راقصات الباليه في العراق: شغف يصنع الأمل
المنصة- مصطفى جمال مراد
تتسلل أضواء خافتة إلى خشبة المسرح، وتتراقص ظلال أقدام صغيرة تنساب برشاقة لتشع من بين الظلام، تحكي قصة فتيات يحملن في خطواتهنّ اصراراً وشغفاً.
تقف رند أحمد، البالغة من العمر 14 عاماً، على خشبة المسرح، حاملةً معها عشر سنوات من التدريب والمثابرة في عالم الباليه. التحقت رند بمدرسة الموسيقى والباليه في الخامسة من عمرها لتشق طريقها في هذا الفن الذي لا يستهوي سوى قلة من الفتيات، لتعبّر من خلاله عن شغفها العميق وإصرارها على ترك بصمة لا تُنسى في هذا المجال.
تتحدث رند بابتسامة عن أول لقاء لها مع مدربتها زينة، فتقول: “كان عمري خمس سنوات عندما رأتني المدربة زينة، وأعجبت بمرونة حركاتي، وقالت إنني سأحظى بمستقبل رائع”.
بحماسة كبيرة، تصف رند أجمل اللحظات التي عاشتها أثناء التدريب وعنند تقديم العروض، فتقول: “أجمل لحظاتي تكون في البروفات قبل الحفلات، وأيضاً مع الفتيات اللواتي تعرفت عليهن من خلال الباليه”. وتعتبر رند أن من أهم الجوانب الإيجابية لفن الباليه هو تأثيره على اللياقة الجسدية وعلى الذائقة الفنية والموسيقية والمسرحية، فهو فن شامل بحسب تعبيرها.
ورغم الشغف، تواجه رند وزميلاتها عقبات كبيرة، أبرزها ارتفاع أسعار الملابس وأحذية الباليه وندرتها في بغداد، مما يدفع الأسر إلى شرائها من خارج العراق رغم تكلفتها العالية.
توضح زينة أكرم، مدربة الباليه ومديرة قسم الباليه في مدرسة الموسيقى والباليه للمنصة أن “آخر دفعة ملابس حصلنا عليها من وزارة الثقافة كانت في 2013، ولم نتلق شيئاً بعدها”.
تُلقب عائلة زينة بعائلة الباليه، حيث تلقت زينة تعليمها على يد المدربة اليونانية مدام لينا، التي درّبت والدتها في الخمسينيات قبل تأسيس مدرسة الموسيقى والباليه في العراق.
وتعد مدرسة بغداد للموسيقى والباليه، التي تأسست عام 1969 في جانب الكرخ من العاصمة بغداد أبرز المؤسسات المتخصصة في تدريس فنون الموسيقى ورقص الباليه في العراق وتستقبل الطلاب من المرحلة الابتدائية حتى الإعدادية.
في السنوات الأولى، استعانت المدرسة بمدرسين من مسرح البولشوي الروسي لتدريس فنون الباليه والموسيقى. أما حالياً، فيتألف طاقم التدريس بالكامل من الكوادر العراقية. ويضم قسم الباليه في المدرسة أربع قاعات صممها خبراء روس، مما يجعلها واحدة من أبرز المعالم الثقافية في البلاد.
تقول المدربة زينة: “بدأت التدرّب في سن التاسعة، وكانت أسرتي الداعم الأكبر لي، وبعد قبولي في كلية الطب اخترت أن أتابع شغفي في عالم الباليه”.
آخر دفعة ملابس حصلنا عليها من وزارة الثقافة كانت في 2013، ولم نتلق شيئاً بعدها
وتضيف: “كنت أضطر سابقاً لتلقي دروس في الخارج، أما اليوم، فأصبح الأطفال يعتمدون على يوتيوب لتعلم الحركات، بينما كان التدريب في السابق يعتمد كلياً على المدربات”.
وتتابع زينة: “في السابق، كان خريجو الباليه ينضمون إلى فرقة عشتار ويتلقون رواتب جيدة، لكن الآن، رغم إحياء الفرقة، لا يوجد رواتب ثابتة. بينما في دول أخرى تتوفر معاهد متخصصة، نواجه هنا نقصاً في هذه الخيارات، حيث يعمل خريجو الباليه فقط في المدارس الخاصة ورياض الأطفال”.
وتتحدث زينة للمنصة عن صعوبة قبول الفتيات في قسم الباليه، إذ يتم اختيار 10 من بين 80 متقدمة بناءً على اختبارات للياقة والسمع الموسيقي واستقامة الظهر. وفي العام الماضي، نفّذت زينة عرضاً راقصاً بمشاركة طلبة صغار، وتقول إن الردود على وسائل التواصل الاجتماعي كانت إيجابية، مما شجعها على التحضير لعرض آخر.
تشير المدربة زينة إلى تحديات الخريجين إذ لا يُعينون في المدرسة. وتروي عن شقيقتها لينا، التي تعمل في مدرسة الباليه منذ 2018 بلا أجر بدافع من شغفها العميق بالباليه. ولم تكتفِ لينا بالعمل التطوعي بل سعت إلى نشر ثقافة الباليه في المدارس ورياض الأطفال لتوسيع الفرص أمام الفتيات.
مينا، مدربة باليه أخرى في نادي الصيد الواقع في منطقة المنصور ببغداد، وهو واحد من أبرز الأندية الثقافية والاجتماعية والرياضية في العاصمة التي تقدم دورات تدريبية في رقص الباليه، مستهدفاً الفتيات الصغيرات.
تتحدث مينا عن رغبة العديد من الأسر برؤية بناتهن يرقصن الباليه على المسرح. وتقول: “لديّ طالبات حصلن على فرص مهنية في الخارج، مثل ألمانيا بفضل شهاداتهن من مدرسة الباليه”.
أما زينة التي تدرب الفتيات وفق منهج فاجانوفا الروسي، فتصف طبيعة التحديات التي مدارس الباليه في بغداد بالقول: “تخيل.. هذا المنهج دقيق ومعقد، وقد دفعني لتعلم اللغة الفرنسية لفهم تفاصيله من الكتب الأصلية.. لكني مع ذلك لا أتقاضى أي مبلغ مالي مقابل العروض، وأرفض فتح مدرسة خاصة لأن مدرسة الباليه تعتمد عليّ بشكل كبير، وبمجرد مغادرتي ستُغلق”.
أنجزت هذه القصة ضمن سلسلة مقالات بدعم من برنامج قريب، وهو برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)