صفحات على الفيسبوك لبيع الأطعمة تتحول إلى وسائل للدعاية الانتخابية

بغداد- مرتضى الحدود

اعتاد محمد جاسم ذو الـ 28 عاماً على متابعة صفحة فيسبوكية منوعة تنشر صور سيارات وأنواع مختلفة من الأثاث ووصفات طبخ، لكنه فوجئ قبل أيام بأن محتواها تغير إلى محتوى داعم لأحد المرشحين لانتخابات مجالس المحافظات من دون سابق انذار او ابلاغ للمتابعين.

“شعرت اني تعرضت لخديعة من الجهتين، من إدارة الصفحة ومن هذا السياسي الذي يستخدم طرقاً ملتوية للفوز في الانتخابات”، يقول محمد.

محمد واحد من آلاف الأشخاص الذين تركوا تعليقاتهم الغاضبة أو الساخرة على هذه الصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي التي “باعت نفسها للطبقة السياسية الفاسدة” على حد وصفه، والتي تستعد لخوض الانتخابات المحلية المزمع إقامتها في 18 كانون الأول القادم.

ويلجأ المرشحون في الانتخابات إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للدعاية الانتخابية بدلاً من طباعة الملصقات الدعائية الكبيرة واللافتات خوفاً من ردة فعل الشارع الناقم على الأحزاب أو درءاً للخسائر، إذ من المحتمل ان يتم تمزيقها من قبل الخصوم والمحتجين.

“بالنسبة لهم فإن الترويج عبر التواصل الاجتماعي أسهل وأكثر اماناً وأسرع في الوصول واقل تكلفة”، يقول محمد اليعقوبي أحد العاملين في مجال الترويج ونشر صفحات الفيسبوك، كاشفاً للمنصة أن أسعار الصفحات تبدأ من 300 ألف دينار عراقي لتلك التي تمتلك 10 آلاف متابع وتصل الى 800 ألف دينار في الصفحات التي تمتلك 125 ألف متابع ويستمر الرقم في الصعود كلما كبر جمهور الصفحة.

اليعقوبي أوضح أن واحداً من اهداف المرشح في هذه الانتخابات هو الحصول على أعلى عدد من المتابعين ظنا منه أنه يزيد بذلك من ثقة الناخبين به، بل إن بعض المرشحين على حد تأكيده يطلبون أعداد متابعين تصل إلى 500 الف فأكثر.

آخر إحصائية أعلن عنها مركز الإعلام الرقمي بينت أن أعداد متابعي مواقع التواصل الاجتماعي بشكل عام في العراق بلغ 25,53 مليون وفق رصد مؤسستي We are social و Meltwater وبلغ عدد متابعي الفيسبوك 17,95 مليون اما الانستغرام فبلغ 14 مليون متابع والتيك توك 23,88 مليون واليوتيوب بلغ 24,30 مليون.

لكن الصفحات التي تحمل أسماء وصور المشاهير في العراق باتت مثار شك او تندّر بالنسبة لكثير من المتابعين بعدما تغير محتوى النشر إلى عناوين سياسية تستعرض البرامج المتعلقة بالشخصيات المترشحة للعملية الانتخابية.

موقع “تقنية من أجل السلام” وهو معني برصد الأخبار المزيفة رصد عشرات الصفحات من هذا النوع وعمد إلى نشرها تحت عنوان “شفتك سمير” وهي فقرة فكاهية ساخرة مأخوذة من احد المقاطع الكوميدية العراقية وكأنها توضح ان ما يقوم به هؤلاء المرشحون ما هو إلا عملية خداع للمواطنين والمتابعين.

المتحدث الرسمي باسم فريق “التقنية من اجل السلام” بحر جاسم اوضح للمنصة ان ما يحدث الان في هذه الصفحات يوضع في خانة خداع المتابعين اذ تتحول الصفحة من عنوان الى عنوان اخر لدعم سياسي او مرشح من دون اخبار المتابعين واعلامهم ان هذه الصفحة وظيفتها سياسية، واما اسعارها فتختلف باختلاف اعداد المتابعين، “فكلما زاد العدد زاد سعرها وكأنما المتابعين أصبحوا سلعة للتقييم المالي”.

وتزداد هذه الحالات قبيل العملية الانتخابية خلال فترة دعاية المرشحين، لذا عمد فريق “تقنية من اجل السلام” الى رصد هذه الحالات ونشرها منذ عام 2018 كاشفاً عن عشرات الصفحات من هذا النوع.

وفرض موقع الفيسبوك قبيل الانتخابات البرلمانية 2021 تقييدات على المعلنين السياسيين في العراق إذ لا تتم الموافقة على اي اعلان سياسي الا بعد الحصول على ترخيص من الشركة لغرض الاعلانات السياسية.

وبيّن في حينها مركز الاعلام الرقمي ان “فيسبوك لن يسمح بالإعلانات السياسية الا إذا كان مصدرها من داخل البلاد لمنع التأثيرات الخارجية على نزاهة الانتخابات، كما سيتعين على المعلنين تأكيد هويتهم الرسمية الصادرة من الحكومة العراقية لكي يتم قبول الاعلان”.

التدريسي في كلية الإعلام في جامعة ذي قار الدكتور حيدر الخفاجي بين للمنصة أن العديد من الصفحات التي تعمل على زيادة متابعيها من أجل بيعها لجهات وشخصيات سياسية تستخدم طريقة تسمى “الرشق الالكتروني” وهي أشبه بحسابات وهمية بأعداد كبيرة تسجل في الصفحة.

ويرى الخفاجي أن “أن تغيير اسماء الصفحات الى اسماء اخرى سياسية يؤدي الى فقدان الثقة بالطبقة السياسية” مطالباً بأن تكون هناك رقابة حكومية اتجاه هكذا أعمال.

“شبكة العراق الرقمي” وهي إحدى المنصات المعنية بالرصد الالكتروني كانت قد سجلت في الانتخابات البرلمانية الماضية إنفاق ما يقارب مليار دينار عراقي على صفحات دعائية في الفيسبوك تابعة لساسة أو أحزاب عراقية بواقع 44 الف اعلان سياسي.

وجاء في تقرير للشبكة أن “فيسبوك وافق على عدة إعلانات في محافظات مختلفة، ولم تظهر بيانات فيسبوك مبالغ دقيقة للإعلانات، إضافة لاستخدام بعض الصفحات تلاعباً تقليدياً في كتابة العبارات ذات المضمون السياسي لتجاوز اكتشافها من قبل خوارزميات فيسبوك كإضافة رموز بين حروف الكلمات بحيث تكون مفهومة بشرياً ولا يمكن اكتشافها آلياً”.

مدير مركز الجنوب للدراسات صلاح الموسوي يجد أن هذه السلوكيات التي يقوم بها مرشحون بتغيير مسميات الصفحات او شراء البعض منها تبين عدم مصداقية المرشح.

ويقول “المرشح مؤتمن أمام الناخبين وليس من المعقول أن يبدأ مشواره الانتخابي بالخداع والتلاعب” لكنه بنفس الوقت مطمئن إلى ان “المتابع العراقي لتلك الصفحات سوف يكتشف هذا التلاعب ويعزف عن انتخابهم”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى