ما هي حكاية مترو بغداد.. ولماذا كل هذا الزّحام؟
بغداد- حنان سالم
تبدأ زهراء محمد (28 سنة) المحامية التي تسكن العاصمة بغداد، يومها في السادسة صباحاً، بالتوجه بسيارتها من محل سكنها بمنطقة الزعفرانية الى محل عملها في ساحة الشهداء، في طريق يمتد لمسافة 17 كيلومترا تقضيه بنحو ساعتين، وتحتاج إلى وقت أطول في مشوار العودة مساءً بسبب الزحامات. في مشكلة تمثل واحدة من أكبر هموم أهالي بغداد وأولى منغصات العيش فيها.
العاصمة التي تكبلها الزحامات وتشل غياب الطرق وخطوط المواصلات نهضتها، والتي تنتظر منذ عقدين حلولاً، عطلتها الحروب وشبكات الفساد وسوء الادارة، رغم الاعلانات والتعهدات المتكررة بتقديم الحلول بدءا بانشاء طرق جديدة وتوسيع القائمة منها، وانتهاءً بمشروع مترو بغداد الذي توالت خمس حكومات على التعهد بانجازه وتخصيص اموال له دون ان يرى النور.
تقول زهراء في حالة يأس، بينما تعلو من حولها منبهات السيارات التي تنتظر فك اختناق مروري أوقف الحركة تماما لنحو ربع ساعة: “أربع ساعات هو أقل وقت أقضيه في التنقل ذهاباً وإياباً في الأيام العادية، بسبب الاختناقات، لقد أصبح الأمر كارثيا، كنت طالبة في المرحلة الابتدائية حين كانوا يتحدثون عن قرب العمل بانجاز مترو وقطارات معلقة وطرق حولية جديدة.. لا شيء غير الكلام”.
تضيف بتململ، وهي تفتح نافذة السيارة وتلوح بيدها الى سيارة قريبة للتقدم:”ماذا لو كان هناك أطفال صغار ينتظرونك عند باب المنزل.. في الصباح يمكنك ان تخرج مبكرا، لكن ماذا يمكنك ان تفعل في المساء؟”.
المعاناة اليومية لسكان العاصمة الذين يربو عددهم عن 8 مليون نسمة، مع الزحام المزمن في شوارعها، مستمرة منذ نحو 20 عاما مع تزايد السكان وحين دفع الانفتاح الذي تلا انهيار نظام حزب البعث في 2003 الى استيراد المركبات دون قيود، لتكتظ معها الشوارع بما يزيد عن أربعة ملايين سيارة، في حين أن شوارعها لا تتسع وفقاً للمتحدث باسم مديرية المرور العامة زياد القيسي، لأكثر من 250 ألف مركبة.
وهو ما دفع المديرية سنة 2022 إلى تقديم مقترحات عدة لفك الاختناقات المرورية التي تتفاقم عاما بعد آخر، كالعودة إلى قرار ترقين قيود المركبات القديمة أي (تسقيطها) وإيقاف منح أرقام جديدة، وفتح مناطق حرة في الحدود لبيع المركبات القديمة، وحصر دخول بعض المركبات من خلال انشاء مرائب لتبادل البضائع التجارية والفواكه والخضار في أطراف العاصمة بعد اكتمال مداخل بغداد للحفاظ على الطرق من جهة وتقليل الزخم المروري داخل المدن من جهة أخرى.
ومع ان هذه المقترحات، بحسب متابعين، تمثل حلولا جزئية محدودة التأثير، الا أن أي منها لم ينفذ الى الآن.
ويرى الخبير الاقتصادي أحمد الحسيني، بأن ما يصفها بـ”فوضى التشريعات والقوانين” المتعلقة بالاستيراد والتعريفات الجمركية، التي صدرت بعد 2003 “ساهمت باستيراد المركبات بإيقاع غير مضبوط خصوصاً في السنوات الأولى التي أعقبت سقوط النظام السابق، كما أن النمو الاقتصادي وفتح باب التعيينات الحكومية على مصراعيه، والارتفاع النسبي في مستوى دخل الموظفين، زاد من الاقبال على شراء السيارات”.
وساهمت الظروف الأمنية الصعبة التي شهدتها البلاد عموماً، وبغداد بوجه خاص جراء نشاط المجاميع المسلحة ودخولها في حرب شوارع شبه يومية مع القوات الأمريكية ومن بعدها الأجهزة الأمنية العراقية من 2003 لغاية 2017 بخلق حالة دائمة من الاختناقات المروية نتيجة غلق مداخل الأحياء السكنية والشوارع التي تضم مقار وزارات ومؤسسات حكومية بحواجز كونكريتية، وتم الاكتفاء بمدخل واحد للدخول والخروج، مع انتشار كبير لنقاط التفتيش في الشوارع الرئيسية ومداخل الجسور.
يقول الحسيني بأن الحواجز تلك حدت طوال سنوات وبنحو كبير من حركة السيارات مما ولد زحاماً كبيراً في الشوارع الرئيسية “وبعد 15 عاماً ومع رفع الجزء الأكبر من تلك الحواجز، وجد البغداديون انفسهم محصورين بواقع تضاعف عدد السيارات عدة مرات مع بقاء الشوارع على حالها دون أي توسيع او فتح طرق جديدة”.
حلول لتخفيف الأزمة
الكثير من الحلول طرحت لمواجهة الاختناقات المروية في بغداد، منها وقف استيراد المركبات بنحو مؤقت، أو تسقيط المركبات القديمة ومنع سيرها في الشوارع. أو اقامة المزيد من الطرق والجسور والمجسرات الصغيرة والمرائب العمودية، وتطوير النقل العام وإنشاء مشروع (مترو بغداد).
والأخير مشروع وضعت بالفعل مخططاته الأولية سنة 1980، من قبل شركة DBP البريطانية بطول يبلغ 32 كم بواقع 36 محطة وخطي نقل، لكن الحرب العراقية الإيرانية في خريف تلك السنة والتي استمرت لغاية 1988، ومن بعدها غزو الكويت وحرب تحريرها وتداعيات ذلك من حصار دولي أستمر لغاية 2003 منعت من تنفيذه.
وبعد 2003 طرح المشروع مرة أخرى من قبل برلمانيين واعضاء بالمجالس المحلية، كحل للحد من الاختناقات المرورية، لكن الظروف الأمنية والفساد وعدم الاستقرار السياسي، أبقت المشروع في درج الانتظار، بحسب مراقبين متخصصين.
من بين هؤلاء الباحث في الشأن العراقي عدنان الكناني، الذي يعتقد بأن “الوضع الأمني غير المستقر وكثرة العمليات الإرهابية بعد 2003 أدت الى تعطل المشروع خاصة مع نفور شركات الاستثمار وابتعادها عن المشهد المعماري في العراق”.
أما ما يحول دون تنفيذ المشروع في الوقت الراهن، فيرده الى عدم وجود استقرار سياسي “تتوفر الآن بيئة آمنة الى حد ما للاستثمار، لكن البيئة السياسية غير مستقرة، كما أن متبوئي مناصب القرار لا يهمهم تنفيذ مشاريع خدمية بقدر ما يهمهم ما سيكسبونه من تنفيذ هذه المشاريع”.
ويشير الى غياب التخطيط الاستراتيجي وارادة التنفيذ، موضحا انه مع كل حكومة جديدة يتم الحديث عن المشروع وعن تفاصيله ثم يتعطل في أدراج اللجان الفنية ومكاتب اصحاب القرار لحين مغادرتهم.
كما ينبه الى شبكة الفساد ومشكلة فرض اتاوات كبيرة من قبل أحزاب سياسية نافذة على الشركات الاستثمارية، كسبب رئيسي في تعطل أكثر من ثلاثة آلاف مشروع خدمي بما فيها مترو بغداد، ويشدد على ضرورة اتخاذ خطوات جادة في محاسبة ما يصفها بـ”مافيات الفساد” واستعادة السيطرة على ملف العقود الاستثمارية لتنفيذ المشاريع المعطلة.
في تموز 2011 أعلنت امانة بغداد أنّ شركة فرنسية تقوم بإعداد التصاميم الأوّلية لمشروع مترو العاصمة، ودعت الشركات الفرنسية للتنافس مع الشركات العالمية الأخرى لتنفيذ مشاريع إعادة الاعمار. لكن المشروع لم يتجاوز هذه المرحلة حتى عام 2017، اذ ذكر تقرير صحفي أنّ مذكّرة تفاهم لتطوير مشاريع السكك الحديدية الحضرية في بغداد والبصرة قد وقِعت من قبل الحكومة العراقية وشركة ألستوم.
وفي مطلع العام 2023 أكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، حسم موضوع القطار المعلق، من خلال الاتفاق على عقد مباحثات بين فريق من الشركة الفرنسية وفريق من الحكومة للاتفاق على السعر، وأوضح أنه “في حال عدم الاتفاق على السعر فسيتم اللجوء إلى شركة استشارية تقيم السعر النهائي بهدف إدراجه في الموازنة”.
وفي تشرين الثاني نوفمبر 2023 قال مستشار رئيس الوزراء لشؤون النقل ناصر الأسدي، إن مشروع “مترو بغداد” سيرى النور “قريباً جداً” وسيغطي 80% من بغداد، مشيرا الى تنفيذ ما اسماه برنامج “نظام النقل المتكامل” الذي يربط جميع وسائل النقل في العاصمة ويضم قطارات وباصات إضافة إلى سيارات النقل الخاص.
واكد الأسدي في تصريحات متلفزة، ان المعالجات الترقيعية لن تجدي نفعا مع كثافة السيارات وبقاء الطرق على سعاتها وان المشكلة تتطلب حلول جذرية، منوها الى ان 50 سنة من توقف التطوير ولد الأزمة الحالية، فبغداد كانت مصممة لتحمّل 450 ألف سيارة، لكنها تحوي الآن 5 مليون سيارة أي عشر أضعاف الطاقة الاستيعابية.
وتعليقا على الزحامات والتلوث، قال مستشار رئيس الوزراء “كل الأشياء السيئة التي يمكن أن نجدها في المدن غير المنظمة، يمكن أن نجدها في بغداد”، لافتا الى سعيهم لإحياء النقل العام من خلال اعتماد خطة لإعادة تطوير القطاع وربطه بالميترو “الآن نحن بصدد إحالة المشروع إلى شركات مختصة لتصميمه، ثم سيطرح للتنفيذ، كما أن هناك خطة لتفعيل الترام ليكون هناك وسائل نقل للمناطق الضيقة”.
وكانت وزارة النقل، قد اعلنت في مطلع العام 2023 عن إدراج مشروع القطار المعلق في بغداد، ضمن الموازنة العامة، موضحة ان المشروع سيجري تنفيذه على عدة مراحل بدءاً من المرحلة الأولى التي تتضمن 31 كلم وتشمل إنشاء 14 محطة.
وكان وزير النقل السابق ناصر الشبلي، قد أعلن في شهر أيار/ مايو2022 عن تخصيص ملياري دولار من موازنة 2022 لتنفيذ مشروع مترو بغداد. لكن إعلان الوزير لم يفض الى شيء لأن الموازنة أساسا لم تقر في ذلك العام.
موازنة الأعوام الثلاثة (2023، 2024، 2025) تضمنت في محور القروض المستمرة\ 16 “الاستمرار بالاقتراض من الحكومة الفرنسية ووكالة ضمان الصادرات الكورية او بضمانتها بكلفة (2800) مليون دولار (الفان وثمانمائة مليون دولار) لصالح وزارة النقل لتنفيذ مشروع القطار المعلق في بغداد، وسيتم تمويل مبلغ (100) مليون دولار (مائة مليون دولار) لعام (2023).”
ورغم كل التصريحات والوعود التي تتوالى منذ عشرين عاما، مازال مشروع “مترو بغداد” كما مشروع “القطار المعلق” مجرد مشاريع على الورق لم يتم اقرار تنفيذها فعليا “ما يبقيها في خانة الدعايات السياسية ويؤشر فشلا مزمنا لدى الحكومات المتعاقبة على التخطيط والمتابعة والقدرة على التنفيذ” يقول جمال علي، وهو مهندس مدني يقضي يوميا ساعتين ونصف للوصول الى مكان عمله وسط بغداد رغم كونه يتجنب التنقل في ساعات الذروة.
يضيف باستياء :”مع وصول الزحامات في بغداد الى مستوى كارثي اضطرت الحكومة مؤخرا الى اللجوء لخطوة غريبة وغير مجدية لتخفيف الأزمة تمثلت في تغيير ساعات بدء العمل وانتهائه في العديد من المؤسسات لكي لا تكون متزامنة”.
يرى الناشط السياسي وعضو حزب البيت الوطني محمد الحسيني، ان الحديث عن قرب رؤية المترو، هو مجرد محاولة لكسب التأييد الشعبي، ويدرجها ضمن “الوعود الوهمية المتكررة الي تواعد بيها الحكومات الشعب ولا تُنفذها”.
ويضيف “أغلب المشاريع ومن ضمنها المترو هي تسويق وهمي تقوم به الحكومات بداية تشكيلها وفي نهاية المطاف إما تُسرق مخصصاتها أو تبقى حبراً على ورق”.
لكن أستاذ الاعلام السياسي في جامعة بغداد د. علاء مصطفى، له رأي آخر، اذ يرى أن الحكومة الحالية جادة في تنفيذ المشروع كونه أفضل دعاية انتخابية لرئيس الوزراء الحالي في الجولات الانتخابية البرلمانية المقبلة.
ويضيف “طريقة تسديد كلفة المشروع تشجع على إنجازه اذ يمكن توفيرها من الزيادة في أسعار النفط الحاصلة حاليا، كما أن سداد تكلفته تستمر لسنوات عديدة إضافة الى أن الحكومة باتت واعية لأهمية المشروع كونه يحل ازمة تهم كل الشرائح والمواطنين ومستمرة منذ عقود”.
وكان تقرير لوكالة رويترز نشر في 2011، قد ذكر أن المشروع وفق شكله الحالي، تبلغ مدة سداد كلفته خمس سنوات. وتقدر جهات نيابية كلفته بأكثر من ثلاثة مليارات دولار.
على العكس من ذلك، يرى المهندس المدني أنمار مردان، بأن المترو أو مشروع القطار المعلق لن يسير الى الأمام باتجاه حل ازمة الاختناقات المرورية في بغداد لكثرة السيارات وامتلاك المواطنين لها لذا فلن “يترك أحد سيارته ويستقل المترو”، مشيرا الى ان العديد من دول العالم فيها شبكات مترو لكنها تعاني من الزحام ايضا. ويضيف “لا حل سوى توسيع الطرق عن طريق استملاك الدولة للأراضي والدور الواقعة على جانبي الطرق الرئيسة وتحويلها الى شوارع”.
غازي عبد الرزاق(72 سنة)أمين مكتبة متقاعد، يقول بأن حلم مترو بغداد راود الأهالي لأجيال عديدة دون تحقق “لكن حمداً لله انه لم ينفذ، لأن الإرهاب كان سيقضي عليه، وتذهب المليارات التي تصرف عليه هباءً منثوراً، فالدولة التي تغلق الشوارع بسبب التفجيرات دون أن تحاول منعها، ستقوم بكل تأكيد بغلق محطات المترو!”.
وبنبرة السخرية ذاته يتابع: “لن نشهد للأسف قطاراً يمشي في شوارع بغداد أو تحتها، لأنهم فرضا لو بدأوا اليوم بتنفيذ المشروع، فلن ينجز إلا بعد سنوات طويلة جدا وربما بمواصفات سيئة وغير قابلة للتطوير، إنهم يستغرقون سنوات في بناء جسر واحد، فكيف بمحطات مترو تحت الأرض؟”.
حلول غير مجدية
الوضع الأمني في العراق مع استمرار الأزمات السياسية ووجود فصائل مسلحة خارج الدولة، أفرز على مدى سنوات، مئات من نقاط التفتيش والحواجز الأمنية التي قطعت أوصال المدن وعلى رأسها بغداد، ما أدى إلى تزايد الأزمات المرورية.
أبو محمد (53 سنة) يعمل سائق سيارة اجرة منذ ما يقرب من 20 سنة، يضطر في بعض الأحيان الى التزام المنزل لعلمه بأن لا نتيجة مرجوة من خروجه للعمل بسبب الزحام خاصة في فترات حصول أزمات سياسية.
يروي الرجل الذي تتألف عائلته من ستة أشخاص يعتمدون على ما يجنيه في تأمين معيشتهم، معاناته مع الاختناقات المروية التي تفرضها اجراءات أمنية “بعض الشوارع لا أستطيع الخروج منها الا بعد أكثر من ساعة بسبب نقطة تفتيش، وما أن أخرج منها حتى تلاقيني واحدة أخرى وقد لا تبعد سوى 200 متر فقط، ولا يفعل عناصرها شيئاً سوى توجيه سؤال سخيف هو من أين أتيت أو إلى أن تذهب؟ وهذا كل ما في الأمر، ضياع وقت دون نتيجة مرجوة”.
هو يعتقد بأن نقاط التفتيش في الفترة بين 2003 و2020 كانت مجرد عبءٌ على كاهل المدينة، لأنها كانت تجلب الازدحامات ولم تكن تمنع التفجيرات والاغتيالات. ويشير الى طوابير المركبات الممتدة أمامه في شارع السعدون باتجاه جسر الجمهورية وسط العاصمة، ويضيف:”في المناسبات الرسمية والدينية أتجنب الخروج للعمل فالأمر في هذه الحالة لا يتعدى كونها جولة بمركبة واقفة اذ تغلق الشوارع تماما”.
نقاط التفتيش لا تعيق حركة مرور المركبات داخل بغداد فقط، بل تؤثر على حركة الداخلين إليها كذلك، ويبدو الأمر أكثر سوءاً عند المداخل إذ تنتظر في العادة طوابير طويلة من المركبات.
يقول أحمد عبيد (32 سنة) الذي يسكن بغداد ويعمل مندوب مبيعات لشركات ادوية في صلاح الدين (شمال بغداد) انه يضطر الى الخروج من بغداد والعودة اليها ما لا يقل عن ثلاث مرات في الأسبوع الواحد. ويروي معاناته في مدخل العاصمة الشمالي المعروف بـ(التاجي) “ساعات طويلة أقضيها في بعض الأيام بانتظار العبور من هناك، لذلك أخرج من المنزل قبل طلوع الشمس لأتمكن من الوصول الى مكان عملي في شارع الأطباء بتكريت في الوقت المحدد، وطريق العودة لا يختلف بشيء فاستغرق أحيانا 10 ساعات في الذهاب الى صلاح الدين والعودة منها الى بغداد”.
شهد كانون الثاني/يناير من العام الجاري 2023 رفع 41 نقطة تفتيش ثابتة كانت موزعة في انحاء متفرقة من العاصمة، وتحويل 27 نقطة تفتيش إلى غير ثابتة او ما تعرف بالمرابطات
كما أعلنت أمانة بغداد في نيسان/أبريل2023 عن رفع 27 ألف حاجز كونكريتي وأكثر من 25 سيطرة في جانبي المدينة، الكرخ والرصافة
لكن هذه الإجراءات لم تحدث انفراجات في الاختناقات المرورية، ويعتقد عبيد، انها لن تأتي بحل حتى لو رفعت كل المفارز ونقاط التفتيش “شاحنات البضائع تسير جنباً إلى جنب مع المركبات الصغيرة، فتحدث فوضى كبيرة، كما أن المناطق المكتظة أو التي تشهد انسدادات مرورية، لا تحتوي على جسور او أنفاق ووسائل النقل العام مهملة وبائسة، وبدلاً من تطويرها ادخلوا التكتك والستوتة الى شوارع العاصمة لتزيد من الطين بلة”.
تلك المشكلة المزمنة، دفعت فاطمة علي، التي تسكن في الزعفرانية ويبعد منزلها عن المحكمة نحو 16 كم، الى استخدام قدميها بدلاً من وسائل النقل للوصول الى مكان عملها في محكمة الكرادة.
تقول بانفعال: “كنت أتعرض في الكثير من الأحيان الى مواقف محرجة مع المراجعين بسبب تأخري، فبعض الإشارات المرورية التي كنت أمر بها يستغرق عبورها نحو نصف ساعة أو أكثر، فاضطر الى الترجل من السيارة واجتياز مسافة سيراً لأستقل بعدها سيارة أخرى، وحدث أنني استأجرت في طريق ذهابي للمحكمة ثلاثة أو أربع سيارات أجرة”.
ذات الشيء فعلته مريم، تسكن في منطقة الرحمانية، وتحتاج الى ساعة ونصف من السير على الاقدام للوصول الى جامعتها (كلية المأمون الجامعة) في شارع 14 رمضان بمنطقة المنصور، لأنها لو استقلت سيارة أجرة فستحتاج إلى ضعف وقت ما ستستغرقه بالمشي على قدميها.
تقول مريم: “المشي ليس سهلا، خصوصاً في أيام الحر الشديد، لكن ماذا أفعل، فكرت في شراء دراجة نارية أو هوائية لأتخلص من زحام السيارات وتعب المسير الطويل، لكن والدتي ترفض لأنها تعتقد بأنهما خطران، لذا ليست لدي خيار الآن سوى قدماي”.
الباحث في الشأن الاقتصادي مروان رجب، يؤكد بأن مشاريع النقل العام، السكك الحديد بمختلف أنواعها، والحافلات الحديثة، مع توسيع الشوارع واستحداث أخرى داخلية وحلقية، وإلغاء التقاطعات ببناء الجسور والأنفاق، وتنظيم حركة المرور ومنع التجاوزات على الطرقات، سواءً من قبل المدنيين أو غير المدنيين، وتقنين استيراد المركبات وسحب القديمة “كلها مجتمعة ستؤدي إلى تخفيف الاختناقات دون ان تنهها كليا” يقول بإصرار.
ثم يتابع:”حل أو اثنين من تلك الحلول لوحده غير كاف، يجب الالتزام بكل ذلك، بغداد هي العاصمة، ومن الطبيعي أن تفد إليها كل يوم مئات الآلاف من المركبات قادمة من المحافظات فضلاً عن الموجودة فيها أصلاً”.
- أنجز التقرير بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية/ العنوان الأصلي للمادة: حكاية المترو.. بغداد المكبلة بزحامها وفساد صفقات مشاريع مواصلاتها المتعثرة