جسور بغداد تخلق أزمة نقل … وأبو التكتك يعود بطلاً من جديد
فاطمة كريم- بغداد
تظهر الفرص وقت الأزمات، وفي محنة الزحام المروري وسط بغداد، تظهر لنا صورة حيدر وهو يقود عربة التكتك. قطرات العرق تنهمر من جبينه تحت أشعة الشمس الحارقة، وعيناه تترقبان أي إشارة من المرور، بينما تتوتر عضلاته من شدة القيادة.
حيدر محمد، الشاب الذي لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، يعيش في منطقة الحرية ببغداد ويعمل سائق تكتك منذ أكثر من خمس سنوات. سابقاً كان يقود التك تك في منطقته، أما الآن فيتجول في ساحة عدن.
يقول حيدر: “ازدادت عدد التكتك في الآونة الأخيرة بشكل كبير مما أثر سلباً على الدخل اليومي، لكن مع انطلاق حملات بناء الجسور في بغداد، انتعشت مهنتنا من جديد”.
أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني عن حملة إعمار كبرى تضمنت بناء العديد من الجسور في بغداد، وشملت مناطق عديدة مثل ساحة عدن، ساحة النسور، باب المعظم، بغداد الجديدة والطوبجي. أثرت هذه الحملة على حياة الكثيرين بسبب القطوعات التي فصلت بين أماكن وقوف السيارات وكراجات المواصلات العامة، ما جعل التكتك هو المنقذ الأول للشعب من الزحام المروري.
يستيقظ حيدر عند الساعة السادسة صباحاً، وبعد أن تُعد له والدته وجبة الفطور، يخرج إلى عمله. “تكون ذروة العمل في أوقات الصباح ما بين الساعة السابعة والعاشرة، حيث يخرج الطلاب والموظفون إلى عملهم، وكذلك وقت الظهيرة ما بين الساعة الواحدة والثالثة ظهراً” يقول حيدر.
التكتك هو وسيلة نقل بسيطة ومصدر رزق لكثير من العراقيين، ومع تزايد الطلب على هذه الخدمة، وجد العديد من السائقين في التكتك فرصة عمل وكسب عيش، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها البلد.
وفي خضم التحديات التي تواجهها العاصمة العراقية بغداد، برز سائقو التكتك كشريحة اجتماعية تلعب دوراً محورياً في تلبية احتياجات النقل الضرورية، خاصة في الأزقة والشوارع الضيقة.
يركن حيدر تكتكه إلى جانب أصدقائه في أحد الأماكن المخصصة للوقوف في ساحة عدن. يجلس بداخلها حاملًا بيده عبوة المياه ليرتوي منها بين الحين والآخر، وليخفف عن جسده حرارة الجو منتظرًا زبائنه.
شيماء رعد، المعروفة بأم حسين، وهي في الخامسة والأربعين من عمرها، جاءت من منطقة البياع وهي متجهة إلى منطقة التاجيات. كانت تمشي بخطوات بطيئة، والتعب واضح على ملامحها، حاملة بيدها عدداً كبيراً من الأكياس التي حولت أصابعها إلى اللون الأزرق بسبب ثقلها.
نظر إليها حيدر وبحركة لا إرادية وضع مفتاح التكتك في زر التشغيل وذهب إليها مسرعاً وهو يقول: “تكتك، تكتك”، لترد عليه أم حسين: “نعم، احمل الأكياس عني رجاءً”. حمل حيدر الأكياس ووضعها داخل التكتك، وركبت أم حسين أيضاً، لينطلق بها إلى كراج موقف السيارات.
على الطريق تحاصر عربات التكتك حيدر من كل جانب، لكن حيدر ماهر في المناورة، يكتشف فجأة طريقه، حيث يسلك طرقاً غير الطرق الرئيسة المزدحمة بالسيارات والعمال ومهندسي البناء.
يقول حيدر: “أعرف الطريق جيداً وأسلك الشوارع السكنية بين المنازل حتى أصل بأسرع وقت ممكن، وليس الطرق الرئيسية لأتجنب الزحام الخانق”.
أسعار أجرة التكتك بسيطة مقارنة بالخدمة التي يقدمها، فهي تتراوح بين ألف دينار عراقي للأماكن القريبة وألفين للأماكن البعيدة.
أم حسين تؤكد بأهمية التكتك في مثل هذا الوضع، تقول: “لا أعلم ماذا أفعل لولا وجود التكتك في هذه الأماكن. إنها تنقذنا من متاعب عديدة، مثل حرارة الجو والأتربة، كما تعد وسيلة مهمة للأفراد المرضى، وأنا منهم، فالألم في قدمي لا يسمح لي بالمشي، وسيارات الأجرة أسعارها أعلى بكثير من سعر النقل في التكتك”.
سمير حسين، سائق تكتك في التاسعة والثلاثين من عمره، يسكن في منطقة الطوبجي ببغداد. يعمل سمير في القطع الذي يحد جسر الطوبجي، وهو سائق منذ ثلاث سنوات، يخرج للعمل منذ الساعة الثامنة صباحاً وحتى السادسة مساءً.
لدى هذا السائق ثلاثة أبناء، ويحاول كسب لقمة عيشه من خلال وسيلة نقل بسيطة لتلبية احتياجاتهم. يقول: “كنت أعمل في السوق أبيع الخضروات، لكن مع صعوبة الحياة اضطررت للعمل في التكتك. الآن تركت السوق وتوجهت للعمل في التكتك فقط بسبب انتعاش حركة التكتك بعد حملة الإعمار التي انطلقت بداية العام الحالي”.
يواجه سائقو التكتك العديد من التحديات والصعوبات، فعملهم يتطلب تحمل ظروف جوية صعبة والذكاء في التنقل في مدينة كبرى مثل بغداد، كما يتطلب منهم أن يمتلكوا معرفة واسعة بشوارع وأزقة بغداد مما يساعدهم على تحديد الطريق للوصول إلى أي مكان.
يقول سمير: “نحن نتعامل مع مختلف شرائح المجتمع، لذا فعملنا يحتاج إلى ذكاء في التعامل مع كل فرد”.
يواصل كل من حيدر وسمير عملهما، محاولين انتشال الناس من بين الزحام، ومساعدتهم في حمل الأغراض. بعيون كالصقر، يحاولون العثور على طريق مناسب للعبور، بينما يمسكون بقوة على مقبض التكتك لتبرز على أيديهم الأوردة المزدحمة كالشوارع التي يسلكونها.