الخبز الجاف تجارة تنتشر في العراق رغم مخاطرها الصحية
بغداد – سارة القاهر
فجر كل يوم، ومنذ عام 2020، ينهض جاسم عبد الزهرة، 30 عاماً، للتجول في منطقة التراث في العاصمة بغداد، لالتقاط الخبز الجاف من صناديق القمامة المنتشرة في شوارع المنطقة وأزقتها.
وعلى الرغم من أن هذا العمل يشتمل على مشاكل صحية ونفسية، إلا أن عبد الزهرة يشعر بشيء من الراحة والرضا حين يعود في الظهيرة إلى أسرته، وقد حصل على قدر من المال بعد بيعه لما جمعه من الخبز الجاف.
يتراوح المبلغ اليومي الذي يحصل عليه عبد الزهرة من الخبز الجاف بين خمسة عشر إلى عشرين ألف دينار، يمكنه من سد رمق أسرته بالقدر الممكن.
بدأت فكرة جمع الخبز الجاف لدى عبد الزهرة عام 2018، عندما كان يشاهد الخبز ملقى في القمامة بكميات كبيرة، وأن هناك من يشتريه، لكنه لم يكن يتصور أن جمع الخبز سيصبح يوماً العمل الذي يقتات منه.
كان عبد الزهرة متردداً في مزاولة هذا العمل خشية الإحراج والحياء من أبناء منطقته، ولكن مع انعدام فرص العمل وتدهور الوضع الاقتصادي في البلاد، وجد نفسه مندفعاً للعمل بجمع الخبز الجاف بعد عامين من التردد والخجل.
هكذا هو الحال منذ أربع سنين، يدور عبد الزهرة حول صناديق القمامة مبكراً خشية أن يسبقه أحد إلى جمع فتات الخبز من صناديق القمامة. يقول جاسم عبد الزهرة في حديث لـ”المنصة”: “أستيقظ قبيل أذان الفجر وأخرج لأجمع كل ما تقع عيني عليه من الخبز من صناديق القمامة أو الخبز الملقى في الشوارع والأرصفة، ثم أذهب إلى المطاعم والأفران لأحصل على الفائض من الخبز”.
ويضيف، “يستمر دوراني في المنطقة من أجل جمع الخبز حتى وقت الظهيرة، ثم بعد ذلك أتوجه لبيع ما جمعت على الوكلاء المنتشرين في مناطق عديدة من العاصمة بغداد”، مؤكداً أن عمله يتضاعف خلال مناسبات الأعراس والأعياد والمناسبات الأخرى، إذ يحصل على كميات وفيرة من الخبز.
ويلفت عبد الزهرة إلى أنه “يقوم أحياناً بتنظيف الخبز من الأوساخ وتجفيف غير الجاف منه من خلال وضعه في الشمس، ثم يضعه في كيس كبير ويذهب به إلى السوق” ويؤكد أنه “يحصل على مبلغ قدره 20 ألف دينار عن كل كيس بوزن 50 كغم، وقد يزيد هذا المبلغ خلال المناسبات التي تتيح له جمع قدر أكبر من الخبز”.
الكميات الكبيرة من الخبز الفائض عن حاجة العائلات والأفران والمطاعم، والتي تلقى يومياً في حاويات القمامة في بغداد ومحافظات العراق، أصبحت تشكل عملاً حيوياً ومصدراً مهماً من مصادر العيش للكثير من الطبقات الاجتماعية المعدمة.
وازدهر العمل في مجال الخبز الجاف وأصبح يُمارس على نطاق واسع بعد عام 2003، إذ كان بيع الخبز الجاف قبل ذلك الوقت يقتصر على ثلة من أصحاب المواشي الذين يطرقون البيوت للحصول على الخبز الفائض مقابل ثمن بخس أحياناً أو بالمجان غالباً.
وبسبب انتشار تجارة الخبز الجاف، فقد أصبح لها وكلاء في مختلف مناطق العاصمة وبقية المحافظات، ففي منطقة أبو دشير جنوب بغداد، ثمة وكلاء عديدون يصطف جمع من الناس حول محلاتهم لبيع الخبز الجاف.
يقول الوكيل أبو عمار، 60 عاماً، في حديث لـ”المنصة”: “نشتري الخبز الجاف من المواطنين بأسعار تتذبذب بين الارتفاع والانخفاض بحسب الطلب”، منوهاً إلى أن “سعر الكيس الكبير (الشوال) من الخبز الجاف الذي يقدر وزنه بـ16 كيلوغراماً يصل إلى 400 ألف دينار.”
ويتابع، “نقوم نحن الوكلاء بدورنا ببيع الخبز الجاف لأصحاب الأغنام والمواشي، أو نذهب به إلى أصحاب معامل التدوير، لنحصل على أرباح جيدة نسبياً”.
ويعود انتشار جمع وبيع الخبز الجاف بين فئة الشباب بسبب تفشي البطالة وانعدام فرص العمل، فوجد الشباب من أبناء الطبقات المسحوقة في ذلك فرصة ممكنة للعيش.
وبلغت نسبة البطالة بين الشباب في العراق، بحسب إحصائية البنك الدولي لعام 2022، أعلى مستوياتها منذ 30 عاماً، وسجلت أكثر من 36 بالمئة، وسط غياب الحلول الحكومية لتفادي خطر البطالة.
ثمة مشكلات يعاني منها العاملون في تجارة الخبز الجاف، منها تعرض الخبز للعفن، فيصبح غير صالح لتغذية المواشي.
البائع الشاب عبد الكريم لازم، 26 عاماً، يوضح في حديث لـ”المنصة إنه “يقوم بتفقد الخبز الجاف بعناية قبل البيع، إذ يعرضه للكسر والتجفيف قبل تعبئته بأكياس كبيرة”، مبيناً أنه “يسوّق ما يتراوح بين طنين إلى ثلاثة أطنان من الخبز الجاف شهرياً، وهي كمية قليلة بالمقارنة مع وسطاء كبار يتداولون مئات الأطنان شهرياً”.
ولا يقتصر العمل في جمع وبيع الخبز الجاف على الرجال فقط، فهناك شابات يبصرهن الناس كل صباح يجمعن الخبز من القمامات ضمن مشهد يصيب الكثيرين بالخيبة والإحباط.
تؤكد البائعة هيفاء رجب، البالغة من العمر 17 عاماً، أنها “تقوم بجمع الخبز التالف أو الفائض عن الحاجة من أجل تجفيفه وبيعه على الوكلاء”، لافتة إلى “تعاون أصحاب الحي معها، الذين يقومون بدورهم بمنحها ما يفيض عن حاجتهم من الخبز”. وتشير رجب إلى أنها تحصل على مبلغ 30 ألف دينار عن كل (كيس كبير)، يمكنها جمعه في غضون يومين أو ثلاثة”.
الأوضاع السياسية والاقتصادية التي يشهدها العراق منذ ما يربو على العشرين عاماً غيّرت الكثير من القيم والمفاهيم الاجتماعية، وأصبحت الأعمال التي كان يعاف منها كثيرون في وقت سابق أمراً عادياً.
ويؤكد محمد موسى، وهو كاتب وصحفي في تصريح لـ”المنصة” أن “ثمة تداخلاً حصل بين الطبقاتلدرجة تكاد تتلاشى معها الطبقة المتوسطة من الموظفين والعمال والكسبة، ليس بسبب الأوضاع الاقتصادية فقط، بل لأن الوضع السياسي أثر على جميع الطبقات الاجتماعية بدرجة كبيرة”.
ويضيف، “ممارسة بيع وشراء الخبز الجاف كانت حكراً على أصحاب المواشي الذين طالما يحصلون على غذاء مواشيهم من الخبز وغيره من الفضلات، أو من بعض البيوت دون ثمن، إذ لم تكن عادات العراقيين تسمح ببيع الخبز فهو يُمنح لمن يحتاجه مجاناً”، لافتاً إلى أن “بيع الخبز الجاف لا يعده العراقيون عملاً، بل كانوا يعيبون على من يتسلم أجراً مقابل الخبز الجاف، إلا أن ذلك أصبح اليوم عملاً لا يتسبب بإحراج لأحد”.
ويوجز الأطباء الأضرار والمخاطر الصحية التي يتعرض لها من يمارس العمل بالتقاط الخبز الجاف من النفايات مدة طويلة، وأبرز هذه الأضرار، التهاب الجلد، والإصابة ببكتيريا الكزاز، والهباء الحيوي الذي يصفونه بأنه كائنات دقيقة ترتبط مع النفايات، ويؤدي استنشاقها لفترة زمنية طويلة إلى أضرار صحية جسيمة، بالإضافة إلى غيرها من المخاطر الصحية التي تهدد الصحة.