يوم في حياة بائع شاي في بغداد
فاطمة كريم- بغداد
رغم ارتفاع درجات الحرارة الى نصف درجة الغليان يقضي حيدر جلّ يومه في كشكه الصغير المخصص لبيع الشاي ويبقى محبوه ملازمين على القدوم إلى الكشك لاحتساء مشروبهم المفضل في جميع فصول السنة بغضّ النظر عن حالة الطقس.
حيدر جواد في الخمسينات من عمره من سكنة منطقة الكرادة في بغداد يعمل في هذه المهنة منذ حوالي 15عاماً حباً بها وبالمشروب نفسه، يقول: “أنا من مدمني الشاي حتى اتخذته مصدر رزق لي”.
يقع كشك العم حيدر في الكرادة في الجانب الشرقي لنهر دجلة في المنطقة المعروفة بالرصافة، وهو واحد من آلاف الاكشاك المنتشرة تقريباً في كل حي في البلاد من شمالها إلى جنوبها، يفتحه منذ الساعة الخامسة صباحاً، فيقوم بتحضير وصفته الخاصة التي جعلت الكثير من الزبائن يترددون إليه.
“إنها خلطة سرية تجعل طعم الشاي فريداً” يقول العم حيدر ضاحكاً، ويشير إلى أن سبب قدومه الباكر يكمن في رغبته في صنع الشاي على نار هادئة وتركه يكتمل ببطء الى ان يبدأ الزبائن بالتوافد.
ولئن كان باعة الشاي يبيعون مشروباً واحداً، إلا أن لكل منهم طريقة مميزة في إعداده، فالعم حيدر مثلاً يضيف القليل من مسحوق القهوة ليعطي المشروب طعماً مختلفاً يتفرد به عن غيره بالإضافة الى خلطة الشاي نفسه ومصدر شرائه.
يقول “ابتكرت طريقة تحضير الشاي مع القهوة منذ خمس سنوات في المنزل ووجدت طعماً مختلفاً، فقررت أن أطرحه على الزبائن وكانوا يستغربون الأمر لكن بعد تجربته كان يعجبهم جدا ويستمرون في طلبه”.
ويعد الشاي في العراق مشروباً لا غنى عنه في كل المناسبات والأوقات، لكنه أيضاً المشروب الثاني الأكثر استهلاكا على الأرض بعد الماء، ويجد شهرة في كثير من الثقافات، وقد وصل الأمر إلى ظهور ما يسمى “بحفلات الشاي” في كثير من بلدان العالم وفيها يتم التفنن بإظهار أنواع الشاي وطرق إعداده، أما في المنطقة العربية فيلعب الشاي دوراً بارزاً في كافة اللقاءات الاجتماعية.
كما أن العراقيون يعدون من أكثر الشعوب المحبة للشاي فهم يحتسونه في كل الأوقات، وخصوصاً بعد وجبات الأكل الدسمة وبعضهم يضيف إليه أنواعاً من البهارات والأعشاب مثل القرفة أو الهيل أو النعناع، ويؤكد العم حيدر أن “الشعب العراقي يحب الشاي الثقيل، أي أن كمية الشاي فيه تكون بشكل أكبر من المعتاد”.
يتحدث العم حيدر عن بيع الشاي في فصل الصيف بالتزامن مع ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة قائلاً ” لا تقل طلبات الشاي في فصل الصيف عن الشتاء، فبدرجة كبيرة يبقى عشاق الشاي يترددون في طلبه على مدار الساعة ولا سيما في فترات الصباح”.
أبو حسين، سائق سيارة أجرة وأحد زبائن حيدر الدائمين الذين يترددون يومياً على الكشك، يقول: “كلما مررت من هنا اجلس في كشكه وأطلب الشاي”.
ويكمل متحدثاً عن مذاق الشاي: “توجد عشرات من اكشاك الشاي في الكرادة لكن لم اتذوق مثل شاي حيدر، ليس الامر في سر الوصفة فقط وانما في تقديمه مع ابتسامة محبّة، هذا هو الأساس في اي عمل وهذا ما يجعل شاي حيدر طيباً كنفسيته تماماً”.
لم يشعر حيدر يوما بالضجر من عمله ولا ينوي تغييره، فهو يعمل بحب بينما يد تحمل إبريق الشاي الساخن والأخرى ممسكة بالكوب، فهو لا يكسب المال فقط وانما يكسب محبة الناس في هذا العمل على حد تعبيره.