صانع العكازات الوحيد في الناصرية..

ذي قار- مرتضى الحدود
يجلس غالب الياسري وسط محله في مدينة الناصرية (مركز محافظة ذي قار) ممسكاً بمبرد حديدي ينحت إحدى القطع الخشبية على شكل كرات متلاصقة تشكل في نهاية المطاف عكّازا فريدا من نوعه.
وما أن انتهى الياسري الذي غزا الشيب شعره من نحت العصا حتى بدأ بترصيع احدى كراتها الخشبية بحبات زجاجية صغيرة من “الكريستال” تعطي للعكاز منظراً خلاباً.
يُعرف هذا الرجل ذو الـ 68 عاماً في مدينته كآخر صانعي “العكازات” ويمتهن هذه الصناعة منذ ثلاث سنوات فقط منتقلاً إليها من مهنة لا تقل عنها ندرة وهي صناعة “الهوادج المعدنية”، وعادة ما تكون تلك الهوادج على شكل مجسمات تستخدم في المناسبات الدينية ومواسم الزيارات إلى المراقد المقدسة.
يقول الياسري: “بعد أن تقدم بي العمر وضعفت حيلتي في مصارعة الحديد قررت أن أحيي حرفة صناعة العكازات فما من أحد في الناصرية مختص بها” مضيفاً انه اختار هذه المهنة لما تمتلكه من روح فنية ولما يمتلكه من مهارة في الصناعة اليدوية.
العكاز أو كما معروف في العراقية الدارجة بـ”العوجية” يستخدمه كبار السن لإعانتهم على المشي أو كجزء من الزي التقليدي لدى بعض الشخصيات العشائرية والدينية التي تحصل على العكاز من صناع متخصصين أو من بائعي الانتيكات بحكم أنها صناعة على طريق الاندثار.
بينما كان الياسري يكمل صنع العكاز ممسكاً بمطرقة حديدية صغيرة يطرق بها على إحدى الأسطوانات المعدنية أوضح للمنصة أن صنع العكازة يستغرق أوقات مختلفة بحسب نوعها، فالعكاز الخشبي المنحوت والمرصّع بالفضة والأحجار الكريمة يستغرق صنعه نحو عشرة أيام لكثرة التفاصيل التي تتطلبها عملية النحت وتنسيق وتثبيت الأحجار وقطع الفضة على سطحه.
ويصل سعر هذا العكاز الى 600 ألف دينار وعادة ما يشترى بغرض اهدائه أو يوضع داخل صندوق خشبي ويُعرض في المنزل كـ”تحفية”، أما الأنواع الأخرى بسيطة الشكل فيمكن إنجاز عكّازين اثنين منها في اليوم الواحد ويصل سعرها إلى عشرة آلاف دينار.
يحصل الياسري على قطع الخشب من النجارين واحياناً من بعض العصي التي تباع في سوق “هرج”، يقوم بشرائها وإجراء تعديلات على شكلها.
ورغم قصر مدة عمل الياسري في هذه المهنة إلا أنه جذب زبائن من خارج الناصرية حتى بات عددهم اكثر من زبائن مدينته فمنهم من سكنة بغداد والبصرة والعمارة وهناك من يقوم بالشراء بغرض إهدائها إلى أصدقاء في دول الخليج.
ولا يستخدم صانع العكازات مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لبضاعته ولا حتى لديه معرفة بهذا النوع من وسائل الترويج لكن المنتج وصل الى العديد من الزبائن الذين بدأوا يروجون له.
وكان لعكازات الياسري نصيب في بطولة كأس الخليج التي اقيمت في البصرة اذ زاره عدد من الكويتيين أثناء تجوالهم في الناصرية وانبهروا بهذا العمل اليدوي وقاموا بشراء عشرات القطع منه.
أبو كريم أحد زبائن الياسري يقول للمنصة انه اشترى “عوجيته” التي تفيده أثناء المسير لافتاً إلى ان العكازات الأصلية باتت نادرة الوجود وأن اغلب العكازات المتوفرة في السوق تكون صينية الصنع لا تتمتع بالمتانة والأناقة المطلوبتين.
أما الياسري الذي كان سعيداً بإطراء الزبون فيؤكد أن هذه الحرفة بالنسبة له تبقى “هواية” الهدف منها إحياء مهنة مهددة بالاندثار وقضاء وقت فراغه بعد أن ترك صنع الهوادج وتقدم به العمر.