“هموم ولايتي”.. فرقة لمسرح الشارع أسسها عمال بلدية في ذي قار
ذي قار- مرتضى الحدود
في بلدة الرفاعي شمال الناصرية، حيث تتناقض أحلام الناس مع واقعهم، قرر مجموعة من عمال البلدية أن يصنعوا فرقاً بعد أن شعروا بمسؤوليتهم تجاه المجتمع. بدأوا في معالجة الأخطاء والظواهر السلبية التي تؤرق حياة الناس، فأطلقوا فكرة إنشاء فرقة تمثيلية تحت مسمى “هموم ولايتي”، لتكون صوتاً يعبر عن معاناتهم وآمالهم.
تتجمع الفرقة المسرحية في زوايا المدينة، يحوّلون شوارعها وأزقتها إلى مسرح مفتوح أمام المارة ويقدمون عروضاً تمسّ قضايا مجتمعهم مثل الفقر والانتحار والبطالة، وكل عرض يحمل رسالة مجتمعية واضحة، مما جعلهم يحظون بمحبة الجميع. بالنسبة لهم، لم يكن التمثيل مجرد فن، بل وسيلة لإحداث تغيير حقيقي، وسرعان ما أصبحت فرقتهم عنواناً ثقافياً في هذه البلدة التي تغفو على نهر الغراف.
حسين ناصر، مراقب عمل في بلدية الرفاعي، يصف نفسه بأنه شخص يسعى للتغيير الإيجابي في مجتمعه. رغم عدم حصوله على شهادة أكاديمية في الفن أو المسرح، إلا أن تأثره بالظواهر الاجتماعية جعله يتبنى فكرة استخدام الفن كوسيلة لمعالجة القضايا المجتمعية.
“من خلال مسرح الشارع، يمكننا نقل معاناة المجتمع والتفاعل مع قضاياه بشكل مباشر”.
في حديثه للمنصة، يبيّن ناصر كيف تأسست الفرقة عام 2021 وسط ظروف جائحة كورونا. في جلسة مع أصدقائه انبثقت فكرة تقديم مشاهد تمثيلية لتوعية الأهالي من خطر انتشار الوباء.
بدأ حسين بكتابة السيناريو، وبعد التنسيق مع المسؤولين، بما في ذلك الوحدة الإدارية في قضاء الرفاعي ودائرة الصحة، تم تجهيز سيارة إسعاف لتكون جزءاً من المشهد التمثيلي، لتعزيز واقعية العرض وإبراز أهمية الوقاية من الفايروس.
شارك في هذا المشروع الفني نحو عشرة من أصدقائه، جميعهم من موظفي البلدية، إداريين وسائقين وعمال يشتركون في الشغف بالتمثيل. انطلق العرض عصراً واستمر لمدة 30 دقيقة وتم تصويره بكاميرا واحدة مع إجراء بعض التعديلات في المونتاج لاحقاً.
عند نشر الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي حظي بتفاعل إيجابي من الجمهور إذ بلغ عدد مشاهداته المليون مشاهدة مع آلاف التعليقات التي أشادت بجهود حسين ورفاقه مما حفز الفرقة على مواصلة العمل في عالم التمثيل والفن.
اعتمد حسين على التمويل الذاتي لمشاريعه الفنية، فقام بشراء بعض المعدات البسيطة الضرورية لإنتاج المشاهد، واستغل منصات التواصل الاجتماعي ليؤسس قناة على يوتيوب تحت اسم “هموم ولايتي”، مستخدماً هذا التعبير المحلي لجعله قريباً من أهل مدينته.
بعد مرور أربع سنوات، توسع فريق العمل ليصل إلى 17 شخصاً، بعضهم من خارج دائرة البلدية، أنتجوا نحو 40 مشهداً تمثيلياً، حقق أحدها، الذي يتناول ظاهرة الانتحار وآثارها، أعلى نسبة مشاهدة بلغت 5 ملايين.
رغم أن حسين وفريقه لا يمتلكون خشبة مسرح أو قاعة مخصصة، إلا أنهم يعتمدون على تقديم عروضهم في الأماكن العامة كالأسواق والأرصفة وينسقون مع الأجهزة الأمنية لضمان عدم حدوث مضايقات خلال الأداء، مما يتيح لهم الوقت لتقديم عروضهم بطريقة سلسة وآمنة.
ورغم حداثة حسين في كتابة السيناريو، إلا أنه استطاع أن يحقق تطوراً في أسلوبه الفني وفي كتابة السيناريو وتوزيع الأدوار. يقول: “أستند إلى الواقع في كل مشهد، وأشجع المشاركين على إضافة لمساتهم الشخصية بناءً على تجاربهم الحياتية، مما يزيد من تأثير الرسالة التي يحملها العرض”.
في حديث للمنصة، أكد نقيب الفنانين في ذي قار، علي عبد، أن مسرح الشارع يمثل مدرسة حيوية تعكس صورة المجتمع بكل ظواهره الإيجابية والسلبية، وأضاف: “من خلال مسرح الشارع، يمكننا نقل معاناة المجتمع والتفاعل مع قضاياه بشكل مباشر”.
ويوضح عبد أهمية التجربة التي تلعبها هذه الفرقة من حيث خروج الفنانين من القاعات الرسمية إلى الشارع ليكونوا صوت المجتمع الحقيقي، مشيراً إلى أن هذا الفن، رغم وجود العديد من المواهب في الناصرية، يواجه تحديات كبيرة نتيجة غياب الدعم الحكومي.