سوق الغزل في بغداد.. حيوانات أليفة وأخرى نادرة ومهددة بالانقراض
فاطمة كريـم _بغداد
عندما تسمع بـ “سوق الغزل” في بغداد قد يتراود إلى ذهنك سوق يعجّ بمصنوعات الغزل والنسيج، لكنه في الواقع واحد من أكبر الأسواق المتخصصة بتجارة الحيوانات الاليفة والمفترسة في العراق، حتى أن هذا السوق يتحول في أيام الجمع إلى مهرجان لعرض الحيوانات.
تعود تسمية سوق الغزل إلى العصر العثماني نسبة إلى سوق الغزول الذي بني في الجهة الشرقية من ساحة جامع الخليفة في عهد الوالي العثماني سليمان الكبير، لذلك شاع بين الناس تسميته بهذا الاسم لقربه من تلك السوق.
فتى يوسف، في العشرينيات من عمره، يملك محلاً في السوق ورثه عن والده الذي ورثه بدوره عن جده، يقول: “لدي حب وهوس بتربية الحيوانات الاليفة داخل المنزل منذ طفولتي وكنت أتي إلى محل أبي لمشاهدة الحيوانات، إلى ان كبرت واصبحت اعمل هنا”.
يؤكد فتى أن اهتمام العراقيين يزداد بتربية الحيوانات داخل منازلهم كـالقطط والكلاب والطيور والببغاوات والأفاعي وغيرها وبالتالي شهد السوق انتعاشاً.
لكن ومع تزايد نشاط السواق برزت اصوات تطالب بحماية حيوانات السوق والمزيد من الرقابة على ما يحصل فيه، خصوصاً ان بعض الحيوانات التي تباع فيه برية لا تصلح للتربية في المنازل أو مهددة بالانقراض أو مهربة من الخارج، وبعضها يوضع داخل المحل في ظروف غير مناسبة للحيوان.
في صباح كل يوم جمعة يمكن العثور على عشرات الحيوانات النادرة التي لا يفترض أن تباع هنا، طيور من ضحايا الصيد الجائر يتم الاحتفاظ بها في ظروف غير ملائمة، لكنها تحظى بشعبية لدى العراقيين ويسهل العثور عليها رغم القوانين المحلية التي تحظر صيدها والتجارة بها.
فبشكل أو بآخر تحول السوق إلى مكان لبيع الحيوانات مهما كان مصدرها، فمثلاً حتى لا تموت الحيوانات عند الصياد يسارع بالذهاب الى سوق الغزل لبيعها بأسعار زهيدة على الرغم من وجود قوانين تحظر صيدها او المتاجرة بها.
الغريب في الامر أن مسؤولين كثر الحكومة العراقية يرتادون السوق حسب كلام فتى الذي يكمل: “يوجد الكثير من المسؤولين زبائن لدينا ونهتم بهم جدا، يشترون الحيوانات غالية الثمن والغريبة كالأسود والنمور وغيرها ولم نتعرض للمحاسبة من قبل اي جهة الان او سابقا”.
ولا توجد ارقام رسمية عن حجم المتاجرة بالحيوانات البرية أو المفترسة أو المعرضة للانقراض بالعراق لكن غياب القانون ودور السلطات يساهم في تمادي الصيادين وانتعاش التجارة بهذا النوع من الحيوانات في الاسواق.
يقول الناشط البيئي مهدي ليث: “في الكثير من الاحيان يتم تهريب هذه الحيوانات الى خارج البلد بطرق غير قانونية وبيعها في الخارج كما حصل في العام الماضي عندما تم القبض على مجموعة من الأشخاص كانوا يحاولون تهريب 13 صقرا مقيدين داخل حقيبة سفر إلى غير بلد”.
مطالبات الناشطين والجمعيات البيئية لا يمكن ان تحدث أثراً يمنع المتاجرة بهذا الحيوانات بحسب هذا الناشط “اذ لم تكن هناك عقوبات مشددة بحق هؤلاء الافراد للممارسين لتجارة الحيوانات” يقول مهدي، ويضيف: “حاولنا المطالبة يمنع هذه التجارة لكن دون جدوى فالناس تهمهم المصلحة المادية فقط والحكومة لا تكترث”.
يفتح اصحاب المحلات في سوق الغزل ابوابهم منذ السابعة صباحا لغاية الرابعة مساءً ليخرج كل منهم حيواناته على الارصفة، فتمتلئ الشوارع بأقفاص الحيوانات ثم يبدأ الناس يتوافدون.
يقول فتى “المتواجدون في السوق ليسوا فقط ممن يبحثون عن شراء أو بيع حيوان، بل هنا أيضاً أشخاص يأتون للتنزه والاستمتاع بمنظر الحيوانات ويصطحبون اطفالهم معهم”.
يأتي زوار السوق من اغلب محافظات العراق لبيع وشراء الحيوانات فيصبح المكان اشبه بمهرجان شعبي كبير يضم مختلف انواع الحيوانات. يقول فتى” يبدأ الناس في ليلة كل خميس بالتوافد من بقية المحافظات الى هذا الشارع، يتنافسون فيما بينهم ليستطيعوا شراء او بيع افضل الحيوانات قبل غيرهم منذ الصباح الباكر ليوم الجمعة”.
ويقسم السوق عدة أقسام، منها واحد مخصص لبيع الطيور في عدد من المحلات الصغيرة ذات الأقفاص الكبيرة، وثانٍ لبيع الدواجن، فيما وهناك سوق مخصص لبيع أسماك الزينة بمختلف الأحجام والنوعيات إضافة إلى السلاحف الصغيرة.
لكن يمكن العثور في السوق على حيوانات اشد غرابة كالذئاب والأفاعي، وهناك الطاووس والبومة والببغاوات فضلاً عن البلبل المحبب لدى العراقيين كثيراً.
وفيما يداعب أحد الأشخاص قرداً جلبه معه لغرض بيعه في السوق، ويؤكد أنه أليف ويطلب ممن حوله أن يلاطفوه وألا يخافوا منه فهو غير شرس تعرض في السوق حيوانات أخرى كالكلاب بمختلف أنواعها سواء المخصصة للحراسة أو للزينة، فضلاً عن القطط. وفي أحد الأركان يعرض بعضهم عدداً من الأفاعي في قفص بأسعار مختلفة منها ما هو باهظ الثمن.
وعند سؤال بائع الأفاعي إذا ما كان هناك من يشتريها قال: “هناك كثر يرغبون في شراء الأفاعي ففيها منافع لا تحصى”. وتابع: “البعض يعتقد أن تربيتها تجلب الرزق وتطرد الحسد”.
وفي مكان مخصص بالسوق يوجد هواة ومربو الديكة، وفي إحدى الزوايا يتجمهر عدد من الرجال والأطفال يتفرجون على صراع الديكة في مشهد احتفالي مثير، وعادة ما يذهب السعر الأعلى للديك الفائز، فتكون هذه بمثابة حلبة صراع لاستعراض شجاعة الديوك.
ولا تخلو السوق من أطباء بيطريين يفحصون الحيوانات المريضة ويصفون لها العلاج ويبيعون أصحابها الادوية المناسبة.
يقول هاني مصطفى أحد الاطباء المتواجدين داخل السوق: “ليست جميع هذه الحيوانات صالحة للعيش في المنزل فكل حيوان له بيئته الخاصة وطريقة التعامل معه”.
ويكمل: “في الكثير من الاحيان يتم استدعائي لمعالجة الحيوانات المفترسة داخل المنازل حتى من قبل شخصيات سياسية مرموقة في البلد (رفض ذكر اسمها تجنباً لأي مسائل قانونية) أحياناً يتم علاجها وفي احيان اخرى لا تستطيع المقاومة نتيجة تربيتها في ظروف خاطئة فتموت”.
ورغم الانتقادات التي تساق لهذا السوق يؤكد الطبيب البيطري مصطفى أن وجود مكان في المدينة مختص ببيع الحيوانات نقطة جاذبة سياحياً، “لكنه بحاجة لتنظيم أكثر”.
ويؤكد مصطفى أن سوق الغزل يؤمن فرص العمل لعشرات الأطباء والباعة ومحبي الحيوانات، ففي العامين الآخيرين فقط تم افتتاح ما يقارب 160 عيادة بيطرية في البلاد استقطبت حوالي 500 طبيباً بيطرياً كانت الحكومة قد عجزت عن توظيفهم، معظم زبائنهم من باعة ومشتري سوق الغزل.
كما أن هناك عشرات المحال التجارية القريبة تبيع مستلزمات وأطعمة للحيوانات، وكذلك محلات حلاقة وتزيين للكلاب والقطط تترواح فيها تكلفة حلاقة الحيوان الواحد بين 30 و40 دولار وهذا جميعه ساهم في توفير فرص عمل مختلفة بحسب الطبيب.
وردا على الانتقادات بشأن معاملة الحيوانات البرية يقول البائع فتى: “نعاملها معاملة حسنة.. لدينا مزرعة كبيرة في منطقة بلد شمالي بغداد نربي بها الحيوانات غالية الثمن والكبيرة التي لا تباع في الاسواق على حسب طلب الزبون مثل الاسد و النمر و الصقور والافاعي ونوردها إلى السوق فقط في يوم بيعها”.
ولدى سؤاله عمن يشتري تلك الحيوانات المفترسة قال “بعض الأغنياء يضعونها في منازلهم وقصورهم للزينة والتفاخر، وهناك أيضاً هواة تربية الحيوانات الشرسة، لكن مؤخراً ازدادت الطلبات من المؤثرين والباحثين عن الشهرة على صفحات السوشال ميديا، فهم يسعون إلى كسب المزيد من المتابعات من خلال ظهورهم مع حيوانات مفترسة”.