مظلة للشمس لا للمطر: قصص عراقيين يكسرون التقاليد في شارع الرشيد

فاطمة كريم – بغداد

في شارع الرشيد ببغداد، يجلس عبد الرحمن داخل محله الصغير الذي يعرض مجموعة متنوعة من المظلات الشمسية. يتحدث مع الزبائن الذين يتوافدون لشراء مظلة شمسية لتفادي أشعة الشمس الحارقة، بينما تطفو ابتسامة عريضة على وجهه.

عبد الرحمن سلمان، البالغ من العمر 38 عامًا، يقطن في منطقة الشواكة ببغداد. لديه محل في وسط شارع الرشيد منذ أكثر من 15 عامًا، يبيع فيه جميع اللوازم المدرسية من قرطاسية وغيرها وكذلك اللوحات الفنية. لكن في الآونة الأخيرة، أصبح يعرض بضاعته من المظلات الشمسية داخل محله. 

يقول عبد الرحمن: “في البداية، واجهت الكثير من الصعوبات بسبب سخرية البعض مني، حيث كانوا يقولون إن المظلات تُستخدم فقط في فصل الشتاء. لكنني كنت مقتنعًا بأهمية ما أقدمه، وقررت الاستمرار”.

بدأت قصة عبد الرحمن في العام الماضي، عندما شهدت درجات الحرارة ارتفاعًا كبيرًا تجاوز 50 درجة مئوية، مما تسبب في العديد من حالات الإغماء. 

يقول عبد الرحمن: “لدي ابن يتطلب عمله الوقوف لساعات طويلة تحت أشعة الشمس، وذات يوم وصل إلى حالة إغماء.” يكمل حديثه: “كل فرد ينشر أفكاره من المكان الذي يعمل فيه، وأنا قررت أن أنصح الناس بحمل المظلات لتفادي خطورة الحرارة على حياتهم”.

وبالفعل، استمر عبد الرحمن في شراء المظلات، وسرعان ما لاقت إقبالاً كبيرًا. فمع ارتفاع درجات الحرارة، شعر الناس بالحاجة إلى حماية أنفسهم من أشعة الشمس الضارة، ووجدوا في مظلات عبد الرحمن الحل.

في ظل ارتفاع درجات الحرارة عالميًا وتزايد الوعي بالأضرار الناجمة عن أشعة الشمس المباشرة على الصحة، يقدم عبد الرحمن حلولاً لمواجهة هذه المشكلة. ومن بين هذه الحلول، برزت المظلة الشمسية كأداة ضرورية لحماية الناس من الحر.

لكن، في مجتمعاتنا، بحسب عبد الرحمن، ما زالت هناك نظرة سلبية تجاه استخدام المظلات، خاصة في فصل الصيف. فلطالما ارتبطت المظلة الشمسية في أذهان الكثيرين بالشتاء والمطر، واستخدمت للحماية من البرد والرطوبة. إلا أن “زيادة الحرارة في السنوات الأخيرة دفعت العراقيين إلى إعادة النظر في هذه المفاهيم التقليدية. فمع اشتداد الحرارة، أصبحت الحاجة ملحة إلى وسيلة فعالة لحجب الشمس الضارة وحماية البشرة من الآثار السلبية للأشعة فوق البنفسجية”.

يفتتح عبد الرحمن محله عند الساعة التاسعة صباحًا، أما في يوم الجمعة فيفتتحه عند الساعة السابعة صباحًا. يقول عبد الرحمن: “يزدحم السوق في يوم الجمعة منذ الصباح الباكر، لأن معظم الناس يأتون للتبضع وزيارة سوق الغزل وشارع المتنبي وشارع الرشيد، لذلك أفتتح مبكرًا لاستقبال الزبائن”.

تأسس شارع الرشيد عام 1910م وسط بغداد. ففي 23/7/1910، أسس الوالي العثماني خليل باشا شارع الرشيد، الذي يبدأ من سوق هرج في منطقة الميدان بمسافة ثلاثة كيلومترات مرورًا بشارع المتنبي ومنطقة السنك، لينتهي عند بداية شارع أبو نؤاس تحت جسر الجمهورية. ويتميز الشارع بوجود ألف عمود من الخرسانة ذات التيجان على شرفاته، ويبلغ بعد الواحد منها عن الآخر أربعة أمتار.

يضم شارع الرشيد العديد من المحال التجارية المتنوعة في البضائع، ويستقطب الزبائن من مختلف الشرائح. فتوجد فيه المقاهي والمطاعم التراثية، ومحلات بيع الأنتيكات والتحف، وكذلك محلات لبيع المستلزمات القرطاسية والكهربائية، والعديد من المكتبات التي تجذب القراء.

“في ظل ارتفاع أسعار العديد من المنتجات، يقدم عبد الرحمن منتجًا أساسيًا بسعر مناسب”. يقول: “الأسعار تتغير مع حركة الدولار، لكنني أحافظ على أسعار ثابتة لزبائني، حيث يتراوح سعر المظلة بين خمسة آلاف دينار عراقي إلى خمسة عشر ألف دينار عراقي، حسب حجمها وجهة إنتاجها”. 

عباس كاظم، الملقب بـ”أبو محمد”، البالغ من العمر 52 عامًا، هو أحد زبائن عبد الرحمن. يقول: “نصحني ابني بحمل المظلة أثناء عملي أو عندما أسير في الشوارع. في البداية، رفضت وكنت أخشى نظرة الناس، لكن بعد أن جربت فائدتها، أصبحت لا أتركها أبدًا. فهي صديقتي التي تسير معي في كل مكان، حتى عندما أذهب لشراء الخبز أو الخضروات”.

يثني عباس على عمل عبد الرحمن ويشجعه على الاستمرار في نشر فكرته وبيع المظلات، ويقول: “المظلات التي يبيعها عبد الرحمن ممتازة، وكل جمعة أتي هنا إلى شارع الرشيد للتبضع لأطفالي وأشتري لهم مظلات يفرحون بها جدًا”.

من الأفراد الآخرين الذين يواظبون على حمل المظلات منذ فترات طويلة، مريم حميد، وهي فتاة تبلغ من العمر 27 عامًا. مريم طالبة في جامعة بغداد وتعمل أيضًا في أوقات العطلة الصيفية داخل أحد المطاعم في منطقة الكرادة. 

تقول: “أنا أشتري مظلة كل صيف لأنني أعاني من الشمس الحارقة. في البداية، كنت أخجل من حمل المظلة، وأشعر بالغرابة لأنني الوحيدة التي تحملها. لكنني كنت أعلم أنني أحمي نفسي، بينما يعاني الآخرون من حرارة الشمس”. 

تواصل حديثها: “صيف هذا العام يبدو مختلفًا تمامًا عن السنوات الماضية. فقد أصبحت أرى الكثير من الشباب وحتى كبار السن يحملون المظلات في كل مكان، وهذه إشارة جيدة بالفعل”.

قصة عبد الرحمن ليست مجرد قصة رجل يبيع المظلات، بل هي قصة تحدٍ وإصرار على تغيير النظرة المجتمعية. لقد تمكن عبد الرحمن من اقناع الكثير من زبائنه لأن حمل المظلات في الصيف ليس أمرًا غريبًا أو مخجلاً، بل هو سلوك طبيعي ومفيد. يقول عبد الرحمن: “علينا أن لا نخاف من أن نكون مختلفين عندما نقوم بأمر ما، خاصة إذا كان يتعلق بصحتنا وسلامتنا، ويجنبنا الأمراض”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى