جزيرة الطيب.. محمية طبيعية رغم وجود الألغام
ميسان- مهدي الساعدي
انطلقت سيارة حيدر صاحب العقد الثالث من العمر يرافقه صديقاه على عجلة من أمرهم، مريدين اللحاق بآخرين كانوا قد سبقوهم في سيارة أخرى ولا سبيل للتواصل إذ لا تغطي شبكات الهاتف الجوال هذا الطريق.
حيدر ورفاقه كانوا على موعد للقاء على ضفاف نهر أطلقت تسميته على منطقة برمتها شرقي مدينة العمارة، يحملون عدة التخييم، حيث اعتادوا على ذلك بين فترة وأخرى هرباً من جو المدينة الصاخب وللتمتع بنقاء الجو وجمال التضاريس، حيث جزيرة الطيب أشهر منطقة للتخييم في ميسان.
جزيرة الطيب المحاذية للحدود الايرانية أكثر المناطق التي يقصدها الباحثون عن الراحة والاستجمام، لا يقتصر زائروها على أبناء المحافظة فحسب بل يؤمها العديد من السواح من البلدان الأخرى، لتكون واحدة من أبرز مناطق الجذب السياحي جنوبي العراق.
يقول المغامر والمستكشف البيئي احمد جاسم للمنصة “تتميز جزيرة الطيب بتنوع متعدد في التضاريس، من ارض منبسطة إلى جبلية وتلال ووديان ومناطق رملية، كما تتميز بمناطقها وأجوائها الجميلة لاحتوائها على مساحات واسعة، يقصدها العديد من اهالي محافظة ميسان للتنزه والتخييم ووجود عيون مائية كبريتية طبيعية تستخدم لعلاج الأمراض الجلدية مما جعل لها خصوصية في المقصد”.
يضيف جاسم: “الجزيرة جميلة ذات مناظر خلابة وتحتوي على الكثير من الغرائب، وتعتبر منطقة جذب سياحي من داخل وخارج العراق، اما للتنزه والتخييم أو للاطلاع على التنوع الاحيائي الموجود فيها”.
تمتد الجزيرة الحدودية على مساحات واسعة، يتخللها نهرا الطيب والدويريج النابعان من المرتفعات الحدودية مما جعلها ذات ميزة زراعية كبيرة، وقد كانت إدارياً إحدى نواحي المحافظة لكن في ثمانينيات القرن الماضي وبسبب اندلاع الحرب العراقية الإيرانية أصبحت منطقة عسكرية فتم تهجير سكانها إلى مناطق مختلفة من المحافظة.
يبين الخبير البيئي الميساني احمد صالح نعمة للمنصة أن جزيرة الطيب تبدأ من منطقة الشيب الحدودية انتهاءً بقضاء الكميت شمالي المحافظة، و”يتضح في هذا المكان التنوع الجيولوجي والطبوغرافي للأرض بشكل جلي، حيث الأنهار والجبال والتلال العالية والتلال الرملية وتلال الآثار الكثيرة، ونهري الطيب والدويريج”.
ويشير إلى أن الجزيرة تكسوها المساحات الخضراء في فترتي الشتاء والربيع، وتشابه بطبيعتها الجغرافية مناطق قزانيا وزرباطية في الشمال.
واختيرت جزيرة الطيب كأول محمية طبيعية في العراق من ضمن تحويل 17% من مساحة البلاد إلى محميات حسب اتفاقية التنوع البيولوجي، إذ أعلنت وزارة البيئة العراقية يوم 22 من شهر آذار /مارس من عام 2022، عن محمية الطيب كأول محمية طبيعية في العراق.
وقال ممثل برنامج الأمم المتحدة للبيئة، والمدير الإقليمي لمكتب غرب آسيا السيد سامي ديماسي، خلال حفل الاعلان عن محمية الطيب الذي تابعته المنصة “يعتبر اليوم علامة فخر من خلال إعلان منطقة الطيب كأول محمية طبيعية فِي العراق، خاصة أن أحد الأهداف الشاملة التي أدرجها العراق كان مخصصاً لحماية وصون النظم الإيكولوجية واعتماد الحلول المستندة إلى الطبيعة”.
الوافدين الى جزيرة الطيب خصوصا خلال فصول الشتاء والربيع يأتون من محافظات بعيدة، بل من بلدان عربية اخرى في مقدمتها الخليجية ويكون هدفهم الأول الاستجمام والصيد، كون المنطقة شاسعة وتحتوي على العديد من الحيوانات منها أنواع الغزلان والصقور.
“تعتبر جزيرة الطيب منطقة جذب للطيور المهاجرة خصوصا في فصل الشتاء، بسبب تكون المصطحات المائية التي تخلفها الامطار بالاضافة الى وجود الكثير من الحيوانات منها المفترسة، فضلاًعن أنواع متعددة من الأفاعي والزواحف والصقور النادرة”. يقول المغامر والمستكشف البيئي احمد جاسم للمنصة.
لم تكن جمالية جزيرة الطيب بمعزل عن المنغصات التي لعبت دورا كبيرا في تحديد حركة القاصدين اليها، ويشير الخبير البيئي نعمة للمنصة إلى أن “هنالك بعض المحددات للانتشار بهذا المكان سياحيا، وهو بعض الشركات النفطية والاماكن التي لا تزال تحتوي على الألغام منذ حرب الثمانينيات”.
وبهذا الصدد بين مدير مكتب مفوضية حقوق الانسان في ميسان احمد ستوري أن “مشكلة الالغام والمخلفات الحربية هي أحد أهم المشاكل البيئية والانسانية التي تعاني منها محافظة ميسان، وخاصة في مناطق الشريط الحدودي المحاذي لأيران، كونها كانت منطقة وساحة للحرب وخاصة مناطق الطيب وغيرها”.
ويقدر عدد الالغام والمخلفات الحربية في ميسان فقط ما يقارب 5 ملايين لغم ومخلف حربي، وقد تسببت بوفاة وجرح واعاقة المئات من ابناء المحافظة، و”على الرغم من وجودها في جزيرة الطيب إلا أنها تعتبر من اهم المناطق السياحية والاقتصادية والزراعية في المحافظة”، يقول ستوري.
وتسببت تلك المخلفات الحربية والالغام بإعاقة وقتل المئات من أبناء المنطقة من الرعاة والفلاحين بل وحتى قاصدي المكان للاستجمام.
وكشفت ادارة مستشفى تأهيل المعاقين وصناعة الأطراف الصناعية في ميسان أن أكثر من خمسة آلاف مواطن من ابناء المحافظة فقدوا طرفاً أو أكثر من جسدهم إثر تعرضهم لحوادث انفلاق مخلف حربي او لغم او تفجير، وفقا لقاعدة بيانات المستشفى التي تفيد بالتعرض للإعاقة بفقدان طرف أو أكثر، بسبب المخلفات الحربية والالغام.
“كانت جزيرة الطيب في ثمانينيات القرن الماضي منطقة عسكرية بحتة فهجرها سكانها ولوثت بمخلفات حربية كثيرة منها القنابل والالغام، وسجلت على إثرها خسائر كبيرة من المواطنين وحتى بعض المرتادين، ولا زالت هناك الكثير منها بحاجة الى مختصين لأجل تخليصها من الجزيرة”. كما يبين المستكشف البيئي احمد جاسم للمنصة.
لا يبدو حيدر ورفاقه مشغولون كثيراً بقضية الألغام، فالساعات الطويلة التي قضوها وهم يلهون بنهر الطيب المكسي بالحصى، بعيدا عن مشاغل المدينة وازعاج الهواتف النقالة مرت بسرعة، وقرروا الرجوع عند منتصف الليل فجمعوا عدتهم التي جلبوها لأجل الاستجمام، تاركين ما تبقى من مخلفات الشواء التي اعدوها كوجبة عشاء، فلعل حيواناً يمرّ من هنا فيعثر على وجبة طعام مجانية.