فندق شط العرب: قصة مدينة بين احتلالين
البصرة- نغم مكي
في رحلة تأخذك عبر الزمن إلى أكثر من 90 عامًا مضت، يقف فندق شط العرب شامخًا بأعمدته المنتظمة وقبابه نصف الكروية ونوافذه الزجاجية العالية ليروي قصة تحدٍ وصمود أمام الزمن والإهمال والحروب المتعاقبة.
موقعه الاستراتيجي في مدخل كورنيش شط العرب في منطقة المعقل النجيبية في الجهة المقابلة لجزيرة السندباد يضيف لمسة من السحر لهذا المعلم الذي يستمر في إبهار زواره برونقه القديم.
الحاج محسن ملا علي رجل تسعيني من أبناء المنطقة يحتفظ بذكرياته القديمة عن هذا المبنى. بصوته المتعب وجسده الذي أنهكه المرض يستعيد الحاج محسن تلك الذكريات قائلاً: “كنت موظفًا في مصلحة الموانئ عام 1949 وكانت دائرة صغيرة تعج بالبريطانيين والأجانب الذين استقروا في البصرة حيث كانوا يعملون. انبهرت بالطراز المعماري للفندق ورأيته أجمل بناء في حياتي”.
في ذلك الوقت كان الفندق ملحقًا بمطار جوي ونهري وموقف كبير للسيارات وصالة واسعة تستقبل المسافرين والمودعين والنزلاء مبلطة بالخشب الباركيه ومفروشة بأثاث جميل ومقاعد من الجلد.
يتابع الحاج محسن: “على يمين مدخل الفندق يوجد ممر إلى الغرف، وأمام المدخل تمامًا هناك قاعة كبيرة تتوسطها ثريا زجاجية براقة تنزل من السقف وتضيء المكان، وعلى يمين القاعة هناك المطعم الذي كان يقدم أطيب المأكولات العراقية والهندية والعالمية”.
ويضيف الحاج محسن: “لقد كان الفندق قطعة من العمارة الأوروبية نُقلت في البصرة لتوفر كل الخدمات لموظفي الاحتلال البريطاني آنذاك و لتلائم نمط حياتهم، من حديقة ومسبح صيفي على النمط المعماري القديم وغيرها من الخدمات والمرافق”.
وبحسب منقذ داغر وهو مؤرخ ومؤسس المجموعة المستقلة للبحوث والدراسات فقد قام الاحتلال البريطاني الأول للبصرة في العقد الثاني من القرن العشرين بإرسال فيلق المشاة الهندي IFED للسيطرة على المدينة الجنوبية، وقرر البريطانيون آنذاك بناء ميناء يخدمهم عسكريًا واقتصاديًا، ووضع خطة لتطوير البصرة، وكلف الكابتن دوكلاس ميدوز من الهندسة الملكية البريطانية بوضع خطط تطوير البصرة ومينائها.
يقول داغر: “كان المهندس معجبًا بالعمارة العراقية وبالزخارف العربية والأقواس والطابوق البغدادي المنجور، فجاء طراز الفندق مزيجاً من تلك العناصر التراثية والأوروبية التي ميزته عن الأبنية الأخرى”.
وشهد فندق شط العرب العديد من التحولات عبر الزمن بدءًا من وضع حجر الأساس ليكون مقراً للموظفين البريطانيين التابعين لسلطة الانتداب عام 1931، ثم افتتاحه عام 1938 بحضور الملك غازي الأول.
وقد أغلق الفندق مطلع الثمانينيات بسبب الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988 وظل مغلقًا إلى أن عادت عجلة الزمن للوراء باجتياح القوات البريطانية للبصرة عام 2003، وتحوله إلى مقر لقيادة العمليات في المحافظة ليشغله أحفاد من قاموا ببنائه، محاطًا بحواجز كونكريتية ونقاط تفتيش وأبراج حراسة.
وتشير مصادر مختلفة إلى أن فندق شط العرب استقبل شخصيات أدبية وفنية وسياسية ذات شهرة عالمية، ومن الذين نزلوا فيه المطرب عبد الحليم حافظ، وكاتبة القصص البوليسية أجاثا كريستي مع زوجها عالم الآثار ماكس مالوان، والعالم والرحالة النرويجي ثور هيردال.
وفي صالات الفندق، كتب ستاتون هوب كتابه الشهير “رحلات المغامر العربي الحاج عبد الله وليمسون المسلماني” وزاره أيضًا الوصي على عرش العراق الأمير عبد الإله.
في أواخر العام 2018 بدأ العمل على إعادة تأهيل وترميم فندق شط العرب، وأحيل العمل إلى إحدى الشركات الاستثمارية مع الشركة العامة لموانئ العراق التي تعود ملكية الفندق لها، وفق خطة زمنية محددة، وبمساحة 71 ألف متر مربع، مع الحفاظ على عدد الغرف 101 والبقاء على طرازه التاريخي وتصميمه الداخلي.
يكشف المستثمر عدنان البطاط عن تفاصيل إعادة تأهيل الفندق، قائلاً إن المشروع يتضمن بالإضافة إلى تأهيل المبنى القديم، بناء فندق جديد فضلاً عن مدينة مائية وسلسلة مطاعم وكافيتريات ساحلية.
وأكد البطاط أن “المشروع سينهض بالواقعين السياحي والترفيهي في البصرة، كما سيوفر فرص العمل خلال مرحلة تنفيذ المشروع”.
لكن بعض المعوقات تؤخر من انجاز الخطة التنفيذية للمشروع وذلك بعد استملاك جزء كبير الأراضي التابعة للفندق لأغراض سكنية سكنية، وتحويل المطار البري والجوي إلى شارع عام بلا أرصفة وجزرة وسطية.
وأضاف البطاط أن أعمال البناء والترميم تزامنت مع افتتاح كورنيش المعقل بعد 21 عامًا من غلقه وهذا بحسب رأيه “يعرقل خطة تأهيل الفندق وإكمال تنفيذ المشروع، ويعرض المواد للسرقة والمبنى لأعمال تخريبية وقد كان الأولى فتح الكورنيش بعد إكمال المشروع ليكون بالصورة الملائمة للخطة”.