بدلاً من رمي الخيوط البلاستيك والأسلاك.. فنان شاب يصنع منها أجمل اللوحات
بغداد- سارة حسين خزعل
في أحد الأزقة حي الأمين الثانية، أحد أحياء العاصمة بغداد في جانب الرصافة، يجهزّ سلمان كريم أدواته للبدء بإنجاز لوحته الخاصة باستخدام أدوات غريبة مثل الخيوط والمسامير والبلاستيك وحتى القصب.
سلمان كريم، ذو الثلاثين عاماً، نحات ورسام عُرف باستخدامه للفن بطريقة مختلفة وإبداعية، حيث يستخدم أدوات غير تقليدية مثل الخيوط، سدادات قناني المياه، الصابون، أزرار الكيبورد وحتى أعواد الأسنان الخشبية.
يستيقظ سلمان في حدود الساعة الخامسة صباحاً، ثم يذهب لعمله كنجار قالب. ومهنة نجار القالب تعني تشكيل وتدعيم القوالب الإنشائية وفقاً للأشكال المراد صناعتها من خلال تنفيذ خطط الرسوم والأشكال.
يتحدث سلمان كريم عن بداياته حينما كان في الابتدائية، وكان معلم الرسم يعطيهم رسومات بسيطة، لكنه كان يتميز عن أقرانه بأنه كان يبدع في رسوماته ويضيف لها لمساته الخاصة. وكانت أولى بداياته تتمثل في نحته على الصابون بطريقة مختلفة وجميلة، حتى أنه كان يصبغ الصابون لتبدو كقطع حقيقية لدرجة أنه لا يمكن تصديق أنها مصنوعة من الصابون.
يقول سلمان: “أتذكر أول لوحة عملتها، لم تكن هناك حينها منصات تواصل اجتماعي بكثرة كما هي الآن. ما زلت أذكر كيف ذهبت إلى شارع المتنبي واشتريت أدوات رسم وألوان زيتية، وعندما أكملت اللوحة جلبتها إلى والدي. كان في حالة من الذهول وقال: “أنا لا أصدق أنك أنت من رسمها فعلاً”. منذ ذلك الوقت وأنا أحاول أن تكون لوحاتي مبهرة كما أبهرت والدي”.
ترك سلمان دراسته عندما كان في الصف الخامس ليبدأ في مواجهة الحياة، وتمكن من العمل كنجار ونحات ورسام، وكان عمره آنذاك 14 عاماً.
يتميز الفن الذي يقدمه سلمان بتخليه عن الريشة والأدوات والألوان التقليدية واستخدم أدوات من البيئة المحيطة أو من المواد القابلة لإعادة التدوير.
يقول سلمان كريم: “لقد عملت على لوحاتي من مواد بسيطة ومتوفرة في كل بيت، مثل البراغي، الفلين، الخرز، القصب، وسدادات قناني المياه. أقوم بإعادة تدويرها واستخدامها في لوحاتي، وهذا هو هدفي من إعادة التدوير بدلاً من رمي الأشياء. أقوم بإعادة تدوير كل تلك المواد وأعمل منها أجمل اللوحات، وهذا ما جعلني أحظى بشهرة عالية وإقبال كبير من قبل الناس”.
يقول سلمان إن كل لوحة يقوم بعملها لها ذكرى خاصة عنده، فلكل لوحة نكهة وطعم مختلف وذكرى تظل في ذاكرته كلما نظر إلى أحد لوحاته. حتى أنه يتذكر كيف عمل اللوحة وفي أي ظرف كان، “فكل لوحة لها مشاعر خاصة وموقف كان سببًا في عمل هذه اللوحة”. فهو يعبر عن مشاعره في كل لوحة بأسلوبه، لكن أكثر اللوحات التي ينجزها سلمان كريم هي لإحياء ذكرى مفكرين ومبدعين عراقيين وعرب.
يتحدث عن عمله للوحات بأنه يبدأ باختيار الشخصية التي يود عملها، ويتخيل اللوحة في ذهنه حتى أدق تفاصيلها، ومن بعدها يبدأ باختيار الخامة أو المادة التي سوف يعمل منها اللوحة. يشير إلى أن اختيار الخامة للوحة أصعب من اختيار الشخصية، ثم يبدأ بغسل الأدوات، “بعض الخامات تحتاج إلى قص مثل الأخشاب، وبعضها يحتاج إلى قص أطراف وبرد، وبعدها يصبغها ويستخدمها للوحات”.
يشرح سلمان طريقته المميزة في العمل: “أضع خامات مختلفة ومميزة وموجودة في الواقع حتى يتمكن المتلقي من رؤيتها”. ويشير إلى أهم العوائق التي يواجهها في عمله، وهي صعوبة استخدام الصمغ الذي قد لا يتناسب مع الأداة التي يستخدمها في عمل اللوحة.
لم يتوقف سلمان عند هذا الحد، فهو يسعى للتطور أكثر في عمله، حتى أنه أتقن فناً آخر وهو فن المكياج السينمائي، الذي يُعرف بأنه “تقنيات تستخدم عن طريق النحت والتشويه للشكل المطلوب تجسيده”، فضلاً عن فن آخر وهو فن “البكسل” الذي يُعرف بأنه أحد أقسام الفن الرقمي الرسومي الحديث الذي يعتمد على الرسم الدقيق، حيث يشكل رسام فن البكسل رسمته بتفاصيل دقيقة تكون من خلالها شكلًا أو رسمة أو صورة معينة.
يسعى سلمان لأن يصبح له اسم في عالم الفن، ويقول: “أنا لم أشاهد رسامًا آخر يعمل مثل نمطي، لكن لا أعلم، ربما في المستقبل ينتشر فن البكسل أو يكون هناك من يحب أن يعمل مجسمات من الصابون مثلما أفعل” ويُذكر أنه شارك في معارض عديدة ومسابقات، وحصل على جوائز عديدة.
يقول سلمان للمنصة: “حبي للفن كان هو الدافع الأول لي لأعمل في هذا الفن، ودعم عائلتي لي كان الداعم الأول لي. ولكن برأيي الشخصي، على الإنسان أن يجد هوايته بنفسه كي يؤدي رسالته في الحياة، وأن يكون هناك معنى وهدف لحياته. أنا أنصح من يرى كلماتي ألا يتوقف عن البحث عن هويته الحقيقية، لكي يجد نفسه في هوايته وموهبته”.
بعد انتهاء عمله، يعود سلمان إلى منزله ليأخذ قسطاً من الراحة، وبعدها يذهب للتمرين في “الجيم”، كونه لاعب كمال أجسام أيضاً، أما عمله في اللوحات فلا يكون في أوقات محددة.