كاتبات بصريات: ود وشهد.. الغوص في عالم الرواية لمعالجة قضايا المجتمع

 

المنصة – نغم مكي

 

بدأت ود قيس (36عاما) رحلتها الأدبية في سن مبكرة، حيث كانت تكتب لنفسها دون أن تنشر أعمالها، حتى دخلت مواقع التواصل الاجتماعي فتغيرت حياتها بعدما قدمت روايات تعكس نبض الشارع وتطرح قضايا مهمة تمس حياة الإنسان.

تقول ود عن بداية مسيرتها “حينما كنت في الثانية عشر بدأت بالكتابة لنفسي دون أن أؤمن بموهبتي، بل كنت أرى أن التعليقات الجيدة على صفحتي كانت مجرد مجاملات لكن الأمور تغيرت بعدما شاركت في مسابقة للكتابة وفزت بجائزة”.

أصدرت ود روايتها الأولى “لفافة عقد” عام 2021، وهي عمل سيكولوجي تناول عقدة الطفولة وتأثير البيئة على تكوين الشخصية وكانت القراءة مصدر إلهام للكاتبة وخاصة كتب الكاتب النمساوي ستيفان زفايغ، الذي يعجبها أسلوبه في فهم السيكولوجيا ونفسية الإنسان كما وقدمت روايتها الثانية “بذرة قطن” عام 2022، بالتعاون مع الكاتبة شهد صباح.

ورغم حداثة دخول شهد الفتاة العشرينية الى عالم الكتابة إلا أن الشغف الادبي جمع الكاتبتان في رواية واحدة تقول شهد “كنت أجد صعوبة في التعبير عن مشاعري بالكلمات، فبدأت بتوثيق ما أشعر به من خلال خواطر ونصوص بسيطة تحولت لاحقا إلى كتابة قصائد باللغة الإنجليزية ثم روايتي الأولى عام 2018”.

شجعت ود زميلتها شهد كثيرا واعارتها كتبا عدة لتقرأها فبدأت بينهما صداقة قادت الى اصدار مشترك بعنوان “بذرة قطن”، وتميزت مؤلفات ود وشهد بمعالجة قضايا نفسية وسيكولوجية، خاصة بعقد الطفولة وتأثير البيئة والظروف على بناء الشخصية.

وركزت أعمالهما على تحليل تصرفات الأفراد من منظور نفسي، مع الدعوة لفهم الأسباب والعلاج بدلًا من الحكم والعقاب، إذ ناقشت مؤلفاتهما قضايا حساسة منها قضايا النساء وحماية الطفل من التحرش استنادا إلى قصص واقعية ممزوجة بلمسات خيالية، وتطرقتا إلى تأثير هذه التجارب على تكوين الشخصية واتخاذ القرارات.

جسدت ود هوية المرأة في كتاباتها بالعاطفة المتأرجحة بين قوة تبني وضعف يهدم، باعتبارها صراعًا أزليا بين العقل والعاطفة، وبين الثلج والنار، والحياة والموت. أما شهد فتختلف برأيها، إذ ترى أن الكتابة تعكس الأفكار والمخاوف، وتهدف إلى تجسيد الشخصيات والقضايا بشكل يخدم الغاية الأدبية، مؤكدة على أهمية تقديم فائدة للقارئ إلى جانب المتعة، من خلال مناقشة قضايا هادفة عبر النصوص والروايات.

تقول ود “هي حياتنا اليومية وتجاربنا، والمواقف التي يتعرض لها الناس المقربون لنا، قضايا الطفل، وكل ما يخصه، تشكل مصدر إلهام كبير بالنسبة لي. فأنا محبة للأطفال بشكل كبير واهتم بكل ما يتعلق بهم”.

تتوافق شهد مع ود في كثير من الاهتمامات وتقول: ” أجد إلهامي في قضايا الرأي العام، خصوصًا مشكلات الطفل، كونه أساس المجتمع لكنه يعاني من إهمال كبير في التعليم والرعاية والتربية. وأكثر ما يلهمنا هم الناس، لأننا جزء منهم وهم جزء منا، ومن خلال الكتابة يمكننا المساهمة في تطويرهم، وبالتالي تطوير المجتمع ككل”.

وتضيف “لدي اطلاع مبدئي على أعمال الكتاب العراقيين الشباب. ما يلفتني هو أن طريقة تفكيرهم وأساليبهم في الكتابة تتوافق مع الواقع الاجتماعي الذي نعيشه كعراقيين اليوم، وأرى أن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورًا كبيرًا في إيصال أصواتهم إلى العالم، مما يمنحهم مسؤولية كبيرة في تمثيل الأدب العراقي ونقل صورة حديثة ومميزة عنه إلى الجمهور الدولي”.

اما ود التي لديها اطلاع بسيط على الرواية العراقية بعدما قرات لبعض كتابها فتقول “بصراحة، اطلاعي على الروايات العراقية ليس واسعًا، ولكنني قرأت لبعض الأسماء البارزة مثل إنعام كجه جي، أحمد خيري العمري، وسنان أنطوان، وأعتقد أن تطور الرواية العراقية، كغيرها من أنواع الكتابة يرتبط بتطور الحياة نفسها”.

يواجه الكتاب العراقيون صعوبات كبيرة في نشر كتاباتهم، والسبب الأول والأساسي هو ارتفاع تكاليف الطباعة والنشر إذ لا يستطيعون نشر أعمالهم بسبب غلاء الأسعار ولا توجد جهة معينة تتبنى المواهب في مجال الطباعة والنشر، وحتى إن وجد الدعم، فهو قليل، فيما تواجه النساء الكاتبات عوائق إضافية تتعلق بالعادات والتقاليد.

تعلق شهد “للأسف في الحقبة الزمنية التي نعيشها لا يمكننا تحقيق أي شيء دون المال، الموهبة والدراسة وحدهما لا يكفيان. حتى إذا كنت كاتبًا موهوبًا ووفرت المال لنشر كتابك، ستحتاج إلى ضعف ما أنفقته للطباعة من أجل التسويق، ليس فقط للكتاب، بل لنفسك أيضًا ككاتب، هذا هو الواقع المؤسف الذي وصلنا إليه”.

وتضيف “البيئة هي المصدر الأساسي للإلهام، لكنها في العراق قد تعيق الإبداع بسبب التحفظ الاجتماعي، فالكاتب يجد صعوبة في تجاوز حدود المجتمع أو طرح أفكار جريئة، خشية التعرض للهجوم أو المساءلة، وهكذا، تصبح البيئة عامل إلهام وتحدٍّ في آن واحد.”

اما ود فترى ان دور الروائي في تسليط قضايا المجتمع ومعالجتها يتجاوز طرح المشكلة المجرد فبعض الروائيين يناقشون قضايا دون تقديم حلول، ونحن بحاجة إلى طرح الحلول أو توجيه القارئ للتفكير فيها، وهذا يعتبر جزءاً من دور الروائي في التوعية والمساهمة في معالجة القضايا.

ود وشهد نموذجان لكاتبتان نشأتا في المدينة الجنوبية ويحاولان بكل جهد تخطي العقبات وطرح الحلول للقضايا الاجتماعية من خلال الرواية.

 

أنجزت هذه القصة ضمن سلسلة مقالات بدعم من برنامج قريب، وهو برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى