنها اتقنت الكثير من أسرار الفروسية وبأنها أصبحت قدوة ومعلمة لإخوتها الصغار “محسن” الذي يعد فارساً في منتخب الاشبال للقفز على الحواجز و مصطفى الذي يبلغ عمره ثمانية سنوات وبدأ أولى مراحل التدريب قبل أسابيع، كما أنها سعيدة بتزايد اهتمام الفتيات والنساء العراقيات بهذه اللعبة بعد أن كانت مقتصرة في الأغلب على الرجال.
علي عبد الكريم، وهو شاب في العشرينات من محافظة ديالى بدا سعيداً هو الآخر وهو يحدثنا عن زوجته العضوة في منتخب الشباب للفروسية وعن اهتمامهما المشترك بالخيول مشيراً إلى أن المجتمع عاد ليتقبل فكرة وجود الفارسات في المسابقات وأن الأسر العراقية عادت ترسل أولادها وبناتها على حد سواء إلى نوادي الخيل.
يروي علي أسرار تعلقه بهذه الرياضة منذ صغره قائلاً: “كنت أذهب سنة 2008 لمشاهدة الفرسان في نادي الفروسية بمحافظة ديالى، حفظت أوقات التدريب وكنت لمدة سنة كاملة أراقب كيف يتعاملون مع الخيول”، ويتابع: “في أحد الأيام عرض عليّ مدرب النادي آنذاك تعليمي ركوب الخيل بشرط أن لا أترك هذه الرياضة أبدا فوافقت من دون تردد”
استمر الفارس علي في التدريبات وتعلم مهارة التقاط الأوتاد حاصلاً على المركز الأول على محافظة ديالى في عدة بطولات ثم انضم لمنتخب الشباب لمدة سنتين إلى أن خاض التصفيات المؤهلة للانضمام للمنتخب الوطني حاصلاً فيها أيضاَ على المركز الأول، فصار أحد ممثلي العراق في في المحافل الرياضية الدولية.
يقول علي: “لم أواجه صعوبات كبيرة كوني احب هذه الرياضة لكن كنت اعاني من أمر واحد هو طريق ذهابي وعودتي من ديالى وإللى بغداد” ويضيف: ” ثلاث ساعات ذهاب إلى بغداد لكي اتدرب نصف ساعة فقط ثم ثلاث ساعات عوده الى ديالى، لقد كان أمراً صعباً جداً”.
أما عن سبب تدربه في العاصمة بغداد وليس في محافظته، فيوضح أن الخيول في نادي الفروسية في ديالى “غير مناسبة للقفز على الحواجز” إذ لا يوجد خيول اجنبية في النادي.
وتتميز الخيول الأجنبية بالضخامة وتستخدم للقفز على الحواجز بارتفاعات تصل إلى مئة وسبعين سم “وهذا ما لا تستطيع الخيل العربي القيام به لكنها تستطيع الجري لمسافات طويلة جدا فلهذا كل خيل يتميز عن الآخر بمميزات مختلفة”، يشرح علي.
وهناك أنواع مهجنة من الخيول من جينات عربية واجنبية كالخيول الإنجليزية والخيول البلجيكية وهي خيول ضخمة وسريعة في آن واحد.
وفي النادي عشرات الخيول التي أتت من خارج العراق وتمتلك جواز سفر خاص بها أما الخيول العربية المعروفة بـ “الواهو” فلديها شجرة عائلة توضح سلالتها بالتفصيل، وبالأخص تلك التي تستخدم في مسابقات الجمال.
يقول علي: “يوجد رقم أسفل جلد الخيل لا يمكن رؤيته بالعين لكن يتم وضع أداة أشبه بقارئ الباركود فتظهر سلالة الخيل ومن هم والديه”. ويضيف: “إن لم تتواجد هذا الاداة يتم أخذ الحصان إلى منظمة الواهو وأخذ عينة من دمه لمعرفة سلالته ومواصفاته”.
وتحتوي رياضة الفروسية على أنواع مختلفة من الألعاب كالقفز على الحواجز والتقاط الأوتاد وكذلك سباق السرعة ومسابقات الجمال، وغيرها لكن الألعاب المعتمدة من قبل اتحاد الفروسية العراقي بحسب علي هي فقط القفز على الحواجز والتقاط الأوتاد.
ويكمل قائلاً: “كان للعراق في القرن الماضي فريق لكل لعبة خاصة بالفروسية وكان أعضاء المنتخب يجرون تدريبات وينضمون إلى معسكرات في هولندا وألمانيا وبلدان أخرى، لكن بعد عام 2003 تم الاقتصار على هاتين اللعبتين كون نادي الفروسية لم يعد يمتلك منشآت وأماكن مناسبة لإجراء سباقات السرعة فقد دمر معظمها خلال الحرب”.
ويكمل قائلا “إذا أريد لنادي الفروسية أن يعود إلى عهده الذهبي فهو يحتاج لبناء ملعب مغلق كي لا يتم ايقاف التدريبات بسبب درجات الحرارة المرتفعة أو تساقط الأمطار”.
د. عقيل مفتن رئيس اتحاد الفروسية العراقي ورئيس اللجنة الأولمبية أحد الداعمين البارزين لرياضة الفروسية في العراق، يؤكد هو الآخر على ضرورة بناء منشآت خاصة بهذه اللعبة وتشجيع الشباب والشابات على تعلم ركوب الخيل، وقد تمكن أخيراً من الحصول على موافقة الاتحاد الدولي لإقامة بطولة للفروسية في بغداد. يقول: “بدأنا التحضير لخطة البطولة التي ستكون الأولى منذ تسعينيات القرن الماضي في العراق وسوف نعلن عن التفاصيل في أقرب وقت ممكن”.
وتعد رياضة الفروسية من الرياضات المختلطة وتنظم البطولة الواحدة لكلا الجنسين معاً وتتنافس النساء مع الرجال على اللقب نفسه بحسب الفارس علي الذي يكمل قائلاً: “علينا الاستفادة من هذه النقطة وتحويل اللعبة إلى لعبة شعبية كما هو حاصل في بلدان مجاورة أخرى كالأردن مثلاً”.
وتواجه الفروسية في العراق تحديات عدة منها قلة عدد المرافق والبنى التحتية الملائمة لممارسة هذه الرياضة، والصعوبات المالية التي يمكن أن تؤثر على قدرة الرياضيين والمدربين على الاستمرار فضلاً عن الأوضاع الأمنية المضطربة.
كما أن غياب الاستقرار السياسي يؤثر بدوره على تنظيم الفعاليات والبطولات فخلال فترة الحصار في تسعينيات القرن الماضي وبعد عام 2003 واجه نادي الفروسية في بغداد العديد من التحديات وكان هناك صعوبات في تأمين الموارد الضرورية لممارسة رياضة الفروسية كما تضررت البنية التحتية نتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة والقيود المفروضة على البلاد.
ويوجد في العراق حالياً حوالي عشرين ناديًا للفروسية، يحتوي كل منها على عدد من الخيول يختلف بين ناد وآخر بحسب حجمه وأهدافه. على سبيل المثال، يحتوي نادي الفروسية الملكي في بغداد على حوالي مائة حصان بينما يحتوي نادي الفروسية في البصرة على حوالي الخمسين حصانًا.
وبشكل عام يوجد في العراق حوالي 1500 حصان في نوادي الفروسية تُستخدم في مجموعة متنوعة من الأنشطة، بما في ذلك ركوب الخيل الترفيهي، والرياضات، والتدريب.
ويوجد في الاتحاد العراقي الفروسية طبيب بيطري و مساعدة طبيب هي عضوة أيضاً في منتخب الشباب ويتابع الاثنان أحوال الخيول الصحية بشكل دائم.
ويوضح الفريق الطبي أن أكثر مرض تعاني منه الخيول في العراق هو “اليرقان” او ما يعرف “بأبو صفار” وتعاني الخيول بسبب هذا المرض من تعب وخمول وذبول في العينين ويعالج الحصان المصاب بمجموعة من المغذيات والأدوية.
ويقول الفارس علي إن العراق أن حركة الخيول من وإلى العراق مقيدة وإن هناك قائمة طويلة من المحظورات تتعلق باستيراد الخيول بسبب الأمراض المنتشرة في البلاد بفعل الحروب، فهناك دول عديدة تمنع خروج خيولها إلى البلاد أو تمنع الخيل من العودة في حال خروجه.
ويقول الفارس علي: “من الممكن أن تحمل إحدى خيول الدولة المحظورة أمراضاً معدية وربما تتسبب بحدوث وباء يؤدي إلى موت جميع الخيول في البلدان الأخرى” علماً أن الخيول ليست رخيصة الثمن وسعرها قد يصل إلى مئات آلاف الدولارات.
وللتأكد من سلامة الخيول يأتي مختصون من الاتحاد الدولي للفروسية لإجراء الفحوصات دورية ومتابعة تطور الملف الصحي للخيول في البلد المحظور مثل العراق”.
ويتابع: “تفحص عشرات الخيول من جنوبي العراق إلى شماله وذلك بأخذ عينات من دمها حتى لو كانت خيول شارع للتأكد من عدم وجود أي مرض معدي”.
ويستقبل نادي الفروسية فضلاً عن الرياضيين الفرسان عدداً من الأطفال من ذوي التوحد، وتقول المعالجة النفسية ناديا حسن أن هناك حالياً 22 طفل متوحد شاركوا هذا العام في البرنامج التطويري الذي يقام سنويا.
وتشير دراسات حديثة إلى أن ركوب الخيل يساعد الأطفال الذين يعانون من فرط الحركة وتشتت الانتباه أو من اضطراب التوحد، على تقليل التوتر والقلق وزيادة التركيز والسيطرة على الخوف.