مهرجانات المانجا والأنمي والكوسبلاي.. جسر ممدود بين طوكيو وبغداد
يتزايد اهتمام شريحة من الشباب العراقي في الآونة الأخيرة بنوع من فنون الأداء يسمى”الكوسبلاي” حيث يقومون بتقليد شخصيات من الرسوم المتحركة اليابانية (الأنمي) أو شخصيات من ألعاب الفيديو والأفلام العالمية.
ويرى هؤلاء الشبان الذين يطلق عليهم اسم “الكوسبلايرز” أن هذا الفن يتيح لهم التعبير عن أنفسهم ويضفي نوعاً من الإثارة والإبداع على حياتهم اليومية من خلال مزج الواقع بالخيال.
أيسر ذو العشرون عاماً أحد المولعين بهذه الفن، يعتبره فناً ترفيهياً لا يحمل رسائل سياسية أو اجتماعية كبيرة، لكنه يحقق له رغبته في ارتداء ملابس خاصة كما يحقق له نوعاً من التسلية مع الأصدقاء.
يقوم أيسر وغيره من الكوسبلايرز بتقليد الشخصيات من حيث الملابس والحركات والميزات التي تطبع السلوك مثل شخصية “الجوكر” في الفيلم الشهير مقلداً قصة شعره والماكياج السينمائي والحركات التي يقوم بها الممثل، وكذلك شخصيات أخرى من “الأنمي”.
وكلمة “أنمي” اختصار لفن الرسوم المتحركة “الأنيميشن” الذي بدأ في اليابان سنة 1917 قبل أن يحقق انتشاراً عالمياً جاذباً معه شرائح من مختلف الأعمار بمن فيهم البالغين.
يؤكد أيسر أن هذه الشخصيات سواء الأنمي أو غيرها “عشنا معها منذ طفولتنا وأصبحت محبتها راسخة في داخلنا”. ويتابع “إن الأنمي يختلف اختلافاً جذرياً عن مسلسلات الكارتون من حيث نوع الرسوم، وكذلك تكون الحلقات متسلسلة على شكل قصة طويلة لها رسالة وهدف معين يتم إيصاله من خلال شخصيات مختلفة”.
بدأ حب الأنمي ينمو لدى أيسر منذ طفولته عندما كان يشاهد كبقية أقرانه قناة “spacetoon” الشهيرة التي كانت تعرض مختلف أنواع الكارتون والأنمي للأطفال والتي وضعت بصمتها في أجيال التسعينيات ومطلع الألفية إذ لم يكن هنالك قناة عربية غيرها تبث هذا النوع من المحتوى.
تعلّق أيسر حينها بـ أنمي “دراكن بول” وكذلك “ناروتو” و” وان بيس” ولكن كانت قناه “spacetoon” كما يروي لنا كانت تعرض حلقات الأنمي بشكل عشوائي دون ترتيب متسلسل، ويتابع: “عندما كبرت عدت لمتابعة الحلقات نفسها فشاهدت جميع الأنمي من جديد بشكل متسلسل وأحببتها أكثر من السابق ووجدت فيها رسائل عديدة”.
هذا النوع من الهوايات لا يقتصر على العراقيين فقط، بل هو منتشر في العديد من دول العالم بما فيها بلدان في الشرق الأوسط وشمال افريقيا إذ وصل عدد مشاهدي أنمي “هجوم العمالقة” مثلاً أكثر من عدد متابعي المسلسل الشهير Game of Thrones وبدأت مهرجانات “الكوسبلاي” تنشر على مواقع تواصل الاجتماعي دعوات لحضور فعالياتها.
عندما قرأ أيسر منشوراً قبل أشهر عن مهرجان للأنمي سوف يقام في بغداد فوجئ بوجود مثل هذه المهرجانات في البلاد. “قررت الذهاب فاشتريت ملابس الشخصية التي سوف اتنكر بها”، ويكمل قائلاً “دخلت المهرجان وكان هنالك الكثير من محبي الأنمي، عددهم بالعشرات، وكنت سعيداً بوجود منيشاركني هذه الهواية من مختلف المحافظات والمدن العراقية”.
يروى أيسر أن للمهرجان قواعد معينة لا يجب تخطيها منها أن لا يكون اللباس الخاص بالكوسبلاي متجاوزاً على العادات والتقاليد الموجودة في العراق أو مستفزاً لآخرين، فالمهرجان كان “مجرد عرض لاغاني تخص الأنمي تعيد ذكريات الطفولة وهنالك فقرات الكوسبلاي والهدايا واختيار أفضل كوسبلاير في المسابقة”.
وبحسب أيسر فإن هذا النوع من المهرجانات يجري تنظيمه في صالات خاصة ويتم شراء التذاكر التي تخوّل المشاركة في هذه المهرجانات بشكل مسبق.
ويكمل “ان بداية هذه الحفلات كانت في منطقة الزوراء في مكان مفتوح مما خلق نوعاً من الاستغراب لدى بعض الأهالي الذين لا يعرفون الكثير عن الأنمي أو الكوسبلاي فكانوا يتساءلون عن تلك الملابس الغريبة”. أما بعد تنظيم المهرجانات في قاعات خاصة” فلم يعد لهذه الانتقادات وجود” يوضح أيسر.
وتمثل هذه الهواية بالنسبة لمحبيها بوابة للحصول على فرصة عمل، إذ يؤكد هذا الشاب أن عددا لا بأس به من المشاركين في المهرجانات حصلوا لاحقاً على عمل كعارض أزياء أو “مودل” وصاروا على حد وصفه “من المشاهير”.
لكن وجه الاختلاف بين هؤلاء وبقية الكوسبلايرز بحسب أيسر أنهم يمتلكون المقدرة المالية التي تساعدهم على اختيار أزيائهم وتبديل العديد من الشخصيات.
فهذه الهواية مكلفة إذ “ليس لدى الجميع مقدرة على شراء الأزياء كل أسبوع ونشر صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف تحقيق آلاف المتابعات والحصول على رعاية إعلانية من من الداعمين للكوسبلايرز”.
يحضر أيسر نفسه لخوض غمار التنافس في مهرجان يقام في منتصف أيلول/سبتمبر القادم فقد يعبد هذا المهرجان طريقه للشهرة، لأن “هنالك احتمالية كبيرة لأن تحضر المهرجان شخصيات دبلوماسية بابانية ومغنون وفنانون كانوا يعملون سابقاً في قناة Spacetoon”.
ويرتبط الأنمي باسم اليابان ارتباطاً وثيقاً كجزء من الثقافة هناك، وسبق للسفير الياباني في بغداد أن حضر أكثر من مهرجان يخص عشاق هذا الفن.
في المهرجان الأخير الذي شارك به كسب أيسر يصف نفسه بـ “الانطوائي” العديد من الأصدقاء أصبحوا اليوم “بمثابة أخوه له”.
أحد هؤلاء، “عبدالله” ذو الرابعة والعشرين عاما وهو حاصل على شهادة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية
يمارس الكوسبلاي كهواية منذ ثماني سنوات، فعندما عرف بها آنذاك من خلال الانترنيت أصبح لديه فضول كبير لتجربة هذا الفن.
يوضح عبدالله أن الكوسبلاي ليس له اي علاقة بالواقع فهي شخصيات خيالية، لكن ممارسة هذه الهوية تحقق لي الراحة النفسية والمتعة فأنا اخرج من مشكلات الواقع إلى عالم الخيال”.
يؤكد عبدالله أن “مجتمع الكوسبلاي بدأ ينمو منذ عام 2018 وما بعدها وأصبح الأنمي مشهور في العراق مثل بقية الدول”، ويكمل قائلاً: “بدأت المهرجانات وصار الكوسبلايرز يتلقون دعماً معنوياً كبيراً من الجمهور”.
الصعوبة الوحيدة التي يعاني منها عبدالله خلال ممارسته هذه الهواية تتمثل تصميم الازياء وخياطتها، إذ يقوم بذلك بنفسه يدوياً من دون استخدام آلة خياطة، أما بالنسبة للدروع والاسلحة كالسيوف وغيرها فيقوم بصنعها بنفسه مستخدماً نوعاً من الرغوة التي تتحول إلى مادة صلبة وخفيفة الوزن.
ساره السيد، 19 عاماً تشارك عبدالله الهواية نفسها، ترى أن الكوسبلاي والانمي مثال على كيفية التواصل بين الشعوب من خلال الثقافة، مؤكدة ان الأنمي والمانجا “جعلت علاقة الشباب العراقي قوية مع الثقافة اليابانية”.