لاعبات كرة القدم في العراق: كسر للقيود وركض وراء الأحلام
المنصة- مصطفى جمال مراد
“كرة القدم غيرتني بالكامل”، هكذا عبّرت اللاعبة العراقية فاطمة إسماعيل أوهيب البالغة من العمر 23 عاماً، من محافظة ديالى، عن حبها للعبة التي أصبحت جزءاً من حياتها.
بدأ شغف “فاطمة” بكرة القدم منذ الصغر، حيث كانت تلعب مع شقيقها التوأم وأصدقائه في باحة منزلها وأحياناً في الشارع المجاور. لكن مع تقدمها في العمر، واجهت قيوداً في منطقتها بسبب “بلوغها”، مما منعها من اللعب في الشارع مجدداً.
لم يمنع ذلك فاطمة من متابعة شغفها، حيث ابتكرت طرقاً لممارسة كرة القدم في المنزل. وتقول: “كنت أضع بعض الأدوات كعقبات للتدرب على المراوغة في المنزل، كما كنت أتحدى نفسي في مسابقات للسيطرة على الكرة لأطول وقت”.
انتقلت فاطمة لاحقاً إلى مدينة بعقوبة، وبينما كانت تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، اكتشفت وجود أندية نسوية لكرة القدم. بدأت بمتابعة هذه الحسابات، مما أثار رغبة متزايدة بداخلها لتصبح لاعبة كرة قدم. تواصلت مع المدربة “أماني مثنى”، على أمل تحقيق حلمها، وبالفعل تحققت هذه الأمنية التي كانت نقطة تحول كبيرة في حياتها.
تقول: “لأنني كنت أعيش في منطقة نائية، كان من الصعب جداً أن أصبح لاعبة بسبب الأفكار المختلفة هناك، لكن بانتقالي إلى بعقوبة ازداد الأمل في تحقيق حلمي”.
مع دعم أسرتها، خاصة شقيقها ووالدتها، بدأت فاطمة ممارستها لكرة القدم، فشاركت مع عدة أندية وحققت نجاحات منها بطولة الجامعات في “الحبانية”، حيث نالت جائزة أفضل لاعبة، وأحرزت أهدافاً مميزة. كما حصلت فاطمة على فرصة للمشاركة في معسكر تدريبي في فرنسا لمدة عشرة أيام، مما ساهم في تطوير مهاراتها بشكل كبير، وعرّفها على فرق التدريب والملاعب الأوروبية.
كنت أعيش في منطقة نائية، كان من الصعب جداً أن أصبح لاعبة بسبب الأفكار المختلفة هناك، لكن بانتقالي إلى بعقوبة ازداد الأمل في تحقيق حلمي
حالياً، تنتظر فاطمة توقيع عقد مع نادٍ جديد في الدوري العراقي، وذلك بسبب نقص الأندية الثابتة، باستثناء بعض الأندية المدعومة مثل “الزوراء” و”الجوية”، فضلاً عن الأندية الموجودة في شمال العراق. وتقول: “الأندية تتعاقد مع اللاعبات فقط لفترة الدوري، ما يؤدي إلى تشتت اللاعبات بين الأندية”.
من جانبها، تشرح المدربة العراقية “فاتن مال الله” التفاوت الكبير بين رواتب اللاعبات ورواتب لاعبي الذكور، وتقول: “بعض اللاعبات يحصلن على مبلغ لا يتجاوز المليونين دينار عراقي لفترة الدوري، بدون راتب مستمر، بخلاف النوادي الثابتة كالجوية التي تمنح لاعباتها راتباً شهرياً يبلغ حوالي 500 ألف دينار عراقي”.
وتضيف فاطمة للمنصة أن الرواتب تختلف باختلاف مهارات اللاعبات، حيث تبدأ من 300 ألف دينار وتصل إلى مليوني دينار مقسمة على فترة الدوري، الذي يُعقد كل شهرين أو أكثر، ويمتد لثمانية أيام، مع مباريات يومي الخميس والجمعة.
كما توضح المدربة أنها واجهت تحديات عدة عندما كانت تدرب فريق التجارة، منها عدم التزام النادي بعقود اللاعبات القادمات من شمال العراق ومن إيران، مما أثر سلباً على الاستقرار في الفريق.
وتضيف: “في السابق، كان عدد اللاعبات قليلاً في بغداد والمناطق الجنوبية والوسطى، لكن افتتاح أكاديميات جديدة مثل أكاديمية “بنات العراق” ساهم في ظهور وجوه جديدة ومهارات متميزة”.
وتذكر اللاعبة زهراء باسم، لاعبة نادي نينوى التي توجت مع نادي “الجوية” ببطولة الدوري، تجربتها مع الانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي، وتقول: “رغم سجلّي الحافل بالإنجازات، واجهت تعليقات سلبية تقول إن كرة القدم ليست للمرأة، لكن دعم عائلتي، خاصة والدتي وشقيقتي، كان دافعي للاستمرار”.
وتتابع المدربة “فاتن”: “لا يوجد أماكن مخصصة للاعبات ولا حتى وسائل نقل، مما يصعب على اللاعبات الانتقال، خاصة مع قلة الملاعب المجهزة مثل “قاعة الشباب” و”قاعة الجيش” و”ملعب علي حسين”. وتضيف أن بعض اللاعبات يتكفلن بتكاليف النقل بأنفسهن، دون دعم أو مراعاة نفسية أو مادية.
لكن الوضع بدأ بالتغير مؤخراً، حيث تتلقى فاتن طلبات من أندية عربية للاعبات عراقيات للاحتراف في الخارج، مثل الدوري التونسي والدوري السعودي، حيث احترفت بعض اللاعبات العراقيات مؤخراً.
وتتمنى فاتن توسيع الكوادر النسائية التدريبية، لتشجيع الأسر على السماح لبناتهن بممارسة الرياضة في بيئة آمنة، مما سيسهم في زيادة عدد اللاعبات وتطوير كرة القدم النسائية في العراق.
أنجزت هذه القصة ضمن سلسلة مقالات بدعم من برنامج قريب، وهو برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)