متحف العلّامة الوائلي: بغداد تعيد الاعتبار لأحد أبرز خطبائها وأدبائها

بغداد- مصطفى جمال مراد

تزهو مدينة الكاظمية المقدسة ببيوتٍ عريقة كانت سكناً لمشاهير ومثقفين، بينها منزل مميز عاصرت أروقته وجدرانه إحدى أهم الشخصيات الموسوعية في الفكر والأدب والثقافة والدين في العراق. وزينت جدران هذا المنزل بأبهى وأروع ما كتب عن التعايش السلمي بين أفراد البلد الواحد، معبرة عن نبوغ كاتبها، إنه منزل الشيخ والدكتور العلامة أحمد الوائلي.

يقول حفيد الشيخ الوائلي، الدكتور الجامعي وائل الطائي، وهو في الأربعينيات من عمره، إن أسرة الشيخ عملت على تحويل بيته إلى متحف يضم مقتنياته وإرثه الفكري والمعرفي، وأكمل قائلاً: “نعمل على تقليد منهج الشيخ الوائلي وآثاره الفكرية ونتاجاته المعرفية، فضلاً عن تحويل الدار إلى مركز ثقافي”.

هذا المكان في العاصمة بغداد هو المنزل الثاني للشيخ الوائلي بعد بيته الأول في محافظة النجف، كان أن اقتناه في خمسينيات القرن الماضي عندما كان عمره ثلاثين عاماً كمقرّ لإحياء مواسمه التبليغية في مناطق بغداد ومختلف المحافظات العراقية في أشهر السنة المختلفة، ولإتمام رحلته الدراسية في جامعة بغداد. آنذاك أتم الشيخ دراسة الماجستير في تخصص الشريعة والتشريع، وكان كثير السفر لإحياء مواسم التبليغ الخطابي سواء محلياً أو في العالم الإسلامي والدول الأوروبية.

والشيخ العلامة الوائلي واحد من أبرز رجال الدين والخطباء الشيعة المعاصرين في العراق، وهو أديب وأكاديمي حاصل على شهادة الدكتوراة من جامعة القاهرة عام 1972 ولديه عديد المؤلفات الفقهية وآلاف المحاضرات المسموعة والمكتوبة والمرئية، بالإضافة إلى دواوين شعرية.

يشير الدكتور وائل الطائي إلى أن جده غادر هذا المنزل لسبب معين، قائلاً: “اغترب جدي الوائلي بشكل قسري خارج العراق لمدة 24 عاماً، منذ العام 1979 وحتى 2003 بسبب تضييق السلطة الحاكمة آنذاك ومحاولة إجباره على تبني مواقف سياسية عدائية مع دول الجوار”. وأكمل قائلاً: “عهد بتسليم بيته إلى نجله الأكبر، الأستاذ الجامعي الشهيد محمد حسين الوائلي، الذي قطنه منذ العام 1979 وحتى اعتقاله في 1982 وإعدامه من قبل نظام الحكم آنذاك، لا لجرم سوى كونه نجل الشيخ الوائلي “المجرم الهارب” حسب تعبيرهم”.

قررت عائلة الشيخ الوائلي عدم إبقاء البيت فارغاً، فسكنته ابنة الشيخ الوسطى “أم علي” من عام 1982 وحتى الفترة التي تلت وفاة والدها، أي ثلاثون عاماً، عانت خلالها الأسرة من تضييق واضطهاد ومراقبة من قبل السلطات، ثم رجع الشيخ الوائلي بعد إلى المنزل عشرة أيام، عقب سقوط النظام، من يوم 4 تموز حتى يوم وفاته في 14 تموز سنة 2003.

يقول الدكتور وائل الطائي: “فكرة بناء متحف ومركز الشيخ الوائلي ليست حديثة العهد. فقد باشرنا بالفكرة في سنة 2011”. ويضيف: “مر المنزل بخطوات عديدة لتحويله إلى متحف، واستغرقت وقتاً طويلاً بين الإجراءات القانونية والمباشرة بعمليات صيانته وتأهيله بشكل يليق بمكانة الشيخ”.

ويتابع: “ما زال متحف جدي قيد الإنشاء، وتم فتحه بروتوكولياً من قبل رئاسة الوزراء العراقية بقص شريط للإيذان بتجهيز أجنحته وأقسامه ولم نعلن عن إتاحته للجمهور بشكل كامل لأن المنجز من المتحف خمسة أجنحة فقط من أصل خمسة عشر جناحاً جاري العمل على تجهيزها”. 

ويسعى الدكتور وائل الطائي لافتتاح المتحف في وقت قريب وإتاحته للجمهور في شهر أيلول المقبل وسيكون الافتتاح على شكل دعوة لإحياء ذكرى “عميد الفكر الحسيني” كما يلقبه الكثيرون، بما فيهم أقرانه ومن عاصروه ومن شهدوا نهضته وبداياته الفكرية والعلمية.

تبلغ مساحة بيت الشيخ الوائلي نحو ألف متر مربع، ويتكون من 15 جناحاً تبدأ من جناح الصور، ثم جناح المقتنيات، ثم جناح مكتب الوائلي الشخصي، وجناح المكتبة، وجناح المرئيات، وجناح الصوتيات، والجناح الرقمي، وجناح المؤلفات والمخطوطات، وغيرها.

من بين الأجنحة الأبرز جناح يضم كل مقتنيات الشيخ الوائلي التي كانت معه في حلّه وترحاله، من الأوراق الثبوتية وهوية الأحوال ورخصة القيادة، وهنالك جناح خاص بالإلكترونيات، كجهاز الفيديو ومسجل الصوت وعارض الأشرطة وغيرها. 

يقول الدكتور وائل الطائي: “كان جدي يجمع محاضرات ومواد علمية له ولغيره من أجل الإحاطة بشؤون الفكر الإسلامي والحياة الاجتماعية التي يغذي بها مساحات خطابه الذي امتاز بسعة اطلاعه وإحاطته بعلوم الآخرين وشموليته وتعدديته”.

ويضم متحف الشيخ قسماً بملبوسات كخاتمه ومسبحته وعمامته، وهي مقتنيات كانت محفوظة لدى أسرته، من بينها عباءته الدينية التي ارتداها للقراءة على المنبر وهو في مقتبل عمره، وهنالك مقتنيات عديدة لم تعرض حتى الآن.

وتبيّن بعض المقتنيات دقّة الشيخ الوائلي في بعض مجالات حياته اليومية مثل دفتر حساباته وساعة منضدية ترافقه في ترحاله لتنظيم وقته. يقول الدكتور وائل الطائي: “كان جدي يدون على الدفتر حساباته بالدينار العراقي عن تكلفة بناء وترميم منزل الكاظمية. كما كان يستخدم مفكرة الجيب الصغيرة لتدوين نقاط رئيسة عن مواضيعه الهامة وملاحظات تختص بنتاجه المعرفي والخطابي”.

وهناك في المتحف جناح خاص بالكتب والمؤلفات والمحاضرات والخطابات مع العديد من مؤلفات الشيخ الوائلي، وكذلك مقالاته والمباحث التي تتحدث عن فكره ومسيرته الفكرية، بالإضافة إلى كتبٍ كتبت عنه.

يقول الدكتور وائل الطائي: “كان الشيخ يسافر لأماكن عدة لإحياء مواسم التبليغ الخطابية في العواصم العربية والإسلامية التي كانت تزداد طلباً لإحياء مواسم تبليغ دائم لديها”. وتوجد في المتحف بعض التذكارات والتكريمات التي حصل عليها الشيخ الوائلي، فقد كرم من قبل جمعية القرآن الكريم في الإمارات، ومن مؤسسة الإمام الصادق في الكويت، وجامعة البحرين، والنادي الحسيني في لبنان، ومؤسسة أهل البيت في لندن. 

واستغرقت عملية جمع المقتنيات عاماً كاملاً ولازالت أسرة الشيخ الوائلي مستمرة في جمعها، إذ إن للشيخ الوائلي مقتنيات وذكريات مع عائلته في أماكن إقامته المختلفة في الدول المتعددة، وجاري العمل على التواصل مع كل من يمت بصلة بالشيخ من أجل ذلك.

وكانت امانة بغداد قد وجّهت بتأهيل أجنحة المنزل وواجهته وباقي أجزائه، لكن حفيد الوائلي يأمل بأن يجري العمل على إعداد المتحف إعدادًا تاما وكاملاً لكي يكون بالمستوى الذي يحفظ للشيخ الوائلي مكانته ويرتقي به ليكون متحفًا عراقيًا نوعيًا في مصاف متاحف المؤثرين المميزين محليًا ودوليًا. إذ أن كل زاوية في هذا المنزل بجميع تفاصيله تعد ذات مكانة مهمة لدى قلوب أسرة الوائلي ومحبيه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى