بوابة الأهوار: مشروع لإحياء التراث والسياحة في الجنوب العراقي

في منطقة كرمة علي شمالي البصرة، تبرز “بوابة الأهوار” كمعلم سياحي وثقافي يعكس التراث والبيئة المحلية لجنوبي العراق. 

هذا المشروع السياحي الذي شيد وسط أجواء مائية تعكس سحر المنطقة، يضمّ مضيفاً تقليدياً مصنوعاً من القصب، بالإضافة إلى مرسى للزوارق، مما يتيح للزوار فرصة استكشاف الأهوار عبر جولات نهرية، أما البوابة التي منحت اسمها للمكان، فمصنوعة من القصب الذهبي التقليدي، مما يضفي عليها طابعاً ينسجم مع بيئة الأهوار. 

الفنان التشكيلي ناصر سماري، الذي أطلق المشروع في مطلع العام 2023، يصفه بأنه مبادرة تهدف إلى إحياء التراث الثقافي والبيئي لمنطقة الأهوار وتوفير فرص عمل لسكان المنطقة، وتسليط الضوء على أهمية الأهوار كجزء من التراث العالمي. 

يقف سماري مبتسماً على مرسى البوابة، وقد تحقق حلمه بعد سنوات من الجهد. يقول: “الهدف من إنشاء بوابة الأهوار هو تعزيز رمزية حضارة وادي الرافدين وضفاف الأهوار، وتهيئة الزوار للولوج إلى عمق الأهوار التي كانت مهددة بالجفاف، لكنها عادت للانتعاش لتصبح وجهة سياحية وثقافية ومصدر دخل لسكان المنطقة”.

ويضيف بحسرة: “يؤلمني أن أرى الأهوار تتآكل بفعل الجفاف وارتفاع الملوحة، ما يضعف موارد سكانها، وهي غائبة عن أعين المسؤولين إذ لم تلتفت الحكومة المحلية للأهوار كرافد ثقافي وفني، ولم تمنح السياحة الأولوية”.

ويتابع قائلاً: “هذا الواقع دفعني كفنان تشكيلي إلى العمل على مشروع ممول ذاتياً، فبدأت منذ سبع سنوات دون أن أفصح عن خططي لتجنب تشتيت العزيمة، واليوم، وقد أوشك المشروع على الاكتمال، أصبح الحلم واقعاً ملموساً”.

تقع البوابة على نهر شط العرب في قضاء كرمة علي بناحية الهارثة، حيث يلتقي نهرا دجلة والفرات ليشكلا شط العرب، وتحيط بها من الشمال منطقة النجيبية التي تعد جزءاً من مركز مدينة البصرة، مما يمنح الموقع طابعاً استثنائياً ومميزاً.

المديرة المسؤولة عن بوابة الأهوار، نوال جويد، المهتمة بالفلكلور الشعبي، تتشارك مع سماري في تنظيم جولات للمضيف، فتقدم سرداً للحاضرين من مرويات التراث الشعبي، وتعرفهم بمميزات المنطقة وطبيعتها الخاصة.

الأهوار غائبة عن أعين المسؤولين إذ لم تلتفت الحكومة المحلية للأهوار كرافد ثقافي وفني، ولم تمنح السياحة الأولوية

وتشتمل الجولات النهرية عبر الزوارق والمشاحيف في عمق الأهوار على زيارات عديدة من بينها زيارة لهور المسحب وهور الصلال وجزيرة الحرير الغنية بالنباتات المتنوعة والقصب، كما تتضمن الجولة تقديم وجبة السمك النهري “المسگوف”.

ويُعد هور الحمار الشرقي، الواقع في محافظة البصرة، جزءاً من منظومة مائية متكاملة مع هور الحمار الغربي، وقد أُدرجت هذه المنظومة ضمن قائمة التراث العالمي وقائمة رامسار للمناطق الرطبة ذات الأهمية العالمية، ويتغذى هذا الهور عبر ظاهرة المد والجزر بواسطة أنهار المسحب والصلال والشافي، ويرتبط بجزئه الغربي عبر ممر مائي طوله 15 كيلومتراً.

لكن جاسم المالكي، المتخصص في التلوث البيئي وتقنيات المياه، أشار إلى أن “أهوار المسحب والصلال هي ما تبقى من هذه المنظومة، وتتميز بقربها من مركز مدينة البصرة، مما يجعلها مناطق ذات جاذبية سياحية، خاصة مع توفر العديد من الفنادق الراقية في المدينة”.

ويؤكد المالكي أن “أي نشاط يعنى بشؤون الأهوار يسهم في تسليط الضوء على هذه المناطق، مما يعزز الوعي بأهميتها البيئية والسياحية”.

في ظل الهواء النقي وتحت أغصان شجرة السدر، يجلس غسان، أحد زوار بوابة الأهوار، على أرضية المضيف المكسوة بأفرشة تراثية، باحثاً عن ملاذ هادئ بعيداً عن زحام المدينة. يستمد غسان، الفنان التشكيلي، الإلهام من هذه الأجواء لرسم لوحة تتناغم مع التراث والطبيعة، حيث تنعكس ألوان السماء ونباتات القصب والبردي في عمله الفني، مؤكداً أن طبيعة المكان تمنحه الإلهام والرؤية الفنية.

منذ إطلاق مشروع “بوابة الأهوار”، بادر القائمون عليه بتنظيم واستضافة فعاليات ثقافية وفنية متنوعة، مهرجانات ثقافية وأمسيات شعرية، ومعارض للفنون التشكيلية، وإنتاج أفلام توثق معالم الأهوار، إذ يسعى المشروع إلى نقل مركزية الثقافة من المدينة إلى المناطق النائية مسلطاً الضوء على حضارة الأهوار القديمة التي ألهمت البشرية في مجالات الكتابة والتعليم.

ويؤكد ناصر سماري أن “بوابة الأهوار” تسعى إلى تعزيز دورها كمؤسسة ثقافية وفنية مسجلة رسمياً، عبر تطوير مناطق سياحية وتراثية في الأهوار والقرى المجاورة، باستخدام مواد بيئية مستدامة تبرز أساليب البناء التقليدي بالطين والقصب. ويهدف هذا التوجه إلى إتاحة فرص للسياحة المستدامة، مثل المبيت والتخييم، مما يسهم في دعم الاقتصاد المحلي وفتح آفاق جديدة لفرص العمل لسكان المنطقة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى