من أجل مقعد في المدرسة: معاناة أم وابنتها مع الروتين الحكومي
بغداد- غدير الخنجر
تقف رشا بجانب شباك صغير في غرفة شؤون الطلبة بمقر تربية شارع فلسطين، بينما يتساقط العرق من جبينها. جاءت لإنجاز معاملة نقل ابنتها آمنة إلى مدرسة أخرى، إذ بلغت الابنة المرحلة الإعدادية، وهي مرحلة دراسية حاسمة ستحدد مصيرها في المستقبل.
الأم البالغة من العمر ثلاثين عامًا، كانت تسكن في منطقة البلديات في بغداد ثم انتقلت إلى منطقة المشتل. تزامن انتقالها مع بداية العام الدراسي الجديد، فبدأت رحلة البحث عن مدرسة إعدادية مناسبة لابنتها. لكنها لم تتمكن من تغيير بطاقة السكن، مما منع ابنتها آمنة من الالتحاق بمدرسة قريبة من منزلها الجديد.
تقول رشا للمنصة: “لقد تقصيت كثيراً عن المدارس الجيدة لتلتحق بها ابنتي الوحيدة، التي أحرص جداً على مستقبلها، لكن الأمر الذي يخيفني هو أنني لا أستطيع نقلها بسبب بطاقة السكن، وستتأخر عن الالتحاق بالمدرسة.”
تفوقت آمنة في مسيرتها الدراسية منذ الابتدائية وتحلم بأن تدخل في كلية الطب ليكون والديها فخورين بها، فهي تتمتع بذكاء مميز يجعلها تتفوق في كل عام. تتابع الأم بحزن وتعب بادٍ على وجهها قائلة: “استيقظت في الصباح الباكر، استأجرت عربة (تكتك) وتوجهت إلى المدرسة الجديدة، لكنهم أخبروني أن أمر النقل لم يعد من صلاحيتهم. فتوجهت سريعاً إلى مقر التربية في شارع فلسطين حتى رأيت جموع الناس المحتشدة على الأبواب والكل حائر لا يعرف أين يذهب، والأوراق بيدهم”.
وتضيف: “اشتريت ورقة وملفاً لعله يتقبلون ورقة النقل مني. انتقلت من غرفة إلى غرفة، وكل غرفة تحتاج إلى ساعة للوصول إلى المسؤول فيها”.
يعيش المراجعون لدوائر الدولة في بغداد أجواء روتينية معقدة قد لا تؤدي في النهاية إلى نتيجة، إذ يشتكي كثيرون من أن المعاملات إما تتعطل أو تُرفض، ومن أن إنجاز معاملة يتطلب الكثير من المراجعات والتنقل من مكان إلى آخر وسط زحام الشوارع، والوقوف في طوابير طويلة لساعات، إضافةً إلى إنفاق المال بلا فائدة.
في مقر التربية وهو بناية صغيرة ومكتظة، يتكدس أولياء الأمور وأبناؤهم، مما يؤدي إلى التزاحم والشجارات التي تتصاعد مع تزايد الإحباط.
رشا واحدة من هؤلاء الذين وقعوا في فخ الروتين الحكومي. تقول: “أتحمل كل هذا التنقل بين الغرف، والزحام مع الناس، فقط من أجل توقيع بسيط على ورقة. أحياناً يخبرونني أن الإجراء المطلوب ليس هنا. لكن ما صدمني حقاً أنه في نفس اليوم الذي كنت أتابع فيه معاملة النقل، أعلن المدير العام أن صلاحية النقل عادت إلى المدرسة نفسها”.
تنظر آمنة، ابنتها، إلى الساعة، إنها الثانية عشرة ظهراً. تتساءل الأم: “هل يُصدر مثل هذا القرار الإداري في هذا الوقت؟”. هكذا تجد نفسها في حيرة من أمرها، بين خيار العودة إلى المدرسة ومواجهة احتمال أن يُقال لها إن التبليغ لم يصل بعد، أو التعامل مع الموظفين الذين يرفضون معاملتها ويطلبون منها العودة إلى المدرسة.
تعاني المدارس العراقية من الاكتظاظ الشديد، معظمها لم تعد قادرة على استيعاب الأعداد الكبيرة من الطلاب، مع نقص حاد في عدد المباني المدرسية والكتب. هذا الوضع أدى إلى صعوبة نقل الطلاب من مدرسة إلى أخرى، بالإضافة إلى نقص الكوادر التعليمية في المدارس.
في تصريح سابق، أشار وزير التربية العراقية، إبراهيم نامس الجبوري، إلى أن نهاية عام 2025 ستكون موعداً لحل مشكلة الأبنية المدرسية. وأوضح أن الوزارة بحاجة إلى بناء عشرة آلاف مدرسة لتحقيق نظام دوام أحادي في معظم المحافظات. كما أضاف أن نهاية عام 2024 ستشهد بناء عدد كبير من المدارس الممولة من القرض الصيني، وأن “الموازنة الثلاثية حلت مشكلة طباعة المناهج الدراسية”.
استأجرت رشا مرة أخرى عربة “تكتك” للتوجه إلى منطقة المشتل شرق بغداد للوصول إلى مدرسة الكرامة التي تنوي تسجيل ابنتها فيها. تقول: “رأيت اكتظاظ الناس والطلاب عند باب المدرسة، ولم يسمحوا لهم بالدخول. سألت الشرطي الذي يقف عند الباب ويمنع أولياء الأمور من الدخول، كيف لي أن أدخل معاملة النقل إلى المديرة؟ أخذ ورقة النقل وتحدث للناس قائلاً: إن أوراق النقل ستدقق من قبل مشرفي التربية داخل إدارة المدرسة حسب السكن ورقم الدار ودرجات الطالبة”.
فرحت رشا في داخلها، تقول للمنصة، فهي تعلم أن ابنتها متفوقة وسيتم قبولها على هذا الأساس. مرت ساعتان ولم يأتِ أي خبر إداري بالقبول لجميع الناس. بدأ اليأس يتسلل إلى قلبها، فأدركت أخيراً أن لا جدوى من الوقوف تحت أشعة الشمس. طلبت من الشرطي أن تتحدث مع المديرة، وما أن دخلت غرفة الإدارة حتى علمت أن جميع معاملات النقل قد رُفضت من قبل مشرفي التربية بسبب بُعد الرقعة الجغرافية للطالب، ولأن المدرسة لا تستطيع تحمل أعداد الطلاب في المنطقة المشمولة.
أكدت رشا للمشرفين أن ابنتها متفوقة وتريد الالتحاق بهذه المدرسة لتضمن تعليماً جيداً. لاح الرفض مجدداً على وجه المشرف، فعادت رشا خالية الوفاض، لتبدأ رحلتها في البحث عن مدرسة أخرى تستقبل ابنتها.
أنجزت هذه القصة ضمن سلسلة مقالات بدعم من برنامج قريب، وهو برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)