الأمن والخدمات تشجع العرب العراقيين على العيش في اقليم كردستان
يقول عن خطوة إنتقاله السريع للعيش في السليمانية: “كنا نعاني في بغداد وبشكل مستمر من انقطاع الكهرباء والماء ومن الإختناقات المرورية المدمرة لنفسية الانسان، ومن تكرر مشكلة صرف المياه نتيجة تهالك المجاري، فقد فاضت منطقتنا نتيجة الأمطار ودخلت المياه منازلنا في الشتاء، وفي الصيف الحرارة لا تقاوم، لهذا خططت للإنتقال حتى قبل انتهاء ارتباطي الوظيفي”.
أبناؤه الثلاثة وعائلاتهم المقيمين في بغداد يقضون العطل الربيعية والصيفية في منزله، وهم جميعاً يرغبون بالعيش بنحو دائم قريباً منه في السليمانية، كما يقول محمد علي، لولا إرتباطهم بوظائفهم الحكومية وأعمالهم الخاصة.
رغبة الاستقرار في اقليم كردستان، من قبل مواطنين عراقيين من مختلف مناطق العراق، ليست بالجديدة، إذ أن مئات الآلاف قاموا بخطوة محمد علي ذاتها منذ سقوط النظام العراقي السابق في 2003، بحثاً عن الأمن أو للإستفادة من الخدمات العامة المقدمة هناك، فصاروا جزءاً من المجتمع وساهموا في تطويره اقتصاديا وتنويعه ثقافيا، وكثير منهم إندمج الى حد تعلم اللغة الكردية.
وتشير إحصائيات رسمية إلى وجود نحو مليون مواطن عراقي عربي القومية يعيشون في أقليم كردستان، سواءً ممن نزحوا إليه هربا من العنف في اعقاب سيطرة تنظيم داعش على عدد من المناطق في وسط وغربي البلاد في صيف العام 2014 أو ممن كانوا قد لجأوا إلى هناك خلال العقدين الأخيرين واستقروا فيه لأسباب مختلفة بينها ما ارتبط بالعمل والتجارة.
وارتفعت أعداد الراغبين في الاقامة بشكل دائم في كردستان في أعقاب صدور قرار عن حكومة الأقليم في العام 2018 يسمح للعراقيين من غير الكرد امتلاك العقارات سواءً كانت أراضي أو دوراً سكنية، وكان امتلاكها قبل ذلك يتطلب موافقات أمنية خاصة.
وبحسب احصائيات تم تداولها إعلاميا في العام 2022، هنالك 55 الف عائلة عربية في محافظة أربيل، و25412 عائلة في السليمانية، و7721 عائلة في محافظة دهوك، في وقت تتحدث حكومة الاقليم عن وجود نحو 665 ألف نازح يقطنون في مخيمات مقامة لهم في الإقليم منذ 2014.
ويرجع الباحث الاجتماعي هيوا عمر، كثافة تواجد العرب في أربيل الى كونها عاصمة الاقليم وتتوافر فيها فرص عمل أكثر من باقي المحافظات فضلا عن تطورها خدميا، ويضيف قائلاً “كما أن أربيل هي الاقرب لثلاث محافظات دخلها داعش وهي نينوى وصلاح الدين وكركوك لذا أصبحت وجهة للنازحين من هذه المحافظات الذين فضل جزء كبير منهم الاستقرار فيها”.
يخضع العراقيون العرب الراغبون في الإقامة بالإقليم إلى إجراءات قانونية قبل منحهم إقامة لمدة ثلاثة اشهر قابلة للتجديد، بعدها يمكن أن تتحول إلى إقامة لمدة عام في حال أثبتوا سكناهم في الإقليم بتقديم عقد ايجار أو ما يثبت ملكيتهم لعقار سكني، في حين يعفى الكرد القادمون من محافظات أخرى من تلك الإجراءات.
غير أن هذه الإقامة وفقاً للمحامية ندى إبراهيم، يمكن سحبها في حال:”ثبت تورط المقيم باعمال ارهابية أو قام بارتكاب جناية أو اقيمت ضده دعوى قضائية مالية تعرضه للحبس”.
كما أن السلطات الكردية، تسمح للمقيمين العرب في الاقليم بالترشح في الإنتخابات أو المشاركة في التصويت فيها على أن تكون بطاقاتهم التموينية صادرة من احدى محافظات الاقليم ليتمكنوا من التصويت أو الترشح، كما ان بامكانهم نقل بطاقاتهم التموينية للاقليم لكن الاجراءات معقدة جداً، وفقاً لمسؤولين محليين.
والبطاقة التموينية، تملكها كل عائلة عراقية، وتم إصدارها في تسعينيات القرن المنصرم اثر فرض الأمم المتحدة عقوبات اقتصادية على العراق اثر غزوه للكويت، فلجأت الدولة إلى دعم العائلات بالمواد التموينية الضرورية، ومنحتهم بطاقة خاصة بذلك، أصبحت بمرور الأيام مستمسكاً مطلوب ابرازه لدى الدوائر الرسمية عند الشروع بترويج العديد من المعاملات.
سيطرة على قطاع العقارات
محمد (40 سنة) موظف في وزارة الصحة، عانى بعد زواجه من إرتفاع أسعار العقارات في العاصمة بغداد، ولم يستطع امتلاك “شبر واحد من الأرض” حسب تعبيره. كما أن بدل ايجار منزله البالغ 500$ أثقل كاهله، ولاسيما بعد أن أصبح أباً لتوأمين.
يقول:”زوجتي لم تستطع العمل بعد ولادتها لطفلينا ومرتبي بالكاد كان يكفينا، كنت أعلم أن أسعار العقارات في أربيل اقل بكثير من تلك التي في بغداد، والخدمات أفضل والوضع الأمني أكثر استقراراً، لذلك قررت في العام 2022 شراء شقة والانتقال الى هنا”.
استطاع محمد تأمين مبلغ الدفعة الأولى وهو 20 ألف دولار، وسدده ليحصل على شقة في مجمع لالاف ستي بأطراف أربيل، ونقل تنسيبه الى دائرة الصحة في كركوك (96 كم جنوب أربيل) وهو لايرى بأساً في قطع طريق الذهاب والأياب كل يوم من شقته إلى مقر عمله الذي يتطلب نحو ساعة ذهاباً ومثلها اياباً.
يقول وهو يشير الى المجمع السكني الذي يسكنه “القسط الشهري للشقة التي أسكنها 400$ وهو أقل من ثمن بدل الايجار الذي كنت أسدده في بغداد، وطريقي الى مكان عملي أفضل منه في بغداد، فالزحام هناك كان يجبرني على الخروج قبل ساعتين من موعد الدوام، وهنا أصبحتُ أملك الشقة التي أسكنها”.
يضيف وهو يبتسم:”كل الأمور باتت أفضل، ولو أني لم أتخذ قرار الانتقال الى أربيل لاتجهتُ الى العشوائيات لأتخلص من الايجار ولبقيت عالقا في مشاكل تردي الخدمات وفوضى المكان ومخاوف الإزالة”.
ويقصد بالعشوائيات، تلك المنازل التي تشيد على أراض مملوكة للدولة، في أطراف العاصمة بغداد، تكون أسعارها واطئة، ولا تتوافر فيها الخدمات الأساسية، ومشتروها يظلون على أمل أن تملكها الدولة لهم، وهي معرضة للإزالة بإستمرار.
تنتشر إعلانات بيع العقارات بالتقسيط في محافظات إقليم كردستان على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن السهل ملاحظة أنها تستهدف العرب في أغلب الأحيان، لأن الكثير منها تنشر باللغة العربية، وبأسعار مغرية تقل عن نصف وأحيانا ثلث مثيلاتها في بغداد.
هذا ما يؤكده دانا عمر، الذي يعمل في مجال تسويق العقارات، الذي يقول بأن العرب “أصبحوا جزءاً واضحاً من مكونات المجتمع في الاقليم”، مبيناً أن بعض المجمعات السكنية ذات البناء العمودي تسكنها غالبية عربية، وتتجه شريحة المتقاعدين والموظفين الذين يستطيعون نقل وظائفهم الى كركوك أو الموصل أو حتى محافظات الإقليم الى السكن في تلك المجمعات.
ويضيف “لايقتصر توجه العرب لشراء العقارات بالتقسيط في المجمعات الحديثة فقط، بل يتجه الكثير منهم إلى شراء منازل خارج المجمعات في الأحياء السكنية الاعتيادية والتي تكون أسعارها في العادة اقل من الأسعار في المجمعات ومناسبة لمن باع منزله مثلاً في بغداد او الموصل ويريد شراء عقار مع الاحتفاظ ببعض المال، فالعقارات بصورة عامة في كردستان أرخص وخدماتها أفضل”.
وتعتمد مكاتب بيع العقارات وتأجيرها في اربيل والسليمانية، وبنسبة تصل أحيانا الى 60% على الزبائن العرب، الذين يبحثون عن الاستقرار في اقليم كردستان، وهم خليط متنوع بين تجار ومستثمرين واطباء واساتذة جامعيين وبين متقاعدين وموظفين في منظمات غير حكومية او كسبة وعمال في حقول محددة.
وتتفاوت أسعار العقارات في إقليم كردستان وفقاً لدانا، ويتحدد ذلك حسب موقع العقار والمساحة، ويوضح:”يمكن لمن يمتلك 40 ألف دولار أن يشتري عقاراً بسيطاً والدفعة الأولى من الشقق في المجمعات السكنية لا تتجاوز 20 ألف دولار، وهناك نظام التقسيط والدفع على سنوات، كل هذا غير متاح في باقي مناطق البلاد”.
وإزاء الاعداد المتزايدة للعرب في إقليم كردستان، تم افتتاح مدارس للتدريس باللغة العربية فيها، مرتبطة بوزارة التربية في الاقليم، كان ذلك قبل 2014، وبعد تلك السنة التي شهدت سيطرة تنظيم داعش على محافظات عراقية عدة ونزح مئات الالاف الى إقليم كردستان، افتتحت مدارس فيه تابعة لممثلية وزارة التربية في الحكومة الاتحادية ببغداد، كما ان هناك مدارس أهلية، بل ومراكز لتعلم اللغة العربية يقبل عليها مواطنون كرد.
ارتفاع الأسعار
متخصصون اقتصاديون، يرون أن الأزمة الاقتصادية التي شهدها اقليم كردستان في السنوات الأخيرة بسبب الخلافات بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية بشأن تصدير النفط المنتج في كردستان وعائدات المعابر الحدودية، والتي أثرت على القدرة الشرائية للمواطن الكردي وبالتزامن مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، ساهمت بدورها في تعزيز الحضور العربي بكردستان.
الخبير الاقتصادي الكردي آلان ممتاز، يوضح العلاقة بين تواجد العرب في إقليم كردستان وارتفاع الأسعار فيه قائلاً: “لا شك أن زيادة الطلب على العقارات تسببت في ارتفاع أسعارها إذا ما احتسبت بالدينار، لكن الأموال التي ينفقها أغلب العرب مُنتَجة خارج الاقليم ولها مضاعف اقتصادي”.
والمضاعف الاقتصادي في علم الاقتصاد هو الأثر الإيجابي لإنفاق الأموال في قطاع معين على باقي القطاعات.
ويربط ممتاز تراجع القدرة الشرائية للمواطن الكردي إلى المشاكل مع بغداد والخلل في السياسة الاقتصادية، ويبين وجهة نظره “سنوات من سوء ادارة موارد الإقليم، والحرب الاقتصادية بين سلطات الاقليم والحكومة الاتحادية التي تستخدم قوت الموظفين وسيلة للضغط، أثرت على دفع الرواتب بشكل منتظم في الاقليم وذلك انعكس سلبا على مجمل القطاعات وأدى الى انكماش الانشطة الاقتصادية في الاقليم”.
فمع تعطل دفع الرواتب والانكماش في كردستان، ظهر فرق بين القدرة الشرائية للمواطن الكردي مقابل مداخيل الوافدين العرب الذين يستحصلونها من خارج الإقليم وبشكل ثابت.
الخبير ممتاز، يدين ما يصفها بمحاولات البعض، تأجيج الخلافات بين المكونات، ودفع المواطن الكردي في الاقليم الى رفض سياسة فتح الباب للوافدين العرب، بدعوى أنهم يتسببون بإرتفاع الأسعار، ويقول:”هذا غير صحيح، فلوجود العرب في الاقليم مزايا إقتصادية كثيرة جداً”.
ويعتقد بأن سبب ارتفاع الأسعار في الاقليم، هو الضغوط الاحتكارية للقوى المتحكمة في الأسواق بالإقليم، وليس المستهلك العربي الوافد، على حد توصيفه، وهو ما يجعل:”الاثر الايجابي للمضاعف الاقتصادي غير متوازن بين الطبقات الاجتماعية”.
ويتابع:”محتكرو السوق في الاقليم يمارسون ضغوطاً على مداخيل الطبقات الاجتماعية الدنيا ويستحوذون على أغلب المنافع الاقتصادية”.
من هنا يؤكد ممتاز، ان المواطن الكردي الذي يرى الأثر التضخمي لانفاق الوافدين العرب أكبر من منافع المضاعف الاقتصادي، هو ضحية ليس للعرب الوافدين، بل لمحتكري الأسواق”.
أستاذ الاقتصاد في جامعة السليمانية كامران أحمد، يشير الى جانب آخر فرضه ازدياد استقرار العرب في اقليم كردستان، ويتمثل بالتنافس على فرص العمل المتاحة خاصة مع قبولهم بأجور أقل، ويقول “العامل العربي يقبل بأجر عمل أقل من العامل الكردي، وهذا ما رفع نسب البطالة بين صفوف الايادي العاملة الكردية، لكنه أيضا سمح بتقديم خدمات بأسعار أقل وأكثر تنافسية”.
ولتلافي آثار ذلك وجهت حكومة الاقليم المستثمرين في كافة القطاعات، أن يكون ما نسبتهم 75% من العاملين لديهم من الكرد. لكن الكثير من الشركات واصحاب الأعمال لا ينفذون تلك التعليمات ويلتفون عليها بوسائل مختلفة لتحقيق أرباح أكبر.
ويعود كامران للقول:”أعمال القطاع الخاص البسيطة كالبناء وأعمال النظافة اضافة الى قطاع المطاعم والبيع في الأسواق تشهد تنافساً أكثر من باقي القطاعات بين العرب والكرد بسبب وفرة الأيدي العاملة العربية بعد موجات النزوح في 2014″.
انقطاع ثم تواصل
بحكم الجغرافيا ارتبط العرب والكرد في العراق بعلاقات تاريخية وجمعتهم روابط عدة ثقافية واقتصادية، توضح هذه العلاقة النائبة السابقة في برلمان كردستان بخشان زنگنه قائلةً “عند الكثير من المنعطفات السياسية كان هنالك تضامن عال بين أبناء القوميتين وبنحو عام تربطهم علاقة ودية رغم السياسات العنصرية للانظمة العراقية السابقة ضد الكرد والتي وصلت في بعض المراحل الى حد الابادة العرقية واتباعها سياسة الأرض المحروقة كما حصل في القصف الكيمياوي وعمليات الانفال في ثمانينات القرن الماضي”.
تشكل اقليم كردستان العراق بحدوده الحالية عام 1991 بحماية من المجتمع الدولي ورعاية من الأمم المتحدة في أعقاب انتفاضة الكرد هناك ضد نظام حزب البعث، وشهدت بعدها العلاقة بين سكان الإقليم والعرب في باقي أجزاء العراق انقطاعاً امتد لأكثر من عقدين، وظلا شبه منعزلين عن بعضهما البعض لغاية سقوط نظام صدام حسين سنة 2003.
وتوضح زنكنة جوانب من تلك الفترة :” كان هنالك نوع من الاستقلال والانفكاك الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين غالبية مناطق كردستان والمناطق الاخرى من العراق، ونشأ جيل كردي لا يستخدم اللغة العربية، معلوماته ومشاهداته لباقي مناطق العراق ضعيفة وفي الغالب سلبية نتيجة تراكمات حكم حزب البعث، كما تعززت الروح القومية لدى الكرد”.
لكن الأوضاع تغيرت بعد 2003 وحدث انفتاح بين الشعبين، وساهم الكرد في تشكيل الدولة الجديدة ووضع دستورها وحماية مؤسساتها من خلال قوات البيشمركة التي تواجدت في بغداد ونينوى وكركوك وحمت مناطق حساسة فيها خلال فترة الحرب الطائفية وانتشار المجاميع الارهابية.
أم حسين (40 سنة) قدمت من بغداد الى السليمانية مع زوجها وطفليها اثر الاحداث الطائفية في 2006، تقول:”كنا محاطين بالموت من كل الجهات، لم يكن أمامنا سوى أن نتجه نحو الاقليم للنجاة بأرواحنا”.
فعلت آلاف العوائل ذلك، بما فيها عوائل مسؤولين كبار في الدولة، هربوا من العنف الطائفي الذي تولد بين السنة والشيعة العرب بين عامي (2004-2008)، مفضلين العيش في كردستان المحصنة أمنيا وحيث لا مجال لاستهدافهم من قبل الجماعات المسلحة.
تضيف أم حسين، بنبرة واثقة:”والان بعد كل تلك السنين، كان ذلك افضل قرار اتخذناه، لا مجال للنعرات الطائفية والقومية هنا، نعيش بأمان تام وبعيدين عن أحداث كثيرة وقعت ربما كانت ستودي بحياتنا”.
وحتى مع عودة الأمن لمختلف المناطق العراقية، ترفض السيدة فكرة العودة مجددا: “لن أعود، أصبحتُ وعائلتي جزءاً من هذا المجتمع، زوجي يملك محلاً لبيع الملابس وأولادي اصبحوا في الجامعة يدرسون الهندسة والبرمجة، نشأوا مع اقرانهم من الكرد ويتحدثون الكردية بطلاقة”.
رافضون ومؤيدون
التوجه المستمر للعرب نحو اقليم كردستان، يثير قلق بعض الكرد مثل الشاب ماكوان محمد (20 سنة) الذي يعمل في بيع الفواكه والخضر قرب سوق القلعة باربيل، ويعرب عن خشيته من تحول الاقليم بعد سنوات الى منطقة عربية.
يقول “ستفقد كردستان هويتها فالعرب يملؤون الأسواق والأحياء السكنية، صحيح أن السياحة تعتمد عليهم بالدرجة الأساس، وهم يُنشطون حركة الأسواق عموما، لكن انتقالهم للعيش هنا زاد من الكلف الاقتصادية علينا وباتوا يزاحموننا على فرص العمل الشحيحة أصلاً”.
يضيف بلغة عربية ركيكة وهو يشير الى المحال التجارية “لا يكاد يخلو محل هنا من عمال عرب، انهم ينافسون أهل المدينة على العمل وأصبحنا جميعاً مجبرين على تعلم العربية والتحدث بها في الكثير من الأحيان لأن الكثير من الزبائن هم عرب”.
الكثير من أمثال ماكوان، وبحكم ما يفرضه السوق من قواعد، اضطروا لتعلم العربية بعد ان كانوا لا يعرفون شيئا عنها قبل سنوات. كما تعمد غالبية المحال التجارية والشركات والمطاعم والمستشفيات والعيادات الطبية على تعليق يافطات بالعربية في واجهاتها لاستقطاب الزبائن.
بعكس ماكوان، يرى شيركو مصطفى (50 سنة) الذي يعمل في سوق القلعة، ان وجودهم فرصة لإعادة التواصل بين الكرد والعرب و”التغلب على التعصب المنتشر في صفوف الشباب الكردي نتيجة السياسات السابقة الخاطئة ذات النزعة القومية”، حسب تعبيره.
توافقه في الرأي النائبة السابقة بخشان، وتقول “الممارسات الشوفينية في الاستيلاء على أراض الكرد في المناطق التي يسميها الدستور بالمتنازع عليها، والتمييز ضد السكان الكرد أدى الى خلق روحية عدائية عند الطرفين على المستوى الشعبي في بعض المناطق خاصة في كركوك”.
وهو ما يشدد على تجاوزه صلاح علي، وهو محامي كردي العديد من زبائنه من العرب. ويقول “تلك السياسات يجب ان تتوقف، ويجري العمل بكل ما يخدم التعايش الايجابي بين مختلف المكونات في كل مدن العراق، من خلال معالجة المشاكل التي تثير الحساسيات”.
مخاوف بعض المواطنين الكرد من تزايد أعداد العرب في اقليم كردستان ووجود حساسيات بسبب عدم حسم ملفات خلافية بين الحكومتين، لا يغير الجو الكردي العام المُتفهم والمُرحب باختيار الكثير من العرب العراقيين لإقليم كردستان مستقراً لحياتهم، والذي يترجمه شعورهم بالطمئنينة والراحة والرضا.
أسباب عدة ثقافية واجتماعية يوردها الناشط المدني حسين الجنابي، لتوجه العرب نحو الاقليم والاستقرار فيه “هنا يطغى الطابع المدني على الحياة، والقانون يفرض نفسه، وهناك مساحة أوسع للحريات، كما أن المجاميع المسلحة لا وجود لها، لذا أصبح الاقليم أشبه بالملاذ الآمن للكثير من النشطاء والصحفيين والسياسيين”.
ويُذكر الجنابي، بما حصل خلال احتجاجات تشرين 2019 التي اندلعت في وسط وجنوب العراق ضد الفساد وسوء ادارة النخبة الحاكمة في البلاد “لقد واجه المتظاهرون القتل وتم ملاحقة الناشطين من قبل مجاميع مسلحة، فلم يجدوا مع عائلاتهم الى محافظات الاقليم مكانا آمنا للحفاظ على حياتهم”.
نشرت هذه القصة الصحفية بإشراف شبكة نيريج للصحافة الاستقصائية ويعاد نشرها بالتنسيق مع الشبكة